تعاني الجامعات العربية من تأخر رتبها في التصنيفات العالمية مقارنة بالجامعات الأميركية والأوروبية التي تعتمد البحث العلمي ركيزة أساسية في التطور وفي تقوية قدراتها التنافسية. ضعف البحوث العلمية في الجامعات العربية مسألة يعيها ويثيرها باستمرار الخبراء والأكاديميون العرب ويقدمون اقتراحات للنهوض بالقطاع، لكن تأخر الحكومات في وضع وتنفيذ سياسات كفيلة بذلك يكرس تواصل هذه المعاناة.
وزير التعليم العالي والبحث العلمي المغربي، لحسن الداودي، يرى أن الجانب السياسي يطغى على الجانب العلمي على مستوى العالم العربي، مما يشكل عائقا كبيرا أمام تقدم البحث العلمي الذي يلاحظ غياب التنسيق فيه في العالم العربي. ويضيف أن الرباط دعت وزراء البحث العلمي والتعليم العالي في كل من مصر وتونس والأردن إلى وضع برنامج مشترك للتعاون.
ويعتبر أن أمام الحكومة المغربية مشوارا طويلا في طريقها لفض المشاكل التي يجب تجاوزها خاصة في مجال التعليم والبحث العلمي. وقد أعرب الداودي عن أمله في أن تخصص حكومة بلاده أكثر من 1 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي (النسبة المخصصة حاليا) للبحث العلمي، معتبرا أن المهم حاليا هو إنفاق هذه الميزانية حسب الأولويات في هذا المجال، منتقدا عدم الاهتمام بالبحث العلمي في المغرب في وقت سابق.
رفع جودة التكوين والتأهيل يعد من أكبر مشاكل الحكومة المغربية لأن البلاد يجب أن تمتلك طاقات بشرية قادرة على منافسة دول أخرى وهذه الطاقات تتمثل في خريجي التعليم العالي والباحثين، فالتنمية والتطور يظلان مرتبطين بمستوى الطلبة لذلك انطلقت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المغربية في إعادة النظر في التكوين وبرامجه.
ورغم كل ما يقال مثلا عن أن المهندسين المغاربة مطلوبون داخليا وخارجيا، إلا أنه لابد من التطوير والانفتاح على تعلم اللغات الأجنبية وعلى الشباب المغربي أن يتعلم ويتقن اللغة الإنكليزية لأن المستثمر الأجنبي، سواء كان يابانيا أو صينيا أو ألمانيا، لا يتحدث العربية أو الفرنسية (اللتين يتحدثهما المغاربة)، فلغة الاستثمارات والتجارة في العالم هي الإنكليزية.
وفيما يخص حصيلة البحث العلمي بالمغرب خلال ثلاث سنوات ونصف السنة من عمر الحكومة الحالية يقول الوزير إن البحث العلمي عنصر أساسي لتنمية البلاد، لكن الموارد المالية التي تم صرفها في المجال لم تمثل حافزا للباحثين ولم تشجعهم على العمل البحثي في شتى المجالات.
والمغرب لم يتمكن من دخول غمار بحوث متقدمة كتلك التي تهم حرب النجوم أو السلاح المتطور لأن لديه مشكلة في الأولويات وفي توجيه الإنفاق في مجال البحث. فإذا تم توجيه هذه الأموال الموضوعة على ذمة البحث العلمي حسب الأولويات ستكون النتائج أفضل مما هي عليه الآن، فالدول التي تعتبر رائدة في مجال البحوث العلمية مثل الولايات المتحدة الأميركية واليابان، والتي تعرف تنوعا في مجال البحث العلمي، تخصص نسبا تتراوح بين 2 بالمئة و3 بالمئة للبحث العلمي من إجمال ناتجها المحلي، لكنها تعتمد برامج إنفاق دقيقة فيما يخص تحديد الأولويات.
ويمكن للمغرب الاستفادة من التمويلات الأوروبية المخصصة للتعاون البحثي، علما أن الميزانية المخصصة حددت بـ80 مليار يورو خلال السنوات السبع المقبلة، وهذا يعني أن للباحث المغربي موارد مالية كبيرة مع احتساب أن الميزانية الحكومية المحلية للبحث العلمي بلغت حوالي 72 مليون دولار أميركي، لعام 2015.
ويطمح وزير التعليم العالي المغربي إلى أن تخصص الحكومة أكثر من 1 بالمئة من الناتج المحلي للبحث العلمي، مع إقراره بأنه لابد من إعادة بناء المنظومة البحثية برمتها،
حيث يمكن تعويض غياب الموارد المالية عبر التعاون الدولي.
ورغم عدم الاهتمام المبكر في المملكة بالبحث العلمي كقطاع حيوي للتنمية إلا أن الحكومة تبذل جهودا حثيثة اليوم لتطوير الجامعات وفي حال يتم تحقيق نتائج إيجابية، فستخصص الحكومة ميزانية أكبر للبحث العلمي.
كما أن الطرح القائل بأن الدول الغربية لا تريد أن تشارك التقنية والبحث العلمي مع دول الجنوب تم تجاوزه، وهو ما سيساهم بشكل مباشر في تنمية البحوث العربية والمغربية خاصة وأن الجامعات الفرنسية والأسبانية أصبحت أكثر انفتاحا وهي تتعاون مع نظيراتها المغربية في عدة مجالات مثل الطب والكيمياء والفيزياء.. ورغم رفض بعض الدول فتح مختبراتها أمام دول أخرى في مجالات معينة إلا أنه يمكن الجزم بأن التعاون أصبح مفتوحا أكثر من الماضي.
ويتأسف الداودي عن غياب التنسيق في البحث العلمي بين الدول العربية لكنه يوضح أنه من الممكن أن يكون هناك تعاون بين المغرب وبعض الدول مثل تونس ومصر... ويقول "بادرنا إلى دعوة وزراء البحث العلمي في مصر وتونس والأردن إلى وضع تصور لبرنامج تعاون في مجال البحث العلمي، على أمل أن تنخرط دول أخرى في هذا التوجه".
ويرى أنه لا يمكن أن تكون الدول العربية قوية بينما مواردها المالية غير كافية على مستوى البحث العلمي، وأن الحل يظل في التعاون، مؤكدا على أن طغيان الجانب السياسي على الجانب العلمي فيما يخص التعاون المشترك والتبادل يشكل عائقا كبيرا أمام تقدم البحث العلمي.
فالصراعات السياسية بين بعض الدول العربية لا تساهم في عقد شراكات في مجال البحث العلمي، إضافة إلى أن الصراعات السياسية داخل بعض الدول العربية نفسها تؤثر بدورها سلبا على تقوية البحث العلمي.
بقلم : خالد مجدوب