«كل تأخيرة فيها خيرة» عبارة تختزل كثيرا من المعاني والقيم، وكذلك تختصر معاني كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وهو أسلوب تربوي مؤثر وفعال لو وظفنا الحكم والشعر والأمثال في تربية الأبناء، فستوفر علينا كثيرا من الجهد والشرح ووسائل الإقناع.

ومن الأبيات الشعرية التربوية:

                  أعمي يقود بصيرا لا أبا لكم ~~~~~  قد ضل من كانت العميان تهديه

ففي هذا البيت إرشاد لأبنائنا نحو العلم والتثبت قبل قبول أي معلومة أو توجيه من صديق أو موقع الكتروني. وهناك بيت ثان كذلك يربي الأبناء على القوة والشموخ والعزة، وعدم التنازل عن المبادئ والقيم التي يؤمنون بها عندما تواجههم محنة أو صدمة في الحياة، والبيت هو:

             ففي العصافير جبن وهي طائرة ~~~~~ وفي الصقور شموخ وهي تحتضر

فالأطفال يحبون الحيوانات، فإذا ربطنا القيم بالحيوانات تأثروا بها كثيرا، وهذا البيت يوضح لهم كيف أن العصفور فيه جبن حتى وهو طائر في السماء، وأن في الصقور شموخا وقوة وعزة حتى وهي تحتضر، لأن الصقر إذا شعر بقرب أجله وخاصة عندما يبلغ الأربعين عاما، فإن منقاره يبدأ بالتقوس وكذلك مخالبه تذبل وتضعف، فيكون أمامه خياران: إما أن يستسلم للموت، وهذا فيه ضعف له، أو أن يكسر منقاره ويخلع مخالبه ويغيب عن الأنظار وينتظر حتى تنمو من جديد، وهذا الخيار الذي يتخذه الصقر دائما، ثم ينطلق طائرا حرا قويا من جديد بعد نمو منقاره الجديد وكذلك مخالبه، ثم يعيش في الغالب بعد هذا القرار ثلاثين سنة أخرى، ولهذا توصف الصقور بأنها شامخة حتى وقت الاحتضار، وفي هذه القصة معنى تربوي كبير يتعلمه الأطفال. أما البيت الثالث فهو:

              ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ~~~~~ إن السفينة لا تجري على اليبس

وهذا البيت من الشعر يعلم الطفل بذل الأسباب والتوكل على الله، وألا يطلب المستحيل أو أن يتخيل شيئا لا يمكن تحقيقه فيضيع وقته وجهده في أمر لا يفيده، كما أن هذا البيت يعلم الطفل التسلسل المنطقي لفهم الأشياء، وأن يبذل الجهد حسب الاستطاعة لتحقيق النجاح، ويذكرنا هذا البيت من الشعر بقصة أعرابي جاء للرسول صلى الله عليه وسلم وترك بعيره من غير أن يربطه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بربطه فقال إني متوكل على الله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «اعقلها وتوكل»، يعني ابذل السبب بربط بعيرك، ثم توكل على الله. أما البيتان الرابع والخامس فهما يتمثلان في البيتين التاليين:

                 أحب الصالحين ولست منهم ~~~~~ لعلي أن أنال بهم شفاعة

                    وأكره من تجارته المعاصي ~~~~~ ولو كنا سويا في البضاعة

وهذان البيتان يفيدان توجيه الأبناء لمرافقة الصالحين، وأن يختاروا الأصدقاء بعناية، ويبتعدوا عن رفقاء السوء، حتى ولو كانوا من الأقرباء أو زملاء المدرسة. أما البيت السادس فهو:

                     ليس من يقطع طرقاً بطلاً ~~~~~ إنما من يتقي الله البطل

وهذا البيت يعلم الأبناء أن القيم الإيمانية هي القيم التي ينبغي أن يسعى الطفل للمحافظة عليها، وهذا المعنى تفسير للآية الكريمة: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، فالتنافس على التقوى هو التنافس الحقيقي بين الناس. أما البيت السابع فهو:

                 من عف عن ظلم العباد تورعا ~~~~~ جاءته ألطاف الإله تبرعا

وهذا البيت يعلم الأبناء الابتعاد عن الظلم ويعلمهم العدل في التعامل مع الناس، وأن الله تعالى يغدق على الإنسان نعما كثيرة عندما يترك الظلم والمعاصي، ولهذا فان مفهوم الالتفات الى النفس وعدم الانشغال بالناس عن النفس، هو أمر في غاية الأهمية، وفيها يقول الشاعر:

                   لسانك لا تذكر به عورة امرئ ~~~~~ فكلك عورات وللناس ألسن.

أما البيت الثامن فهو:

                ازرع جميلا ولو في غير موضعه ~~~~~ فلا يضيع جميلا أينما زرع

وهذا البيت يعلم الأبناء عمل الخير الدائم مع كل الناس، بغض النظر على جنس من نقدم له الخير، أو لونه أو دينه أو مذهبه فنحن نتعامل معه كإنسان، وفي هذا تحقيق لقول الله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، ولم يقل رحمة للمسلمين. أما البيت التاسع فهو:

                       اصبر لكل مصيبة وتجلد ~~~~~ واعلم بأن المرء غير مخلد

وفيه يتعلم الأبناء الصبر وأن الدنيا كلها محن وابتلاء، وأن دوام الحال من المحال، وأن الأيام متقلبة على مستوى الإنسان والحضارات، كما قال تعالي: (وتلك الأيام نداولها بين الناس). أما البيت العاشر والأخير والذي نقترحه على الوالدين والمربين في هذا المقال فهو:

                     العلم يرفع بيتاً لا عماد له ~~~~~ والجهل يهدم بيت العز الشرف

وفيه يتعلم الأبناء أن العلم شرف والجهل قبح، وأن العالم يعيش عزيزا كريما ولو كان فقيرا.

فهذه عشرة أبيات شعرية اخترتها لكم، يمكننا أن نعلقها في غرف أبنائنا، أو نتدارسها معهم، أو نحفظهم إياها، لأنها تختزل الحكم والقيم التربوية فتشكل سلوكهم، وتؤثر على طريقة تفكيرهم فيمارسون معانيها في حياتهم، كما أن هناك أبياتا كثيرة في قاموسنا الأدبي ومنها:

                    لأشكرنك معروفا هممت به ~~~~~ إن اهتمامك بالمعروف معروف

وبيتان آخران هما:

                      يخاطبني السفيه بكل قبح ~~~~~ فأكره أن أكون له مجيبا

                         يزيد سفاهة فأزيد حلما ~~~~~ كعــود زاده الإحـــراق طيبـــا

ونختم ببيت جميل يشجع أبناءنا على التميز والتفوق والإبداع والقيادة وهو:

                  قد رشحوك لأمر لو فطنت له ~~~~~ فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

 بقلم : جاسم المطوع