تبدو التغيرات التي تحدث في عصرنا الحالي سريعة جدًا ومخيفة جدًا، وكل مشكلة تظهر قد يبدو أن حلها يأتي سريعًا، ولكنه قد يكون مختلفًا نسبيًا عما عهدناه.كثير من الأمهات المتزوجات حديثًا – والأمهات الشابات بالأخص – أصبحن يفتقدن الطرق التقليدية في النصيحة، إما لنفورهن أو معاناتهن من طرق التربية القديمة، أو لأنهن اضطررن لخوض غمار السفر مع أسرتهن من أجل الرزق، أو لعدم وجود شخص مناسب في عائلتهن يسدي لهن النصيحة.
لقد أصبحت مواقع التواصل – الفيس بوك تحديدًا – تحل كثيرًا من أزمات التواصل وعدم التواجد في مكان قريب من أصدقائنا، ومكنتنا من الالتقاء بمن يمتلكون ظروفًا متشابهة ومقاربين لنا في التفكير والعمر، يتبادلون الخبرات وكيفية التصرف في المواقف التي غالبًا ما تكون متشابهة، بل إن المدارس حاليًا أصبحت لديها مجموعات كي يتكلم أولياء الأمور عما يدور بها، و سكان المناطق الواحدة لديهم مجموعاتهم التي تناقش ما هي أفضل مدرسة. هناك رأي عام مصغر أصبح يتكون بعيدًا عن الطرق التي ألفناها قديمًا. فيض المعلومات المتاح لدينا الآن على كثرته وسهولته ولكنه في نفس الوقت مرعب، وهذا يجعل الأمهات الشابات في حالة لهاث مستمر أملًا منها في أن تستطيع اللحاق بكل ما يظهر وتقدمه لطفلها كي لا يكون مختلفًا عن بقية الأطفال.
وبطبيعة الحال لأن قدرات الإنسان محدودة فغالبًا ما تشعر الأم الشابة التي تتابع النصائح على الإنترنت بالإحباط. أقدر كثيرًا الرغبة والحرص على مواكبة الجديد، هذا في حد ذاته يجعل المرء يحدث معلوماته بشكل دائم، و لكن لو زاد هذا الشعور عن حد معين أصبح مدمرًا وقد يؤتي نتائج سلبية في التربية. و لهذا أود لفت النظر لبعض النقاط التي قد تؤدي لهذه المشاعر، فلنأخذها في الاعتبار قبل الاسترسال في قراءة نصائح أو تجارب البعض:
هناك بعض الفتيات يجدن حكي المأساة/ التميز، غالبًا ما يترك انطباعًا متضخمًا غير حقيقي عند الآخرين. كثيرًا ما كنت أصادف حكايات معينة ولكني عندما أراها على أرض الواقع أجدها ليست بنفس المأساوية/ التميز الذي وصلني من المقروء على النت. هي لا تتعمد شيئًا معينًا فأرجو ألا تسيئي الظن، و لكنها غالبًا ما تكون موهوبة في إيصال المشاعر بشكل معين لدى المتلقي، ضعي في ذهنك دائمًا أن الإنترنت لا ينقل المشاعر كما ينقلها الحكي المباشر، و حتى الحكي المباشر لا ينقل دائمًا كل الحقيقة.
عزيزتي، هناك دائمًا مسافة بين المقروء والواقع فلا تكتئبي مما تقرئين ولا تدعيه يؤثر عليكِ سلبًا، ولكن اعرفي فقط ما يحدث حولك دون الانغماس كليًا فيه. الأطفال الإناث غير الذكور، لا تقارني أبدًا طفلك بطفل من النوع الآخر. وحتى بين الفتيات وبعضهن البعض، والفتيان وبعضهم البعض، هناك فروق نوعية كبيرة جدًا، طالما أن الطفل في المنحنى الطبيعي ولديه نقاط قوته ـ حتى لو تضجرتِ منها مثل العند أو الحركة الكثيرة فقد تكون مؤشرات مبدئية لطفل صاحب شخصية فلا تتفنني في كسره كي تكوني أمًا ماهرة لا يكسر كلمتها وتكون السيطرة عليه بالحيلة، أو لطفل حركي يحتاج للعب كثير ويمكن توظيف ذلك بشكل إيجابي ونقاط ضعفه فلا تقلقي. الطفل موجود لنساعده فقط على اكتشاف الطريقة وليس لتشكيله، فهناك سمات و مواهب يولد بها الطفل وهناك أشياء مكتسبة يمكن تنميتها فيه.
يمكن أن يحدث الصدام بين الأهل و الأطفال إن لم يعرف الأهل سماتهم هم و سمات أطفالهم. فقد يكون هناك أطفال لهم طبيعة هادئة مع أهل لهم طبيعة حركية أو نشطة، فيبدو كأن هذا الطفل كسول أو حتى غبي ولكنه يتعلم بالمراقبة المستمرة. وعلى العكس قد يكون الطفل حركيًا نشطًا والأهل هادئين فيبدو لهم أنه طفل لا يطاق! الأمر إذن توازن بين شخصية الطفل/ شخصية الأهل. كما أن الطفل يكتسب مهارات بالتعامل فمن المفترض أن يكون للأهل المرونة الكافية لاكتساب سلوكيات جديدة تمكنهم من التعامل بشكل جيد مع هذا الإنسان الجديد، من ليس لديهم صبر لابد من التصبر، من ليس لديهم حلم لابد من التحلم وهكذا. الأمر يستحق.
يمكنك أن تصابي بالإحباط أيضًا، إن لم يسلك طفلك سلوكًا أمثل عند تواجده في تجمعات كبيرة من الناس/ الأطفال كما يفعل بعض الأطفال الآخرين. الطفل هو بذرة إنسان كبير، أوليس هناك أشخاص بالغون لا يعتادون على الناس بسهولة ويجدون صعوبة في التصرف في التجمعات الكبيرة؟ لا تبالغي في القلق وبدلًا من ذلك يمكنك أن تطلبي من المدرسة أن تأخذ بيد طفلك لتعريفه بزملائه في الفصل.
في الخارج تقام جلسات تنمية مهارات الخطابة ومواجهة الجماهير. لا أدري هل مثل تلك التمارين الاجتماعية موجودة في مدارسنا حاليًا أم لا. و لكن بشكل عام هناك الموهوبون في التعامل مع الآخرين وهناك من يريد أن يأخذ أحدٌ بأيديهم. على العموم شخصية الإنسان تتغير وتنمو مع تعامله مع آخرين دائمًا فلا تقلقي، لا توجد نهاية لمطاف التعلم. اجعلي الاستماع للتجارب لأخذ الخبرة وليس للتأثير السلبي، حاولي فهم طبيعتك و طبيعة طفلك، و لا تتماهي مع الهلع الذي يصيب البعض خاصة عند البحث عن حضانة/ مدرسة/ مدرس خصوصي/ مركز تنمية مواهب...إلخ. الأمر بسيط فعلًا، أذكر فقرة من السيرة الذاتية للكاتب جلال أمين يقول فيها أنه هو وإخوته الكثر تم تجريب كل أنواع المدارس فيهم، لم تكن المدرسة هي من تصنع العباقرة ولن تصنع أحدث و أغلى المدارس من الطفل العادي طفلُا عبقريًا، العبقري سوف ينبغ والحاضنة الأساسية في المنزل واشتراك الوالدين في التربية عليه العامل الأهم. الأفضل في رأيي أن نتقبل أطفالنا كما هم وندعمهم يكبرون في جو يسوده الاطمئنان والسكينة مع الشعور الدائم بالأمان والمسؤولية.
إعداد : شمس الدين (بتصرف)