قرأت دعوة منسوبة لأحد الدارسين في المؤسسات العلمية الغربية تفضي إلى ضرورة التحرك لإنهاء النظرية ما بعد الكولونيالية، مع مطالبة باتخاذ قرار بعدم التفكير في أطروحات ما بعد الكولونيالية، بل وجدت من تكفل بإعلان نعي لها في مجلة رابطة اللغة الحديثة تحت عنوان نهاية النظرية ما بعد الكولونيالية.
أزعجني الأمر كثيرا، وخاصة أني هذا الفصل اخترت موضوع ما بعد الكولونيالية لطلبة الماجستير في إطار مادة حلقة بحث في الأدب والنقد. كان من الطبيعي الانجرار نحو البحث، فوجدت دراسة لروبرت يونغ بعنوان بقاء أم بقايا ما بعد الكولونيالية نشرها مركز نماء للبحوث والدراسات، وفيها تترى الأسئلة تباعا من مثل: ما الذي تبقى من ما بعد الكولونيالية؟ هل اندثرت فعلا تاركة كتبها المنسية ومقالاتها وبقايا برامح مؤتمراتها الصفراء؟ وأسئلة كثيرة أخرى تنتهي بإجابات قوية حاسمة: تقول:
إنها حية أكثر من اللازم، إلا أن حضورها-حسب عالم السياسة الفرنسي فرانسوا بايار يستمر في الإزعاج والقلق، والسبب هو انخراطها في المشروع السياسي الذي يعيد تشكيل البناء المعرفي الغربي الذي يستنطق مظاهر العنف وسيطرة القوى غير الديمقراطية، وكذلك يستنطق الاستغلال الاقتصادي واستغلال الموارد المفروض بالقوة العسكرية.
نعم هناك من ينزعجون من الدراسات ما بعد الكولونيالية، ليس لأنها تنقد الغازي وحسب، بل لأنها تنقد تابعه بالمثل، تنقد اغترابه عن ذاته الحضارية والوطنية، تنقد خياره بأن لا يعيش سيد نفسه، وبأن يصبح عبدا منتزعا من زمانه ومكانه الخاصين، بل ويصبح عاجزا عن استعادة قدرته على المبادرة والفعل، والأهم من ذلك أن دراسات ما بعد الاستعمار تفضح استعمارا يخفي نفسه حين يعرض بالاستعانة بوسائل الإعلام حرية ومساواة كاذبتبن أمام عيون الشعوب التي لم تنل حظا منهما. لذلك كله ولأسباب كثيرة أخرى تفسرها الدراسة فإن دراسات ما بعد الاستعمار تملك مبررات وجودها بقوة.
بقلم: رزان إبراهيم