هناك مشكلات كثيرة تَحُول بين دراسة النحو وبين إتقانه، منها ما هو متعلق بالضَّعف العام في اللغة العربية في المجتمع العربي؛ بسبب اختلاف اللغة المنطوقة في حياة الناس العادية عن اللغة المكتوبة، واعتيادهم على اللغة المنطوقة، فيَنشأ "اللحن" في اللغة حين يريدون التحدث أو الكتابة بالعربية الفصيحة، ومنها ضَعف مُدرِّسي اللغة العربية، وعدم تمكُّنهم من النحو العربي، ومن تمرير هذا العلم بالشكل الفعَّال إلى تلاميذهم، وذلك يَنتج أحيانًا من ممارسة وظيفة معلم اللغة العربية بهدف طلب الرزق، أكثر مما هو إرادة ومحبَّة في رفْع مستوى هذه اللغة في واقع المجتمع العربي.
ونحن سنركِّز على مشكلة رئيسية، نعتقد أنه إن تمَّت معالجتها بالشكل المطلوب، فسوف تظهر نتائجُ طيِّبة على مستوى إتقان النحو العربي نُطقًا وكتابة عند الطلاب، وسوف نتتبَّع "جذور" تلك المشكلة تاريخيًّا؛ كي نحاول تقديم العلاج المناسب لها - إن شاء الله.
المشكلة الرئيسية تكمُن في طريقة تدريس النحو العربي في المدارس، والتي تركِّز أساسًا على إتقان الإعراب، واستظهار القواعد النحوية وحفظها غيبًا، وفي العودة إلى جذور المشكلة نجد أنفسنا أمام كمٍّ من الصعوبات المتعلقة بمادة النحو؛ من حيث هي إرث وصَلنا منذ القِدم.
"وتتمثَّل مظاهر تلك الصعوبة في الجوانب التالية:
أ - اعتماد النحاة في وضْعهم لعلم النحو على منطق العقل (المعيارية)، دون الاهتمام بمنطق اللغة وطبيعتها (الوصفية)، وقد برَز ذلك في طريقة التناول والتعبير في كثيرٍ من كتب النحو والصرف والبلاغة، ويُستثنى منها كتب قلة ظهَرت في أول عهد العرب بهذه الدراسات؛ حيث قامت على الوصف في كثير من أبوابها، ولم تقع في المعيارية إلا من قبيل التوسُّع في التعبير؛ أمثال: كتاب سيبويه "الكتاب"، وكتابَي عبدالقاهر الجرجاني "أسرار البلاغة" و"دلائل الإعجاز"، وبعد أن انتهى عصر الاستشهاد، استمرَّ اللغويون في دراسة اللغة عن طريق ما وضَعه السلف من قواعد اللغة، لا عن مادة اللغة، من هنا بدأ فرْض القواعد على الأمثلة، وبدَأ القول بالوجوب والإيجاز.
أدَّى كل ذلك إلى ظهور كثيرٍ من الحدود والقيود والافتراضات، التي تتنافى أحيانًا مع الواقع اللغوي؛ لذا فإن الاتجاه الحديث في تدريس اللغة، يقوم أولاً على الوصف؛ وصف اللغة المستعملة للتلاميذ، وهذا ما تدعو إليه كثير من المؤتمرات والندوات والدراسات العلمية في ذلك المجال.
ب - تأثُّر واضعي علم النحو بعلماء الكلام في أن كلَّ أثرٍ لا بدَّ له من مؤثِّر، والإمعان في ذلك إمعانًا انتهى إلى نظرية العامل، وإلى الحديث عن العِلل وعِلل العِلل.
ج - كثرة ما في القواعد من أقوال ومماحكات، واختلاف مسائلها، واعتمادها على التحليل المنطقي، الذي يستدعي حصْر الفكر لاستنباط الأحكام العامة من أمثلة كثيرة متنوعة؛ مما دعا علماء التربية أن ينادوا بتأخير دراسة القواعد إلى سنِّ المراهقة.
د - جفاف النحو وصعوبته، وتأكيده على مماحكات عقلية مجرَّدة بعيدة عن واقع الحياة العملية التي يعيشها التلاميذ، وهمُّه التدقيق في الجمل والتراكيب اللغوية؛ لمعرفة موقع الكلمة من الإعراب وضبْط الحركات، وقد أشار إلى هذه الصعوبة أمين الخولي بقوله: إن هذه الفصحى لا يَسهل ضبْط قاعدتها، بل يَسودها الاستثناء، فتتعدَّد القواعد وتتضارَب.
هـ - كثرة العوامل النحْوية، وتشعُّب التفاصيل التي تَندرج تحت هذه القواعد، وتُزاحمها بصورة لا تُساعد على تثبيت المفاهيم في أذهان التلاميذ، بل إلى تشتيتها ونسيانها؛ وذلك لتجرُّدها وبُعدها عن واقع الحياة التي يَحياها التلاميذ".
بقلم : شريف محمد جابـر