* المقاربة المعتمدة في السماع:
نتبنى في هذا العمل المقاربة التواصلية التي تدمج في أفقها الكفاية اللسانية والكفاية المرجعية والكفاية السوسيوثقافية. وبالاستناد إلى ذلك، فالمقاربة التواصلية تدبر الدرس اللغوي بكل مكوناته في تفاعلها مع بعضها البعض، وفي استعمالها اللغة الشفوية. وتعني اللغة الشفوية التواصل اللغوي في شكله الشفوي في وضعية معينة مرفقة بالتنوعات اللغوية المتعايشة ووفق استراتيجيات تواصلية مختلفة من شأنها أن تبنين اللغة الشفوية على مختلف مستوياتها الصوتية والتركيبية والدلالية. وبذلك تعني اللغة الشفوية الاستعمالات اللغوية الملائمة لوضعيات مختلفة. وبالاستناد إلى ذلك، يشمل التصور المطروح ثلاث مستويات: مستوى عناصر أو قطع السلسلة الصوتية (المستوى القطعي)، ومستوى النسيج أو النطاق الصوتي (المستوى الفوق- قطعي)، ومستوى الإشارية بالنظر إلى مشاركتها في التواصل الشفوي.
* مكانة الجانب الصوتي في تعلم اللغة الشفوية:
يشغل الجانب الصوتي بمختلف أبعاده مكانة حاسمة في تعلم اللغة والفعل في الواقع. والصوت ليكون صوتا منطوقا يجب أن يكون كيانا مسموعا. ولقد أثبتت الدراسات أن التعلم الناجع يتم عبر طريق الشفوي. ومن المعلوم أن تعلم اللغة الشفوية أو التواصل الشفوي يستلزم استحضار مطلب الانطلاق من معرفة الطفل على هذا المستوى، أي تعلمه النظام اللغوي للغته الأم باعتماد التواصل الشفوي. أي الانطلاق من معرفته التواصل الشفوي. ومن جهة أخرى، وجب التنبيه على أن مدخل تعلم اللغة هو المدخل الصوتي. ومرة أخرى أكدت الأبحاث العلمية أن تعلم القواعد لا يفيد ما لم يتم تعلم النظام الصوتي واستيعاب جرسيات اللغة والاستعمالات الممكنة والمتعددة للغة الواحدة، أو تعددية الممارسات الشفوية وه الأمر الذي يستتبع وجوب إيلاء اللغة المنطوقة والأداء أهمية كبرى بغية إتقان التعبير الشفوي. وبذلك يتأتى لنا تسجيل العلاقة العميقة بين السماع والتصويت: الاستماع وإدراك الأصوات من أجل إنتاجها. وحدهم المتعلمون المالكون للأذن السامعة يمكنهم أن يحققوا تقدما.
* مكانة الاستماع في تعلم اللغة في بعدها التواصلي:
ولما كانت اللغة ظاهرة صوتية منطوقة ومسموعة كان لزاما البدء باستيعاب اللغة من جانب سمعها أي استقبال أصواتها وتشكيلاتها لأن تعلم الكلام يستوجب أولا الاستماع إلى الكلام.
ويحيل الاستماع على الأذن إذ تعتبر العنصر الأهم. فقد أثبتت الدراسات أن إنتاج بعض الأصوات يتم على الوجه الأكمل بفضل الأذن حتى في الحالات التي يكون فيها عطل في بعض أعضاء النطق. كما أكدت الأبحاث أن الصوت الإنساني لا يعيد إلا ما سمعته الأذن. فهي تلتقط الصوت وتحلله وتعدله، وبذلك اعتبرت عضوا أساسيا في المراقبة، فكانت الأذن عنصرا ضابطا للنسق وعضوا موجها. ونستنتج مما سبق تأسيسا لبيداغوجية الصوت التي تعني التربية الصوتية القائمة على السمع.
ولذلك فالاستماع محوري بالنظر إلى:
• كونه يتيح التفاعل من حيث طبيعته ويسمح ببناء علاقة إنسانية؛
• كونه مفتاح التفاعلات الاجتماعية والتواصل خاصة مع تطور مقاربة اللغة في بعدها الشفوي؛
• كونه يسمح بتنزيل المقاربة القاضية بكون التعلم انخراطا واندماجا لأنه يسمح بالتعرف على أن للغة أشكالا شفوية متعددة.
• كونه الطريقة المثلى والفعالة لتعلم اللغة؛
• تطوير قدرات الاستقبال والتلقي؛
لكل تلك الأسباب، إيلاء مهارة الاستماع الأولوية.
* جوانب الاستماع:
لذا استوجب الأمر تخصيص المرحلة الأولى من مراحل التعبير للسماع بما يعنيه من:
• سماع النص باعتباره مكونا من جمل مترابطة تكون وحدة؛
• جمل منطوقة وفق ما تقتضيه شروط المقام وجهة القول (التلوينات الجرسية الداخلية للغة، التلوينات المرتبطة بالوضعيات والاختلافات الاجتماعية والثقافية....)؛
• سماع متواليات صوتية موصولة الوحدات؛
وبالنظر إلى اعتبار الإشارات والمشاهد جزءا لا يتجزأ من الفعالية اللغوية، وباعتبار الملامح والإيماءات والإشارات والمشاهد والصور ذات صلة باللغة، فإنه من الضروري استعمالها وسيلة من وسائل إثارة فرص التواصل الشفوي. فقد تساعد مثلها مثل السماع في الترغيب في التواصل الشفوي وفي فهم الكلام وإنتاجه.
* الغاية من الاستماع:
• تعلم حسن الإصغاء وفهم المسموع؛
• تحسيس التلميذ بالنظام الصوتي الجديد، ومن ثمة اتخاذ مسافة من النظام الصوتي للغته الأم، الوعي باختلاف اللغات على مستوى القطع الصوتية والتنغيم والإيقاع؛
• تربية أذن المتعلم على إدراك كل خاصيات اللغة سيتعلمها، وبذلك فهو يبني استعداده لسماع واستيعاب أصوات هذه اللغة بسرعة ويألف إيقاعها وجرسياتها ومنحناها اللحني؛
• تدريب الأذن على التمييز وتنمية الاستماع. فالاستماع الجيد يسمح بالتكلم الجيد؛
• تعلم مراقبة الصوت الصادر أي أن الأذن تراقب الصوت الصادر وتتدخل بالتعديل؛
• فالصوت لا يتضمن إلا ما سمعته الأذن، حتى إنه يكاد يكون صحيحا القول بأننا نتكلم بأذننا.
* إجراءات الاستماع:
• ضبط عملية التنفس، وضبط المجموعات التنفسية؛
• تسميع النص أو النطق الجيد له وللأصوات مع مطابقة النطق لجهات القول وللوضعيات؛
• النطق النموذجي ومراعاته لأحكام إخراج الأصوات وجرسياتها المختلفة سواء أكانت مفردة أو مركبة؛
• التشديد على تمييز الأصوات نطقا وسماعا وهو مطلب تأمين التواصل؛
• تعلم تقطيع السلسلة الكلامية إلى كلمات والكلمات إلى أصوات؛
• اتخاذ احتياطات لتدبير درس تعلم نظام الفصحى الصوتي:
إسماع كل التنويعات الأكوستيكية بغاية إدراكها؛
تفادي الإسراع في النطق فتختلط الأصوات، وعدم لوك الأصوات،
وبيان الصوت ولو أدى ما يجاوره إلى تغييره: من بعد،
الأصوات والمقام وحال الإنشاد والغناء والخطابة وباقي الوحدات التطريزية الكبرى.
تمييز الأصوات ذات المخارج المتقاربة حين الكلام، لذلك ينبغي تدريبها على إدراك ما بين تلك الأصوات من فروق بمطالبة التلاميذ بنطقها؛
تدريب الأذن على الالتقاط الجيد للصوت، وعلى سماع الأصوات التي لا توجد في الدارجة والأمازيغية، والتدريب على النطق لتحويل الاكتساب إلى سليقة.
تمرس الأذن على أصوات ونظام أصوات ونسيج صوتي عماده الأصوات والأنغام.
* مقومات تنمية الاستماع الجيد:
ليكون الاستماع ناجحا، ومن أجل أن نضمن للمتعلم شروط سمع جيد وحتى تكون اللغة موضوع التعلم ذات قابلية فعالة وناجعة للاستماع، وتحقيقا للذة الاستماع وجماليته ونفعيته وجب التقيد على مستوى اختيار النصوص بتبني معايير جمالية ونفعية ومعرفية بحيث:
• تنهض النصوص المختارة بتربية الذوق الجمالي والفني؛
• تحتفل النصوص بالمقوم الإيقاعي لما له من وقع في التعلم والاكتساب السريعين والسلس؛
• تناسب النمو المعرفي والوجداني للطفل ونزوعه نحو اللعب والابتكار والعوالم العجائبية والخيالية؛
• تكون النصوص واقعية ونفعية ومفيدة وتشكل مصدر اهتمام جماعي ومصدر تفاعل؛
• تكون النصوص مصدر تعلم مختلف الاستراتيجيات: نصوص خاضعة للوضعيات أو متفاعلة مع الوضعيات لتكون اللغة الشفوية أصيلة وطبيعية لا مصنوعة (المعجم، التراكيب، ...) وليكون التواصل أصيلا؛
بقلم: د. امبارك حنون (بتصرف)