يكشف الأدب نواحي مختلفة من الخبرة الإنسانية بشكل معقد وجميل، ويجعلنا أكثر قدرة على الفهم والتفكير، ويمكننا من الغوص إلى أعماق أبعد في طبيعة الخبرة البشرية، ويكتب الأدب في أشكال وأنواع وتقاليد مختلفة، ولهذا كله تاريخ طويل أسهم أدباء كبار في تطويره ورسم خطوطه، فالأدب يبني على ما سبقه من أدب، فيكون لبنة إضافية في تاريخ من الفكر والتعبير الجميل.
وفي هذه الدراسة التي حاول فيها الكاتب خالد جوده أحمد أن يبحر بنا من خلالها حول كيفية الاستفادة من الأدب في التربية، وكيف أنه مدرسة تربوية عظيمة تخرج فيها كثير من العظماء الذين خلدوا بعلمهم وخلقهم صحائف من ضياء.
فعلى الرغم أن الأدب ليس شرطا أن يضم مواعظ أخلاقية مباشرة، أو توجيهاً سلوكياً، كما أنه ليس باحثا في شئون المشكلات الاجتماعية، إلاّ أنه مع كل ذلك يعالج مشاكل نفسية وأخلاقية وتربوية ويخلد مواقف تاريخية، وملاحم شعرية.
وفي ذلك يقول الدكتور محمد حسين هيكل في كتابه ثورة الأدب: «الأدب فن جميل غايته تبليغ الناس رسالة ما في الحياة. والوجود من حق وجمال بواسطة الكلام والأديب هو الذي يؤدى هذه الرسالة«.
ويقول العقاد في مقال له بعنوان "الإصلاح الأدبي": «إصلاح الآداب هو إصلاح لحياة الأمة وحل مشكلاتها وتصحيح التعبير عن حياتها الحاضرة والمستقبلة ويمكن الحكم على صلاحية هذا المقياس وجودته بمدى ما يقدمه الأدباء من فن رفيع لخدمة الأمة تصف به نفوسهم من خلق كريم «.
وعندما سئل نزار قباني يوماً عن رسالة الشعر بالتحديد.. قال: «وظيفة الشعر أن يغير العالم، وأن يزيد مساحة الجمال ويقلل مساحة القبح، وأن يجعل بحار العالم أكثر زرقة.. وغابات العالم أكثر ورقا.. ومدن العالم أكثر حرية.. والإنسان أكثر إنسانية«.
ولا نجد تعارضًا بين الأدب والتربية، فرسول الإنسانية محمد -صلى الله عليه وسلم- استخدم الأدب وقصائد الشعراء في تربية نفوس أصحابه وشجعهم علي قول الشعر الجميل الهادف.
ويؤكد الكاتب معتصم الشاعر في مقالة بعنوان: "التربية ومستقبل الأدب العربي" أهمية الأدب في التربية بقوله: «إننا خلاصة تربية غير منهجية، جعلتنا نفتقر إلى الفلسفة الواضحة في التعامل مع الأشياء والأحداث، ومع حياتنا أيضًا، ومن هذه الأخطاء التي ورثناها هي تلك الفكرة الظالمة التي شكلت نظرتنا للأدب والثقافة عمومًا، وهي أنها بلا جدوى، أوهي مجرد شيء لتزجية الفراغ، وتعلمنا أن كل قراءة خارجة عن إطار المقررات الدراسية هي مجرد هواية «.
إن أهم ما نقدمه للأجيال القادمة هو تربية ثقافية جديدة للتعامل مع الواقع المستقبلي، يكون هدفها تنشئة الجيل القادم على آليات للتعاطي مع الثقافة - والعلم أيضًا- وكيفية ربط الحصيلة المعرفية بالواقع والإسهام في صناعة المعرفة بطريقة علمية سليمة كنوع من ضريبة الاستمتاع بالإنتاجات التي أبدعها آخرون.
إن هنالك خللًا كبيرًا في طرق التلقي، فنحن نتعامل مع قشور الأشياء ولا نتجه إلى عمقها، ويبدو هذا جليًا في طرق تفكيرنا في حل المشكلات، حيث يمكننا أن نفكر في كل شيء حول المشكلة إلا الحل. لقد غفلت المناهج الدراسية أن تجعلنا نتلمس الحكمة أو أن نبحث عن زبدة الأشياء. وهذا الخمول الفكري الذي نعيشه إنما هو لغياب فلسفة واضحة للتلقي المعرفي.
لم يخبرونا عن آليات التفكير التي توصل إلى الاكتشاف أو الاختراع، وجعلونا نحفظ القصائد والقطع الإنشائية. وقرأنا روايات واختبرونا في مضمونها. ولكن لم يذكر لنا أحد كيف نكتب قصيدة أو رواية إن كان لنا ميل إلى ذلك.
ثم يؤكد على المعني الحي بقوله: «إن خلاصة ما نريد الوصول إليه في هذا الصدد هو أن علينا جميعًا أن نربي الجيل القادم على التلقي الإيجابي، والتفاعل مع المنتجات الثقافية ومحاورتها، وأن نملِّكه آليات لصناعة المعرفة وابتكار أساليب جديدة خاصة«.
ويقول الصحفي مصطفى شكري: «يكون الإبداع الإسلامي أداة تربية يوم يسهم في غرس نبتة الإيمان في القلوب، لما يدعوالفرد الإنسان إلى معرفة ربه عز وجل، والسعي إلى التحبب إليه عز وجل والسلوك إليه وطلب ما عنده ورجاء فضله ومنه وكرمه، يوم يذكرنا الله واليوم الآخر ويهذب نفوسنا بالمعاني الرقيقة الراقية الصافية، ويبعث فينا إرادة معرفة ربنا سبحانه، وإرادة الجهاد في سبيله«.
إنّ مهمة الأدب الإسلامي أن يسعى بفنونه المتعددة إلى مخاطبة فطرة الإنسان وتهذيب ذوقه ووجدانه وربطه بالوعي الأسمى، وعي هذه الفطرة أن لا اله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
فإذا كان التغيير يحتاج إلى تربية، والتربية تحتاج إلى أجيال لتثمر وتنفع، فإنّ من مجالات تربية الطفولة، يكون الأدب الإسلامي أداة تربية يوم يسهم في تربية النشء، عندما يزرع بالكلمة النافذة والجملة المهذبة والشعر الجميل محبة لله عز وجل ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أفئدة الطفولة المحرومة البائسة الآن، ولما ينشر الفضائل والأخلاق ويدلها على المثل العليا والمزايا السامقة في مجتمع الفضائح والرذائل. ولنتذكر أن من المعاني الأصيلة لكلمة أدب معنى التربية والخلق الحسن، نكتشف ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم: «أدبني ربي فأحسن تأديبي«.