تُعد تنمية مهارات التفكير العليا لدى التلاميذ هدفاً رئيساً، يسعى القائمون على العملية التعليمية لتحقيقه في جميع المراحل الدراسية، ويُعتبر ـ في الوقت ذاته ـ وسيلة للارتقاء بمستوى الفرد والمجتمع معا . وقد ازداد الاهتمام في الآونة الأخيرة (عقدي الثمانينيات والتسعينيات) بمجال تحسين وتطوير مهارات التفكير العليا لدى تلاميذ المدارس ـ في جميع المراحل التعليمية، الأمر الذي حثت عليه الأبحاث والدراسات الحديثة، وكان من أهم توصياتها: الحاجة الملحة لتطوير التعليم تستدعي الاهتمام بتلك المهارات وتنميتها. وقد أدى ذلك إلى ظهور اتجاهين في كيفية تطوير مهارات التفكير العليا لدى التلاميذ بشكل عام؛ وليس لمادة دراسية محددة:
  * الاتجاه الأول : يرى أن يتم ذلك من خلال دروس وبرامج خاصة ومحددة في تطوير مهارات التفكير العليا.
  * الاتجاه الثاني : يرى إمكانية تطوير مهارات التفكير العليا من خلال الحصص اليومية للمواد الدراسية ، وخاصة في مادة الرياضيات .
1 - تعريف مهارات التفكير العليا:
أولاً : تعريف المهارة:
للمهارة "عدة معان مرتبطة ببعضها، منها: خصائص النشاط المعقد الذي يتطلب فترة من التدريب المقصود والممارسة المنظمة، بحيث تؤدى بطريقة ملائمة ـ وعادة ما يكون لهذا النشاط وظيفة مفيدة. ومن معاني المهارة أيضا: الكفاءة والجودة في الأداء. وسواء استخدم المصطلح بهذا المعنى أو ذاك، فإن المهارة تدل على السلوك المتعلم أو المكتسب الذي يتوافر له شرطان جوهريان:

 ♦ أولهـمـا : أن يكون موجها نحو إحراز هدف أو غرض معين.

 ♦ ثانيـهما : أن يكون منظما بحيث يؤدي إلى إحراز الهدف في أقصر وقت ممكن . وهذا السلوك المتعلم يجب أن يتوافر فيه خصائص السلوك الماهر، ويعرف (Cottrell) المهارة بأنها : القدرة على الأداء والتعلم الجيد وقتما نريد . والمهارة نشاط متعلم يتم تطويره خلال ممارسة نشاط ما ، تدعمه التغذية الراجعة ، وكل مهارة من المهارات تتكون من مهارات فرعية أصغر منها، والقصور في أي من المهارات الفرعية يؤثر على جودة الأداء الكلي.
ثانيا : تعريف التفكير :
إن كلمة التفكير ـ كما يشير كثير من الباحثين ـ يعوزها التحديد ، سواء في لغة الحياة اليومية أو في لغة علم النفس على وجه الخصوص ، وهي تشير إلى كثير من أنماط السلوك المختلفة والى أنواع متباينة من المواقف ، لذا ؛ من الصعوبة بمكان تعريف التفكير أو اختيار تعريف محدد له تتمثل فيه طبيعة التفكير ومهامه ووسائله ونتاجاته، وتحديد المظاهر التي يتجلى فيها. وقد أورد (عبد الحكيم السلوم، 2001)، (فرج عبد القادر طه، 1993) عدة نماذج متنوعة من التعريفات نلخصها على النحو التالي:
 -  التفكير بمعناه العام :
هو نشاط ذهني عقلي ، تحركه أو تستثيره مشكلة أو مسألة تتطلب الحل ، ويقود إلى دراسة المعطيات وتفحصها بقصد التحقق من صحتها . ويعني ـ أيضا ـ عملية نفسية ذات طبيعة اجتماعية تتصل اتصالاً وثيقاً بالكلام، وتستهدف التنقيب والكشف عما هو جوهري في الأشياء والظواهر، وتحري واستقصاء واستنتاج منطقي ـ نتوصل عن طريقه إلى العديد من النتائج التي تبين مدى الصحة والخطأ لأية معطيات كانت.
 -  التفكير كسلوك:
هو سلوك عقلي، يخضع لعملية الضبط والتوجيه في انتخاب العناصر والرموز ـ ذات العلاقة بالمشكلة ـ في مجال الفكرة، وله وسائله الخاصة في المستوى الرمزي، وطرائقه في تقصي الحلول والحقائق في حال عدم وجود حل جاهز لها.
 -  التفكير كعملية عقلية:
 هو نظام معرفي يقوم على استخدام الرموز التي تعكس العمليات العقلية الداخلية، بالتعبير المباشر عنها أو بالتعبير الرمزي، ومادة التفكير الأساسية هي المعاني والمفاهيم والمدركات. وتجدر الإشارة أن هناك حاجة للتفريق بين مفهومي: التفكير، مهارات التفكير. حيث أن " التفكير " عملية كلية نقوم عن طريقها بمعالجة عقلية للمدخلات الحسية والمعلومات المسترجعة لتكوين الأفكار أو استدلالها أو الحكم عليها ، وتضمن الإدراك والحدس ، وعن طريقها تكتسب الخبرة السابقة معنى. أما "مهارات التفكير" فهي عمليات محددة نمارسها ونستخدمها عن قصد في معالجة المعلومات مثل: مهارات تحديد المشكلة، إيجاد الافتراضات،... وغيرها.
ثالثاً : تعريف مهارات التفكير العليا:
 اتفق التربويون في المؤتمر السنوي العاشر عن التفكير الناقد وإصلاح التعليم على التعريف التالي لمهارات التفكير العليا: يحدث تفكير عالي المستوى عندما يحصل الشخص على معلومات جديدة، ويخزنها في الذاكرة ، ثم تترابط أو ترتب وتقيم ـ هذه المعلومات ـ لتحقيق هدف ما. وهذه المهارات تشتمل على بعض المهارات الفرعية مثل: التحليل ـ التركيب ـ التقويم.
في حين يعرفها (حسن شحاتة، زينب النجار، 2003) بأنها مهارات غير تقليدية ، تهدف إلى تعليم التلاميذ كيف يفكرون وذلك من خلال القيام بإجراءات رياضية معينة وبخطوات محددة أكبر من مجرد استدعاء الحقائق والمعارف الرياضية أو تطبيق المهارات الحسابية، وتشتمل مهارات التفكير على مهارات فرعية (تحليل ـ تركيب ـ تقويم) وهي المستويات الثلاث العليا من التصنيف المعرفي عند بلوم.  والسؤال الذي يطرح نفسه هنا:

2 - لماذا الاهتمام بتنمية مهارات التفكير العليا ؟ ولماذا تصنيف بلوم المعرفي ؟.
عن الشق الأول من السؤال يجيب ( روبرت إنز، 1995) أن تنمية تلك المهارات تقدم لنا الخدمات التالية:
     - تشخيص مستويات التفكير العليا لدى الطلاب.
     - تقديم تغذية راجعة للطلاب عن مستوى قدرتهم على التفكير.
     - تحفيز الطلاب على التفكير بشكل أفضل.
     - إفادة المدرسين عن مدى نجاحهم في عملية التدريس.
     - اتخاذ القرار المناسب حول ما إذا كان الطالب جديرا بالالتحاق برنامج تربوي معين أم لا؟.
     - القيام بالدراسات والأبحاث العلمية في مجال تدريس مستويات التفكير العليا.
     - تحميل المدارس مسئولية مدى النجاح في تدريس مستويات التفكير العليا.
 وفي نفس السياق يضيف (فهيم مصطفى، 2002) أن التفكير الإيجابي تجاه المشكلات يجعل احتمال الوقوع في الخطأ قليل، و يحد من اتخاذ القرارات المتسرعة التي ينتج عنها أخطاء جسيمة، كما أن التفكير الإيجابي يزود الفرد بمجموعة من الخطط المدروسة والتي تتمثل في: كيفية اتخاذ القرار-كيفية حل المشكلات، ... وغيرها.
وبالنسبة للشق الثاني من السؤال ـ والخاص بتصنيف بلوم المعرفي ـ فإن المتتبع للتراث التربوي يجد أن تصنيف بلوم المعرفي اكتسب شهرة عالمية، ووضع كدليل لمساعدة المربين والمعلمين في تخطيط الأهداف والخبرات التعليمية. ولهذا؛ فإن الجمعية الأميركية لتطوير المناهج والتعليم قد حددت (20) مهارة تفكير أساسية، يمكن تعليمها وتعزيزها في المدرسة، وقد اشتملت القائمة على المستويات الست لتصنيف بلوم المعرفي (فتحي عبد الرحمن جروان)، ومن ناحية أخرى يقدم لنا التراث العلمي المتصِل بالتفكير ، قوائم متعددة من العمليات المعرفية التي يمكن اعتبارها مهارات تفكير، ومن الأهمية بمكان أن نختار أي المهارات لها السبق على غيرها في تنميتها لدى التلاميذ ـ وفي مادة الرياضيات على وجه الخصوص؛ لذلك يؤكد (باريرا) أننا لابد أن نلجأ لدراسات باحثين من أمثال بلوم ، لكي نحقق النجاح في تعليم مهارات التفكير، ومن الحكمة أن يختار المربون مهارات التفكير العليا التي اقترحها بلوم ، فهي تمثل ما ينبغي على التلاميذ القيام به كأهداف أو كغايات لأعمال تعلم محددة، تسهم في تنمية تفكيرهم . لهذا ؛ قد لا يختلف اثنان على أهمية تنمية تلك المهارات ـ بوجه عام ـ وعلى أهمية تنمية مهارات التفكير العليا المتضمنة بتصنيف بلوم المعرفي (تحليل ـ تركيب ـ تقويم) بوجه خاص.
وبالرغم من هذا، فقد اكتنف هذا التصنيف بعضا من أوجه النقد ـ سواء على مستوى النظرية أو التطبيق ـ  وتتلخص أهم أوجه النقد الرئيسة الموجهة إلى هذا التصنيف ما يلي:
 - يؤكد التصنيف على مستوى التذكر، ويهتم به بقدر كبير، دون إعطاء الاهتمام الكافي للعمليات العقلية الأعلى؛ وبالتالي فإنه يؤدي إلى تشجيع "الاستظهار" من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الإبداع يحتل مكانة هامشية في التصنيف؛ ومن ثم فهو يدعم المفهوم الآلي للتعليم والذي يمكن إرجاع أصوله إلى النظرية السلوكية.
 - مستوى التقويم يجب أن يأتي في ترتيب مبكر، باعتباره متطلبا سابقا لبعض المستويات الأخرى، بالإضافة إلى أن المعلمين لا يستخدمون غالبا الأهداف التعليمية - على النحو المفترض والمرجو - في عمليات التخطيط للدرس.
 - تعتبر هرمية التصنيف من أضعف نقاطه ، وقد انتقدت هذه الهرمية من زوايا متعددة منها : عدم بناء المستويات الفرعية على نفس المبدأ التصنيفي ـ اختلاف المستويات في محتواها فقط، دون أن تختلف في الخواص التي تؤثر في شروط تعلمها، بالإضافة إلى: النقص في الثبات ـ النقص في الصدق ـ مستوى التعقد مفهوم غامض وقد يكون مضللاً. (فايز مراد مينا، 2000).

3 - عوامل تساعد على النجاح في تعلم التفكير:

 من ناحية أخرى، يجب الأخذ في الاعتبار أن هناك عددا من العوامل التي تساعد على تحقيق النجاح في تعليم التفكير منها :المعلم ـ البيئة المدرسية والصفية ـ ملاءمة النشاطات التعليمية لمهارات التفكيرـ استخدام الاستراتيجية المناسبة لتعليم تلك المهارات،... وغيرها؛ بالإضافة إلى ما تضمنته المعايير المهنية لتدريس الرياضيات ـ والتي نشرت في منتصف تسعينيات القرن العشرين ـ والتي أكدت على عدد من المحاور أهمها:
 - على المعلم الاهتمام ببيئة التعلم ؛ أي خلق بيئة تعلم تنمي قدرات ومهارات التفكير لدى التلاميذ في الرياضيات ـ وذلك باحترام أفكار التلاميذ وطرقهم في التفكير، وتوفير الوقت لكي يكتشفوا الأفكار الرياضية ويحلو المشكلات.
 - على المعلم أن يوفر السياق الضروري لتنمية كفاءات التلاميذ في الرياضيات على نحو متسق، وأن يعطي الفرصة للتلاميذ لكي يعملوا على نحو مستقل وفي جماعات باعتبارهم أعضاء في مجتمع التعلم.
 - على المعلم أن يشجع المخاطرة الفكرية لدى تلاميذه وذلك عن طريق: طرح أسئلة ـ صياغة تأملات ـ تدعيم إظهار الاستقلالية الفكرية للتلاميذ ـ مساندة الأفكار التي تحقق أهداف التعلم بفاعلية؛ وهذه النظرة تقتضي من المعلمين أن يُدرِّسوا الرياضيات على نحو له معنى ومغزى، وأن يؤمنوا بأن الرياضيات تتضمن وتتطلب فهماً، حيث أن معتقدات المعلم تؤثر في نوع التعليم الذي يقدمه؛ فالمعلم هو الشخصية المفتاحية في تأكيد التفكير في حجرة الدراسة، وزيادة قدرة التلاميذ كمفكرين أعظم هدية يحظى بها المعلم ويظفر بها. (جابر عبد الحميد، 2000).

 إعداد : الحملاوى صالح عبد المعتمد (بتصرف)

 

أضف تعليق


كود امني
تحديث