برزت أهمية التواصل مع تقدم التكنولوجيا، مما شغل اهتمام العلماء والباحثين في فروع معرفية شتى ومجالات علمية مختلفة .ومن البديهي ان التواصل واحد من مجالات المعرفة الانسانية التي ازداد الطلب عليها لما حققه من إنجازات سواء على مستوى الافراد والجماعات أو المؤسسات باعتباره مجالا معقدا ،يتضمن العديد من الجوانب والعناصر التي يجب أخذها في الاعتبار. فالتواصل ليس مجرد تبادل كلمات أو أفكار، بل يتضمن أيضًا الفهم الصحيح للغة والثقافة والسياق والتواصل غير اللفظي والتواصل عبر وسائل متعددة مثل الشفهي والكتابي وغير اللفظي، بالإضافة إلى ذلك تؤثر العديد من العوامل الشخصية و الثقافية والاجتماعية على التواصل مثل الخبرات السابقة والعلاقات الشخصية.
من هنا يطرح كتاب استراتيجيات التواصل الشفهي لمؤلفه محمد الذهبي، دراسة موضوع الاتصال والتواصل واستراتيجيات المقابلة العلمية والمهنية، على اعتباره محط اهتمام الباحثين المختصين وأفراد المجتمع المهتمين في تعميق البحث فيه ومعرفة نظريته وآلياته، اذ ينبغي على الفرد كتابتها من اجل تمكينه من اجرائها بثقة في النفس و في القدرات العلمية و التجربة الميدانية، بدل الارتباك و الاندهاش، ليتقدم للمقابلة بروح معنوية ونفسية مرتفعة.
إن التواصل هو عملية تبادل المعلومات والأفكار بين الأفراد أو الجماعات، وتتألف عناصر التواصل من الرسالة المرسلة، والمرسل (المتكلم أو الكاتب)، والمستقبل (المستمع أو القارئ)، ووسيلة الاتصال (كالكلام أو الكتابة أو اللغة الجسدية)، والسياق الذي يشمل الظروف والمواقف الاجتماعية والثقافية التي تحدد معنى الرسالة.
من منظور الابستيمولوجيا، يمكن النظر إلى التواصل كعملية تكوين المعرفة والفهم بين الأفراد والمجتمعات؛ ويمكن تقسيم التواصل إلى عدة فئات، منها:
- تواصل لغوي: ويتعلق بالاستخدام الصحيح للغة وفهمها لتبادل الأفكار والمعلومات.
- تواصل غير لفظي: يشمل التواصل عبر الإشارات الجسدية والتعبيرات الوجهية واللمس والتصرفات اللافظية.
- تواصل غير مباشر: يتضمن استخدام الرموز والرموز المشتركة لنقل المعاني مثل الرموز الثقافية أو الرموز الدينية.
- تواصل رقمي: يتعلق بالتواصل عبر الوسائط الرقمية مثل البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي.
- تواصل بين الثقافات: يدور حول التفاعل بين مجموعات مختلفة ثقافيًا وتبادل الآراء والمعتقدات والقيم.
ويشكل تفاعل هذه الفئات معًا تجربة التواصل ويساهم في بناء المعرفة وفهم العالم من حولنا.
الخطاب هو عملية توجيه الرسالة أو ايضاح فكرة أو موقف معين إلى جمهور معين، ويتضمن مفهوم الخطاب عدة عناصر منها:
المرسل: الشخص أو الجهة التي تقوم بإرسال الرسالة أو الإيضاح.
الرسالة: المحتوى الذي يتم توجيهه إلى الجمهور، سواء كانت مكتوبة أو شفهية.
الغرض: الهدف الذي يرغب المرسل في تحقيقه من خلال الرسالة، سواء كان إقناعيا أو إيضاحيا أو ترفيهيا.
ويعمد الخطاب إلى عناصر منها: اللغة التي وتؤدي وظيفتها التواصلية داخل دائرتها، وقد حدد ابن جني بأنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم وتكمن أهمية اللغة داخل الحياة التواصلية الفعالية ؛ ثم الأسلوب وهو طريقة تنظيم الرسالة أو الإيضاح أو الكلمات والتركيبات الجملية لتحقيق الغرض المرجو؛ والموضوعية في استخدام الحقائق والأدلة المنطقية لدعم الرسالة ؛ أما التوجيه فهو اختيار الأسلوب واللغة المناسبين للجمهور المستهدف.
ويتمثل الفرق بين السماع والاستماع والانصات في التركيز والتفاعل مع المحتوى الذي يتم تلقيه. فالسماع وهو القدرة الطبيعية على استقبال الأصوات .أما الاستماع فيشير إلى القدرة على تركيز الانتباه على الصوت المستمع إليه ، ويتضمن فهم الرسالة والتفاعل معها؛ فيما الإنصات هو أعلى مستوى من الاستماع، ويتضمن التركيز العميق و التفاعل الفعال مع المحتوى، ويشمل فهم المشاعر والرسائل غير المنطوقة.
أما تقنيات المقابلة في التواصل الشفهي فتشمل مجموعة من الاستراتيجيات والمهارات التي يمكن استخدامها لتحسين فعالية التواصل، من بينها الاستماع الفعال، بوصفه أحد أهم التقنيات في التواصل الشفهي ويساعد على فهم الرسالة بشكل صحيح ويعزز بناء العلاقات و تعزيز التفاهم بين الاطراف .ثم التواصل غير اللفظي الذي يشمل التعبيرات الوجهية ولغة الجسد و الاتصال البصري، وأيضا استخدام الأساليب الإيضاحية باستخدام الأمثلة والتوضيحات لجعل الرسالة أكثر وضوحا وفهما . وكذلك التحفيز والإشادة لتقوية الروح المعنوية والتشجيع على التفاعل الإيجابي. وأيضا استخدام الأسلوب الدبلوماسي وتحديد الأولويات مما يساعد في توجيه المحادثة وتجنب الانحرافات و ضمان تحقيق الاهداف المحددة.
أهمية تقنيات المقابلة في التواصل الشفهي والتي تكمن في قدرتها على تحسين فعالية التواصل وبناء علاقات صحية وإيجابية مع الآخرين، كما تساهم في تجنب السوء فهم وتعزيز التفاهم.
من بين أساسيات آداب التواصل الشفهي وبعض المعوقات التي قد تواجه عملية التواصل الشفهي:
الاحترام : نحو الاخرين واحترام وجهات نظرهم ومشاعرهم؛
الصدق : التعبير عن الرأي بصدق وصراحة دون إيذاء الاخرين ؛
الاستماع الفعال: بالتركيز على ما يقال دون انقطاع ودون تحديد رد فعل قبل الانتهاء الاخرين من التحدث؛
تجنب الانحرافات: البقاء على موضوع النقاش دون الانحراف إلى أمور غير مرتبطة؛
استخدام لغة مناسبة: تجنب استخدام لغة خارجة أو مسيئة؛
الشكر والامتنان: تقدير مساهمة الآخرين وشكرهم على مشاركتهم؛
أما معوقات التواصل الشفهي فيمكن اختزالها في ما يلي:
قلة التركيز: تشتت الانتباه قد يؤدي إلى فقدان التركيز على الحديث والفهم الصحيح؛
انعدام الصبر: عدم الاستماع حتى نهاية الرسالة قبل الرد، يمكن أن يؤدي إلى سوء الفهم
استخدام لغة غير لائقة: قد يؤدي استخدام لغة غير مناسبة إلى إحداث توتر أو إساءة الفهم؛
الانفعالات الزائدة: الانفعالات الزائدة قد تؤثر على القدرة على التعبير بشكل واضح؛
الاستعجال في الرد: الرد بسرعة دون التفكير قد يؤدي إلى إساءة الفهم أو التصرف بشكل غير لائق؛
التوتر: التوتر و القلق قد يؤثر على القدرة على التعبير بوضوح ويجعل الشخص أقل مستعدا للاستماع بتركيز؛
ممارسة آداب التواصل الشفهي والتغلب على المعوقات يمكن أن تساهم في تحسين جودة التفاهم والعلاقات الشخصية و المهنية.
بقلم: عائشة بوزرار