مسألة الفروقات الفردية من الثوابت التي درسها علم النفس باستفاضة، وظهرت فيها وحولها كثير من النظريات والرؤى التي تؤكدها، وهي من السنن الطبيعية التي أوجدها الله في البشر إذ إن التمايز العقلي موجود ومؤكّد، ومن هنا تنطلق الفروق في معايير الذات الإنسانية وتفترق الطموحات ويصبح «كل ميسّر لما خُلق له» وتصبح قضية الهدف الإنساني هي الدافع والمحرّك لتحقيق الطموحات والوصول الى الغايات، ويتضح ذلك كثيرًا في مسارات العملية التعليمية وما يحصله كل فرد من علم بحسب الطاقة والجهد الذي يبذله، ويدعم ذلك ما يجده في نفسه من قدرات يطوّرها وينمّيها وتمنحه القوة الدافعة لتحقيق الهدف الذي وضعه. 

العملية التعليمية تنطوي على ديناميات تفتح مستويات الإدراك وترتقي بالأفق الفردي فتصبح بذلك مجالًا للتطوير وتنمية المواهب، فهي بمثابة الإشعاع الضروري لاستكشاف الذات والوصول الى أعلى سقف للإبداع وذلك ينتج تلقائيًا حرصًا على اختيار التخصص الذي يناسب الميول ويتماس مع الاتجاهات (attitudes) ويشعر الفرد بأنه قادر على خدمة مجتمعه من خلال التحصيل العلمي، وهنا فقط يتولد الهدف الأساسي والضروري من التفاعل مع معطيات العملية التعليمية، واكتشاف الطاقة الكامنة فينبغ ويتوهّج ذاتيًا، وكثير من الطلاب السعوديين وفقًا لهذا المسار السيكولوجي والإدراكي لمعوا في الخارج وتمّ تكريمهم ما يدلّ على أن مجتمعنا قادر على المنافسة بعقليات خلاقة.

وبالرغم أني لا أميل لتوجيه اللوم لمن تراجع الحلم بالنبوغ لديهم واستبداله بحلم الوظيفة، إلا أنهم تعرّضوا لضغط نفسي قضى على طموحاتهم العلمية، وهناك فئة أخرى تنتمي الى فئة (أي حاجة) حيث بات لا يهمّها النبوغ أو الوظيفة، لأنهم فقدوا بوصلتهم باتجاه الهدف مبكرًا بعد أن أجابوا عن سؤال ماذا تريد أن تكون عندما تكبر؟ بالرد (لا أعلم) ويظل على ذلك طوال فترة تمرحل أحدهم في كافة مراحل التعليم أسيرًا لجهله الكامل بماذا يريد أن يكون، وحتى حين يصل الى سؤال المرحلة الجامعية حول موقع رغبته الدراسية، فإنه يجيب: في كل الجامعات، وينطبق ذلك عليه حين يبدي الرغبة في الدراسة بكل التخصصات، وهذه العينة من الطلاب التي أضاعت هدفها الحقيقي موجودة بكثرة، للأسف، ووجود فئة (لا أعلم) هذا يُعيق العملية التطويرية والتنموية لدينا، حيث لا تتسق معدّلاتهم في برامج القياس واختبارات القدرات غالبًا مع معدّلاتهم التحصيلية؛ لأنهم ببساطة يعملون كماكينة حفظ وتفريغ.

المشهد العام الذي يتكرّر سنويًا عند نهاية الاختبارات السنوية أن تطلُّ علينا مشكلة القبول في الجامعات ولا همّ للمجتمع، وأخص بالذكر أسر الخريجين والخريجات من الثانوية العامة، إلا الركض المحموم خلف أبنائهم في القبول في الجامعات.

المشهد العام الذي يتكرّر سنويًا عند نهاية الاختبارات السنوية أن تطلُّ علينا مشكلة القبول في الجامعات ولا همّ للمجتمع، وأخص بالذكر أسر الخريجين والخريجات من الثانوية العامة، إلا الركض المحموم خلف أبنائهم في القبول في الجامعات، وكل الحديث يتركّز على نسبة الثالوث الذي بات يعرفه الجميع (التحصيلي، والقياس، والمعدل التراكمي) لدى الطلاب، وكم المطلوب في هذه الجامعة أو تلك، وفي هذا السياق لا أستغرب من عملية القبول في الجامعات؛ لأني في الحقيقة لا أعلم ماهية القبول فيها، فالرؤية غير واضحة، ولا الآلية الحقيقية التي تستخدمها الجامعات في معيار المفاضلة، فهل هي من خلال النسب أو من خلال المقابلة الشخصية (إن وجدت) أم ماذا؟ لأن هنالك كثيرًا من الأصوات تعلو بالشكوى من مشكلة عدم قبول أبنائهم رغم توافر شروط القبول لديهم، وتصل معدّلات بعضهم الى نسبة 100% ووهم لائقون صحيًا وغير ذلك، وتتساءل أسرهم بيأس وأسى: ماذا تريد الجامعات أكثر من ذلك؟ وماذا نفعل؟

وبدوري أنضم إليهم بذات الدهشة حول ما يجب أن يفعلوه وما تريده جامعاتنا، والوضع في تقديري يقتضي مراجعة علمية للثالوث المرعب الذي ذكرته سابقًا، لأن الجامعات مطالبة بالارتقاء بالقيمة العلمية للطلاب وحفزهم للتطور، وتقديم حلول تستوعب أهداف ورغبات الطلاب وليس القبول بقياساتٍ تعلق بالمزيد من الأسئلة على مشانق الاستفهام لدى أسر الطلاب.

بقلم : سكينة المشيخص