1 - الإعلام التربوي والإعلام التعليمي:

مثلما كان الاختلاف بشأن ما يعنيه مصطلح الإعلام التربوي ومدلولاته المختلفة كان الاختلاف المثار بالنسبة لمفهوم الإعلام التعليمي وهل هوقاصر علي ما تبثه رسائل الإعلام داخل الحقل التعليمي أم يتسع ليشمل البرامج التعليمية الموجهة في الإذاعة المسموعة والمرئية، وكذلك الصفحات والأبواب والأركان المتخصصة في الجرائد اليومية والأسبوعية، كذلك هناك من يخلط بين مصطلحي الإعلام التربوي والإعلام التعليمي، فيطلقون لفظ الإعلام التربوي علي العملية الإعلامية داخل الحقل التعليمي فضلا عن الدراسات والأبحاث التي تناولت البرامج التعليمية في الإذاعة والتليفزيون تحت مسمى الإعلام التربوي.

وهذا الخلط قد يكون ناجم عن الخلط بين كلمتي التربية والتعليم، بل إن الكلمة الأولي كثيرا ما تترجم إلي العربية مرة بالتعليم ومرة بالتربية، كما تستخدم كثيرا بمعني التربية لتشير إلى التعليم وعلي أساس أن التعليم نوع من أنواع التربية ولكنها التربية الرسمية التي تتم داخل المؤسسات التعليمية، بينما تتم التربية داخل تلك المؤسسات وخارجها وبرزت هذه النظرة من خلال الزحف التكنولوجي الهائل والحديث في كافة مناحي الحياة ، وضرورة أن تستخدم التربية منجزات عصرها، حيث إنها من المفترض ان تتأثر بأدوات ومنجزات عصرها الذي تعيش فيه.

وفي إطار هذه النظرة أشار البعض إلى أ استخدام وسائل الأعلام في التعليم له مردودة حيث أكدت بحوث " ولبور شرام " " Wilber schramm" على جدوي استخدام التليفزيون التعليمي ، حيث إن هذا الجهاز له إمكانات واستخدامات تربوية.

ومن الأشكال المختلفة لهذا الاستخدام والتي أنتجت أشكال من البرامج التعليمية الناتجة عن تكنولوجيا الإعلام "التعليم الذاتي والتعليم بالمراسلة" والتعليم عن بعد والتعليم المبرمج ... إلخ.

ويعرف إبراهيم المسلمي الإعلام التعليمي على أنه "جزء من الإعلام التربوي الأعم والأشمل" و يقصد به كافة المواد التعليمية المعدة خصيصا لفئة معينة ، التي تبثها وسائل الإعلام المختلفة سواء داخل الحقل التعليمي كالإذاعة المدرسية والصحافة المدرسية أوخارجها علي المستوي الجماهيري كالبرامج التعليمية المسموعة والمرئية الموجهة للطلاب بمختلف المراحل التعليمية والصفحات والأبواب والأركان التعليمية المتخصصة في الصحف اليومية والأسبوعية حتى وان قرأها جمهور عام – بقصد الإعلام والتثبيت والشرح والتحليل ومعاونه المؤسسة التعليمية.على أية حال هناك وجهتي نظر فيما يتعلق بمصطلح الإعلام التعليمي:

 2 - وجهات نظر حول مصطلح الإعلام التعليمي:

الأولي : تقصر الإعلام التعليمي علي كل الوسائل التي تستخدم داخل الحقل التعليمي في إعلام جماهير وأطراف العملية التعليمية بقضايا ومستجدات وأحداث ومشكلات الحقل التعليمي ومن هذه الوسائل الصحافة المدرسية، الإذاعة المدرسية وغيرها.

الثانية : تضيف الي هذه الوسائل الإعلامية المدرسية ما تبثه الإذاعة المسموعة والمرئية من برامج تعليمية متخصصة وكذلك ما تنشره الصحف والمجلات العامة من صفحات وأبواب وركان تعليمية متخصصة.

الرؤية الصحيحة لمفهوم الإعلام التربوي:

 إن إطلاق مصطلح " الإعلام التربوي " يشمل الواجبات التربوية لوسائل الإعلام العامة يمكن ان يكون اقرب الي الصواب واكثر إفادة للعملية التربوية والبحث العلمي التربوي وبخاصة أجهزة الإعلام (مصطفي رجب). ولا شك ان هذه النظرة الشاملة لمفهوم الإعلام التربوي لها جانبان:

الأولى : إن وسائل الإعلام علي اختلافها – مؤسسة اجتماعية لها من الحقوق ما لأية مؤسسة أخرى في المجتمع كالأسرة والمدرسة والمسجد والأندية وغيرها، وهي ولا شك وسيط تربوي قوي وبالتالي فعليها واجبات ينبغي القيام بها الي جانب وظائفها الأخرى التقليدية، يضاف إلى ذلك سعيها الدؤوب للبقاء والقوة والتكيف من خلال اكتمال وفاعلية دورها الوظيفي كوحدة في النظام الثقافي المتكامل في المجتمع

الثاني: إن التربية الإعلامية لا يمكن أن تتم بشكل مقصود مباشر كالبرامج التعليمية الموجهة وما يحدث داخل المدرسة ، وإنما يمكن أن تتم من خلال بث القيم التربوية والأخلاقية في محتوي الرسالة الإعلامية بحيث يكون تأثيرها في المتلقي متدرجا وغير مباشر حتى يؤتي ثماره.

وعلى أساس من هذا الفهم فإن أي محتوى يقدم من خلال وسائل الإعلام الجماهيرية، وفي إطار ملتزم بأهداف التربية في المجتمع وبقيم المجتمع ومبادئه يمكن اعتبار هذا النوع من الأعلام " إعلاما تربويا " أما إذا كان غير ذلك أي غير ملتزم أصبح إعلاما غير تربوي.

وهذا المعني إذن يحمل في طياته اتهاما مرفوضا من جانب الأجهزة الإعلامية ، فحيث  يكون هناك إعلام تربوي له خصائصه وسماته، يكون أيضا هناك إعلاما غير تربوي عندما يفتقد الي الخصائص والسمات التي يعددها بعض الباحثين في أدبياتهم، وهوما لا يتصور وجوده في إطار السياسات الإعلامية والتربوية.

ويعرف الإعلام التربوي بأنه "استخدام كافة أساليب التكنولوجيا الاتصالية الحديثة المسموعة والمرئية والمنشورة واللقاءات الميدانية لتوعية المواطن ومدة بكافة الآراء والمعلومات والخبرات والاتجاهات والمعتقدات" التي من شأنها أن تمس ناحية من النواحي التربوية أوالاجتماعية أوالتعليمية ، وكذلك التناول الإعلامي للمشكلات الاجتماعية والظواهر المرضية بشكل مباشر من خلال الاتصال الشخصي أوغير المباشر من خلال الاتصال الجماهيري. (حسني الجبالي).

وهذا المفهوم الواسع للإعلام التربوي يختلف عن هذا المفهوم الضيق الذي يقصره علي تلك المواد المعقدة خصيصا لأغراض تربوية ونفسية، سواء أكانت مذاعة أم مرئية أم منشورة.

والإعلام التربوي يقصد به "نوعا من الثقافة التربوية الهادفة الموجهة للجماهير بمختلف نوعياتهم ويمكن أن يكتفي هذا الإعلام بمعالجة بعض القضايا والمشكلات التربوية مثل قضايا المعوقين" ومتضمنات هذا الإعلام التربوي كونه إعلام من حيث ضرورة نشر موضوعاته عن طريقه كافة ألوان المواد المطبوعة والمسموعة والمرئية، وما يناسب الحالات والأعمار المختلفة منها ، وهذا الإعلام تربويا لانه يهدف الي غايات تربوية منشودة لخدمة بعض قضايا التربية والتعليم والإسهام في تربية أبناء وأفراد المجتمع بما يؤدي الي صالح الأفراد وتقدم المجتمع. (ثابت كامل حكيم).

ولا شك ان هذا المفهوم يأخذ في اعتباره الدور الخطير الذي تمارسه وسائل الإعلام تجاه المجتمع ومدى مساهمة هذه الأجهزة نحوخدمة قضايا التربية وتربية المواطنين، انطلاقا من كون التربية الصحيحة والإعلام الصحيح لابد أن يلتقيا في منتصف الطريق، ولتحقيق غايات منسقة تسهم في تقدم المجتمع وأفراده.

ويؤكد محي الدين اللاذقاني على النظرة الشمولية للإعلام التربوي فيقول:" إن التسميات الكثيرة التي يزخر بها معجم الإعلام الحديث كالإعلام الاقتصادي والزراعي والعسكري ما هي في الواقع إلا فرعا من شجرة كبيرة في شجرة الإعلام التربوي بمعناه الشمولي لا التبسيطي الذي يجعل منه معلما أخر ... ويستطرد قائلا: إنه من الأولى بالأعلام التربوي أن يطور وسائلة وأساليبة وأن يدرس بعمق يتناسب مع أهميته بين بقية فروع الإعلام في وقت يميل فيه الي التخصص.

3 - الإعلام التربوي والتربية الإعلامية:

أما عن التربية الإعلامية فتعرف بأنها "جميع الجهود والأنشطة الإعلامية الداعية والهادفة التي تبثها وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية" والتي تساعد علي بناء الإنسان وإعداده من جميع النواحي (أخلاقية، عقلية، روحية، اجتماعية واقتصادية) ليتمكن من أداء رسالته نحومجتمعة وتعمير الكون باعتباره خليفة الله في الارض. (إبراهيم سليمان).

فالتربية الإعلامية لا يمكن ان تتم بشكل مقصود مباشر، وإنما يمكن ان تتم من خلال بث القيم التربوية والأخلاقية في محتوي الرسالة الإعلامية بحيث يكون تأثيرها في المتلقي متدرجا وغير مباشر حتى تؤتى ثمارها . وهذا الفهم يدعو إلي الاقتراب من التساؤل الثاني ، حيث يمكن النظر إلى الوجه المقابل من القضية وهوالإعلام التربوي ، فمن المفترض أن وسائل الإعلام تبتعد عن تقديم تربية وتعليم بشكل مقصود تاركة ذلك لوسائل الإعلام التربوية المتخصصة.

وهذا الافتراض يقود الي تحسن المحتوي العادي لوسائل الإعلام العامة. فإذا كان هذا المحتوي مقدما داخل إطار ملتزم بأهداف التربية في المجتمع وبقيم المجتمع المختلفة جاز اعتبار هذا النوع من الإعلام ( إعلاما تربويا) طبقا لفهم الباحث. أما إذا كان ذلك المحتوي (الذي غالبا ما يهدف إلى الترويج والترفيه أوالإثارة لاعتبارات تتعلق بأهداف كل مؤسسة إعلامية على حدة) خلوا من أي التزام تربوي أوأخلاقي، أصبح ذلك النوع بهذا الشكل خطرا على العملية التربوية ذاتها. (محمد منير سعد الدين).

ومن ثم فالتربية الإعلامية أعم وأشمل من الأعلام التربوي الذي يهتم بنشر بيانات صحيحة وقابله للاستخدام تتعلق بجميع أنواع فرص التدريب والمتطلبات التربوية الحالية والمستقبلية، ويشمل ذلك محتويات المناهج وظروف ومشكلات الحياة الطلابية، وإذا كان الإعلام التربوي يمكن تعريفه على أنه " ذلك النظام المتكامل المتناسق من وسائل الإعلام الذي يوظف في تحقيق رسالة التربية ( الجسمية، العقلية، الاجتماعية والاستهلاكية... الخ بما يحقق التنمية الشاملة للفرد)، فان التربية الإعلامية يمكن تعريفها على أنها" ذلك النظام أوالنسق التربوي المسئول عن تنمية الحس الإعلامي لدى المواطنين في المراحل العمرية المختلفة "وهذه التربية قيمتها في تثقيف الفرد إعلاميا. ( عبد الوهاب محمد كامل ).

وهكذا وفي ضوء العرض السابق لمفهومي التعليم والإعلام التربوي والمفاهيم المتصلة بهما ، فإننا نخلص  إلى كون التربية والتعليم كمفهومين يتصلان اتصالا وثيقا، وإن كانت التربية أعم واشمل من التعليم الذي يمثل النمط الرئيسي للتربية، أي تلك التربية المقصودة التي تتم داخل مؤسسات تعليمية، والتي أقامتها الدولة خصيصا لغرض التربية والتعليم. ثم إن التعليم يعتبر جزء من التربية وليس العكس، كما اتضح تعدد وتنوع المفاهيم المختلفة للتربية حين تحدث عن هذا المفهوم أفراد ذوي تخصصات واتجاهات مختلفة.

وكما كان الحال بالنسبة لمفهوم التربية كان الحال أيضا بالنسبة لمفهوم التعليم ، فليس هناك تعريف جامع مانع للتعليم، فهناك من يساويه بالتعليم المدرسي (أي المدرسة) وهناك من يتناوله على أنه دراسة في الحياة (أي الخبرة) أي أنه لا يشمل مراحل الدراسة المقصودة في المدرسة فحسب، بل يمتد الى أبعد من ذلك بكثير بحيث يشمل ما يسمي بالتعليم المستمر، أي الذي يستمر باستمرار حياة الإنسان.

وبالنسبة لمفهوم الإعلام التربوي فما زال في حاجة الي تأصيل، وما زال هناك خلاف حول هذا المفهوم ، فهل هوالإعلام عن الجهود التربوية للاستفادة منها ؟ أم هوالاستفادة من علوم الاتصال وتقنياته من أجل الوصول الي أهداف التربية ؟

4 - الاتصال قاسم مشترك بين الإعلام والتربية:

مما سبق نجد أن التربية في جوهرها عملية اتصال ، والإعلام بكل انواعة سواء إعلام عام " صحافة وإذاعة وتليفزيون"أم إعلام تعليمي بشقية" صحافة مدرسيه وأذاعه مدرسية أوبرامج تليفزيونية لخدمة العملية التعليمية أوصفحات متخصصة للتعليم في بعض الصحف والمجلات أم إعلام تربوي بكل تعريفاته ومفاهيمه وما يشمله من صحافة تربوية وإذاعة تربوية وتليفزيون تربوي "في جوهرة أيضا عملية اتصال.

وأن التربية عملية توجيهية والإعلام كذلك بكل أنواعه السابقة عملية توجيهية. وإذا كان الأمر على هذا الوضع فبين الإعلام والتربية وسائط مشتركة نحددها في: الاتصال، عملياته، ووسائله وبينهما مجالات عمل وأهداف مشتركة. فكلاهما يتعامل مع المجتمع ويهدف لخدمته ويمكن ان تتحقق هذه الخدمة عندما يسير الإعلام والتربية في تآزر وتعاون وتغذي فيه التربية الإعلام، ويغذي فيه الإعلام التربية في إطار قيم وأهداف هذا المجتمع. (نور الدين عبد الجواد). وعلى الرغم مما قيل عن العلاقة التنافسية بين الإعلام والتربية ، وأيضا الاختلاف والفوارق بين العمليتين الإعلامية والتربوية والتعليمية، إلا أنهما يشتركان في عدة صفات أخرى تؤكد الترابط بينهما والتقاطع بين مفهوميهما.

  بقلم : صالح خليل أبواصبع (بتصرف) 

أضف تعليق


كود امني
تحديث