يخطئ الآباء والأمهات أحيانا دون قصد، عندما يتبعون مجموعة من الممارسات التي تؤدي إلى تدمير روح القيادة عند الطفل، وهذه الأساليب من شأنها تربية الطفل على التبعية، وعدم الاعتماد على النفس. إليك هذه الأخطاء فاجتنبيها.
نحرص جميعا على غرس السمات الجيدة وتأصيلها لدى أطفالنا، ومن هذه السمات بالطبع روح القيادة والاستقلالية، والرغبة الدائمة في الاعتماد على النفس، والبعد عن التبعية للآخرين، وهناك اتفاق تام على أهمية هذه الصفات وتأثيرها الإيجابي على شخصية الطفل ومستقبله. وعلى النقيض من ذلك عندما يكون الشخص تابعا يكون من السهل تطويعه وخداعه، بل وإمداده بالأفكار الهادمة. وعلى الرغم من حرصنا الشديد على بث هذه السمات وتنميتها إلا أن الأسلوب الذي نتبعه ربما يدمر كل ذلك ويقضي عليه نهائيا، ونقصد هنا الطرق الخاطئة التي نستخدمها، معتقدين أنها توصلنا إلى هذا الهدف، إليك أكثر الأخطاء شيوعا والتي لا يمكن أن تبنى قائدا للمستقبل، بل على النقيض من ذلك تؤدي إلى هدم استقلاليته وتدمير الروح القيادية لديه، لأجل ذلك نهمس في أذنك تجنبي هذه الأخطاء.
إليك أشهر هذه الأخطاء التي نقع بها ونمارسها دون وعي، فنحن مثلا:
1 – لا نتركهم يتعرضون للمخاطر:
نعيش اليوم في عالم مليء بالتحذيرات من كل خطوة نود اجتيازها، نسمع كثيرا عن الأخطار التي يمكن أن يتعرض لها الكبار حتى قبل الصغار، هذا العالم يرفع دائما شعار Sefety First أو السلامة أولا فإذا أضفنا إلى ذلك كله خوفنا الشديد على أطفالنا، لأدركنا سبب ترقبنا لكل صغيرة وكبيرة يقومون بها فنحن لا نعطي لهم الفرصة نهائيا، كي يجتازوا حتى أبسط وأسهل المخاطر، فنقوم بعمل أي شيء نيابة عنهم، وهذا جزء من واجبنا تجاههم، ولكن لا يجب أن نسيطر على سلوكياتهم بصفة عامة، فعلى سبيل المثال هو يرغب في تجريب لعبة معينة، فلا تحرميه من هذه المحاولة بحجة أنها خطيرة أو ربما يقع منها، وما شابه ذلك من الكلمات التي نسمعها.
في مثل هذه المواقف من الضروري تركه يخوض التجربة، وذلك بعد أن تأخذي كافة الاحتياطات اللازمة، والتأكد من سلامته، ولا مانع من مراقبته دون أن تظهري له خوفك وهلعك، حتى لا ينتقل إليه هذا الإحساس، بالرغم وفي دراسة حديثة أجرتها إحدى المنظمات الأوروبية المهتمة بالطفل، وجد أن الطفل الذي لم تتح له الفرصة للعب بالشارع ولم يتعرض لبعض المخاطر الناجمة عن ذلك مثل السقوط على الأرض والتعرض للجروح والكسور والقطع. هؤلاء الأطفال من المؤكد إصابتهم بأحد أنواع الخوف المرضي (الفوبيا) عند الكبر، فالأطفال يحتاجون إلى السقوط والإخفاق كي يتعلموا أن هذه الأمور طبيعية، إذا تولى الوالدان إماطة المخاطر تماما عن الطفل، فحتما سيصبح هذا الطفل أنانيا عديم الثقة بالنفس، لا يتمتع بروح القيادة.
2 – نتدخل بسرعة فائقة:
يتسم أطفالنا اليوم بضعف الشخصية وعدم القدرة على التحمل مقارنة بالأطفال مثلا منذ ثلاثين عاما، ويرجح الخبراء ذلك إلى تولي الوالدين للمسؤولية كاملة، خاصة تحمل الأعباء والمشكلات نيابة عنهم، فقبل أن يتعرض الطفل للمشكلة نسارع في التدخل للحاق بها قبل أن تحدث، أو وهي في مراحلها الأولى، وهذا يعتبر أمرا جيدا للغاية، بالنسبة للمشكلات الجسيمة والخطيرة، لكن مع بعض المواقف الصعبة التي لا تترك أثرا سيئا على صحته ونموه، يفضل تركه كي يتعامل مع المشكلة بنفسه، فلا نتدخل في اللحظات الأولى، فهذا الأمر يحثه على التفكير، وتولي المسوؤلية، والبحث عن الحلول، مما ينذر بميلاد قائد للمستقبل، أما إذا قمت بالتدخل السريع، فمعنى ذلك أنك تطالبينه بأن يلغي تفكيره نهائيا، ولا يحاول طالما أنك سوف تمدينه بالحلول الجاهزة.
3 – المدح والإطراء المستمر:
من الضروري مدح الطفل والإطراء على ما يقوم به من إنجازات، مهما كانت صغيرة في أعيننا، فهي بالنسبة له إنجازات هائلة، فمثلا عندما يتمكن من المشي بمفرده للمرة الأولى لابد أن يشعر أنه قام بعمل ضخم يستحق المكافأة ولو بالتصفيق فقط. على أية حال لا يجب أن يكون هذا المدح بمثابة العرض المستمر طوال الوقت بلا حدود، فليس من المنطقي أن يظهر مدحك للطفل في كل وقت وبدون مناسبة، فحتى الطفل سوف يتسرب لديه شعور بأن هذا المدح غير موضوعي ولا ينطلق من أساس صحيح، لأن الوالدين فقط هما اللذين يرون ذلك، أما بقية الأشخاص من حولهم فلا يرون ذلك، فيبدأ الطفل في الإحساس بالمجاملة والزيف في المدح المستمر من قبل الوالدين، ربما يشعر بنوع من المتعة والسعادة في البداية، لكن سرعان ما يزول هذا الشعور، كما أننا عندما نمدح بسهولة، وفي كل شاردة وواردة يقوم بها الطفل، فإننا بذلك نعلمه الغش والكذب والخداع لكي يتجنب الحقائق، التي تكون في العادة هي الخيار الأصعب، فليس من المفترض في هذه الحالة أن يحاول الطفل العمل والنجاح طالما أنه يحصل على المديح والإطراء دون أن يحقق أي إنجاز.
ونصيحتنا ألا تبخلي عليه بالتحفيز والتشجيع، ولكن مدحك لابد أن يكون في موضعه، فليس مطلوبا منك الإسراف في النقد حتى لا يصل إلى حد الإحباط، وليس من المفضل أيضا إغراقه بالمديح، كي لا يبتعد عن الواقع. فهو لن يكون قياديا بالزيف أو الكلام المعسول، ولكن القيادة وقوة الشخصية هي نتاج لما يقوم به من أعمال ناجحة فحسب.
4 - شعورنا بالذنب:
معظمنا ينتابه شعور مرير بالذنب، لأنه لم يلبِ مطلب الطفل في الحال أو لأنه لم يكن عند توقع الطفل، وليس من المفترض أصلا أن نستسلم لجميع مطالب الطفل وتلبيته فور طلبها، كما أنك لا تحتاجين إلى إثبات حبك لطفلك طوال الوقت، كما أن استجابتك الفورية لكل ما يطلبه الطفل ليست هي البرهان أو الدليل على حبك له، فجميعنا يعلم أن للطفل مطالب كثيرة غير واقعية، أضيفي إلى ذلك أيضا أنه في أوقات عديدة يطلب ما يضره، سواء على المستوى الصحي أو النفسي.
الغريب في الأمر أن هناك أمهات يرضخن لرغبات الطفل مهما كانت، فمثلا هي تعلم أن هذا النوع من الحلوى يسبب له العديد من الأضرار الصحية، ولكنها لا تمانع في شرائه نزولا على رغبته، والإ شعرت بالنذب ووخذ الضمير، هذا النوع من التدليل الزائد لا يمكن أن يخرج من رحمه شخصية قيادية.
لا تترددي في أن تقولي «لا» أو «ليس الآن» فعندما يشعر بالخذلان منك في موقف معين، فهذا الأمر هين، وسوف يزول أثره سريعا، أما النتائج المترتبة على التدليل فسوف تظل معه راسخة في شخصيته، محفورة في ذهنه، يعتقد أن العالم كله مسخر لخدمته وتلبية أوامره وطلباته، ومن ثم فلا داعي لديه للعمل والاجتهاد والمثابرة. هذه الشخصية لا يمكن أن تكون قيادية بأي حال من الأحوال، بل على النقيض من ذلك، سيبحث دائما عن ظل يتبعه، ظل يحقق له رغباته كما كانت تفعل الأم معه في الصغر، سيظل تابعا وسط الأصدقاء بالمدرسة، وتابعا للزملاء بالعمل، وتابعا لزوجته بعد ذلك، من لا يتحمل المسؤولية في الصغر لا يقوى على تحملها عند الكبر، فلا نطلب منه أن يكون قياديا ومسؤولا عن الآخرين.
5 – عدم المشاركة:
نحن لا نشارك أولادنا في أوقاتهم بالقدر المطلوب، هذا ما أسفرت عنه العديد من الدراسات، التي تبحث في العلاقة بين الآباء والأبناء، فمن الضروري أن نكون إلى جوارهم لأطول وقت ممكن على مدار اليوم، نتعرف على مشاكلهم، وأيضا نشاركهم أوقات السعادة، هذا الأمر لا يحدث في الغالب، عندما يقع الطفل أو المراهق في مشكلة ما فمن الضروري – من وجهة نظر علماء النفس – أن نكون قد جلسنا معهم قبل هذه المشكلة، وأن يكون هناك حوار حول مواقف مشابهة حدثت لنا كآباء، عندما كنا أطفالا، عندما نحكي للأبناء عن الخبرات السابقة لنا سواء خبرات سيئة أو تجارب ناجحة فإن هذه التجارب تظل عالقة في ذهن الطفل، وعندما يتعرض لمواقف شبيهة يعمل جاهدا على تجنب الأخطاء التي وقعنا نحن بها، والاستفادة من الخطوات الإيجابية التي ساعدتنا على تجاوز الصعاب في الماضي، والتغلب على المشكلات، وعندما يقوم بالربط بين تجاربنا التي تحدثنا عنها معه، فهو قيادي لديه خبرات لم يمر بها، ولكنها نقلت إليه من خلالنا نحن، واستطاع هو أن يطوعها ويجهزها، لكي تكون صالحة للاستخدام في المواقف التي تقابله، شاركيه الوقت ولا تبخلي عليه بتجاربك السابقة.
6 – أفعال تناقض الأقوال:
الشخصية القيادية ليست وليدة اللحظة ولا مجال هنا للمصادقة، فلكي تربي في بيتك شخصية كهذه، فهناك العديد من المراحل والصفات التي يجب عليك إرساءها لدى طفلك، فعلى سبيل المثال نتحدث إليه دائما عن أهمية الصدق والنظافة والبعد عن التلاسن والألفاظ القميئة، هذا أمر جيد، بل ورائع، ولكن هل تتطابق أفعالنا ويتوافق سلوكنا مع ذلك؟ طفلك لا يحتاج إلى هذه الخطب الرنانة لأنه لا يتعلم بالحفظ هو يتعلم بالتقليد والمحاكاة، تحدثي معه طوال اليوم عن أهمية الصدق، لكن ذلك سوف ينهار عندما يشاهدك وأنت تمارسين الكذب، لذا فالخطأ الذي نقع فيه هنا، هو عدم تطابق الفعل مع القول، اتركيه يراك دائما في مواقف إيجابية، احرصي مثلا على ترك المكان نظيفا وأفضل مما كان وقت الجلوس به، لا تتحدثي أمامه بسوء عن الآخرين، تأكدي أنه سوف يقلدك، وطالما أنه يتعلم بالتقليد، فليكن سلوكنا إيجابيا يتوافق مع صفات القائد التي نود تربيته عليها، تجنبي هذه الأخطاء، تضمني شخصية قيادية قوية، لا تتقاذفها الأهواء ولا تعبث بها تقلبات الزمن.
المصدر: مجلة اليقضة