حكاية أحمد:
  " بينما كان أحمد مسافرا لزيارة بعض أقاربه، إذا به يكتشف عطبا في سيارته اضطر معه للتوقف بإحدى المدن غير المعروفة، وبعد تفكير طويل، أخرج أحمد خريطة استخدمها في البحث عن ورشة ميكانيكي لإصلاح العطب، غير أن هذا الأخير أخبره بأن عملية الإصلاح ستستغرق نصف يوم، وهو ما دفع أحمد إلى تحديد مركز البريد على الخريطة ليخبر أقاربه بتأخره عن الوصول، توجه بعدها إلى أحد الأبناك لسحب النقود اللازمة لإصلاح السيارة. وعندما شعر أحمد بالتعب والجوع، قرر دخول مطعم تناول فيه وجبة الغذاء واحتسى فنجانا من القهوة قبل أن يعود ليدفع أجرة الميكانيكي في المساء، ثم يواصل طريق سفره." 
 
أ - تحليل الحكاية في ضوء المقاربة بالكفايات:
   تقدم لنا هذه الحكاية دلالات وأبعادا جد هامة ترتبط أساسا بمسألة تدبير الشأن اليومي وسبل مجابهة مشكلات الحياة الاجتماعية. صحيح أن حالة أحمد هي مجرد حكاية من نسج الخيال، لكن بالرغم من ذلك، فإن كل فرد منا لابد أنه معرض لمصادفة مشاكل مماثلة لتلك التي عرفها أحمد، فقط يبقى السؤال المطروح هو: هل كل الناس قادرون على حل مشاكل الحياة اليومية بنجاح؟ وبمعنى آخر، هل جميع الأفراد يملكون الكفايات اللازمة لمعالجة مختلف الوضعيات الاجتماعية؟  لنترك الجواب عن هذا السؤال إلى حين، ولنعد إلى تحليل حكاية أحمد:
   واضح أن صاحبنا تمكن بنجاح من التكيف مع وضعية جديدة (تعطل السيارة داخل مدينة غير معروفة)، مما يدل على تحكمه في كفاية أساسية؛ ألا وهي التموقع في المكان. ومعلوم كذلك أنه لتحقيق هذه الكفاية عمد صاحبنا إلى تعبئة وإدماج مجموعة من:
* القدرات:
     - القدرة على قراءة تصميم أو خريطة؛
     - القدرة على تحديد نقطة أو معلم؛
     - القدرة على طلب معلومات والحصول على إرشادات...
* المعارف:
     - مفهوما سلم التصاميم والخرائط؛
     - عناصر الطبوغرافيا؛
     - مفهوم الشبكة والقن...
    ومن هذا المنطلق، يمكن تعيين أهم العمليات والإجراءات التي وظفها أحمد في إطار بحثه عن حل  لمشكلته كالتالي:
 
- التعبئة Mobilisation: وترتبط بسيرورة البحث عن الموارد المعرفية اللازمة ( معارف- قدرات- مهارات..)، تمارس خلالها عمليات عقلية عليا كالانتقاء والفرز والتصنيف والتحقق، وجعلها على أهبة الاستعداد لإيجاد الحلول المناسبة.
- الإدماج Integration: وهو تجميع للعناصر السابقة بعدما كانت متفرقة، من أجل إكسابها معنى وجعلها وظيفية تستخدم بطريقة ضمنية، غير قابلة للتحديد.
- التكيف Adaptation: وهو النتيجة الطبيعية للعمليتين السالفتين( التوصل إلى حل الوضعية)؛ فالتكيف حالة من التوازن المعرفي للذات وعودة لاستقرارها النفسي والمعرفي.
 
أضف إلى ذلك أن أحمد سيبدي لا محالة نفس الاستعداد لحل جميع الوضعيات المشابهة لتلك التي قابلها أثناء سفره؛ وهذا يعني أن الموارد المعرفية الموظفة من قبل أحمد قابلة لأن تنسحب على فئة عريضة من الوضعيات المتشابهة.
   
ب - الكفايات في المجال التربوي:
      لا شك أن التحليل السابق سيسعفنا كثيرا في الخروج بتعريف ملائم لمفهوم الكفاية قبل أن ننطلق في البحث عن الإطار المرجعي للمفهوم وكذا مسوغات تبنيه في تدريس مادة الرياضيات على وجه الخصوص. وهكذا يمكن القول إن الكفاية هي القدرة على مواجهة وضعيات محددة، بالتكيف معها عن طريق تعبئة وإدماج جملة من المعارف والمهارات والتصرفات من أجل تحقيق إنجاز محكم وفعال.
 
    أما المفهوم في حد ذاته فيندرج ضمن منظور التدريس بالأهداف بوصفه نموذجا من نماذجه، تم تعديله وتحيينه استجابة للانتقادات الموجهة إلى بيداغوجيا الأهداف بسبب ما أصاب هذه الأخيرة من انغلاق في نزعة إجرائية سلوكية حولت الفعل البيداغوجي إلى سلوك تعودي ورد فعل إشراطي يكرس التكرار والمعاودة ويلغي الابتكار والإبداع. من هنا برزت الحاجة إلى تبني التدريس بالكفايات كمقاربة شمولية نابعة من تصور سوسيوبنائي يروم تصحيح سلبيات الأهداف الإجرائية وطبيعتها التفتيتية، ويصبو في ذات الوقت إلى تمكين التلميذ من الاندماج في الحياة العامة والقدرة على التكيف مع مختلف الوضعيات التي تصادفه. أما من جهة أخرى، فإن مفهوم الكفاية يحيل إلى إشكالية قديمة هي إشكالية "  نقل المعارف"، فهل ينبغي أن تخدم المعارف المكتسبة داخل المدرسة أغراضا مدرسية محضة ( معرفة حل التمارين ، الحصول على نقط عالية، النجاح في الامتحانات...)، وفي هذه الحالة يعجز كثير من التلاميذ عن حشد مكتسباتهم في وضعيات حقيقية وواقعية، أم أن هذه المعارف يجب أن تكتسب من أجل تمكين التلاميذ من حل وضعيات  ليست بالضرورة ذات طبيعة مدرسية بل تنتمي إلى ميادين الحياة العملية بكل تعقيداتها.
 
والحقيقة أن المقاربة بالكفايات جاءت بالفعل لتصحيح وظيفة المدرسة وجعلها بالتالي تركز على إعداد وتأهيل الأطفال للانخراط الفعلي والفاعل في بناء المجتمع وحل مشاكله التنموية. والمدرسة المغربية، بوصفها مناط التربية والتكوين، أبت إلا أن تعيد النظر في ممارساتها وتجدد مقارباتها في ظل الدعوة إلى تجاوز التركيز على الأهداف الإجرائية، على اعتبار أن مجموع هذه الأخيرة لا يساوي ما تصبو إليه غايات التعليم، فالكل، باعتباره نسقا، لا يساوي دائما مجموع أجزائه. لذلك كان مدخل الكفايات بديلا ناجعا يتوخى المردودية التربوية، ويتطلع إلى ربط فضاء المدرسة بالحياة العملية ربطا متينا ووظيفيا. ونظرا إلى هذه الأهمية التي تكتسيها المقاربة بالكفايات في الحقل التربوي، فقد أفرد لها الباحثون عدة محاولات طالت على وجه الخصوص تعريف مفهوم الكفاية، وهي تصب جميعها في التعريف الذي سبق أن أوردناه أعلاه. وهذا جرد لبعض منها:
 
الكفاية بأنها القدرة على تعبئة مجموعة من الموارد المعرفية لمواجهة  Philippe Perrenoud، يميز فيليب بيرنو فصيلة من الوضعيات بشكل مطابق و فعال. وترى غزلان توزان ainTousain Ghislain أن الكفاية هي حصيلة إدماج معارف ومهارات تتجلى في قدرة المتعلم على تحقيق إنجازات محددة. وأما  لوبوتيرف Le Boterf .Guy فيعتبر أن الكفاية هي القدرة على التحويل، وليس الاقتصار على إنجاز مهمة وحيدة تتكرر بشكل اعتيادي... كما أنها القدرة على تكييف السلوك مع الوضعية، ومجابهة الصعوبات غير المتوقعة.
 
   إلا أن ثمة مفاهيم تتجاور مع مفهوم الكفاية وتختلط به أحيانا، نرى أنه من المفيد تمييزها وتوضيح دلالتها فيما يلي:
* القدرة:
وهو المفهوم الأكثر التباسا بالكفاية، بحيث يغدو من الصعب ومن غير الواضح التمييز بين القدرة والكفاية، ومع ذلك توجد بعض الفروق بين المفهومين، إذ إن القدرة تعرف بكونها نشاطا فكريا ثابتا، قابلا للنقل في حقول معرفية مختلفة... وهي لا تظهر إلا من خلال تطبيقها على محتويات متعددة. فمثلا قدرة التحليل تبرز من خلال تطبيقها على:
   - تحليل جملة.
   - تحليل نص أدبي.
   - تحليل وضعية- مسألة في الرياضيات.
   - إلخ...
 
* المهارة:
قدرة مكتسبة على أداء فعل بتناسق وإتقان وتحكم وذكاء وسهولة، مثلا: مهارة لغوية، مهارة يدوية، مهارة رياضية...
* الأداء :
يقصد بالأداء ما يتمكن الفرد من تحقيقه آنيا من سلوك محدد، وما يستطيع الملاحظ الخارجي أن يسجله بأكبر قدر من الوضوح والدقة. ومن ثم فإن مفهوم الأداء يختلف كثيرا عن مفهوم القدرة...من حيث إن هذه الأخيرة تشير إلى إمكانات عديدة توجد عند الفرد بالقوة، ويمكن أن تتجلى في أنشطة متعددة وفي ظروف متنوعة. بينما يشير الأداء إلى ما يحقق هنا والآن.
 
ج - أنواع الكفايات:
    تنقسم الكفايات بشكل عام إلى صنفين أساسيين،هما:
* الكفايات النوعية:
    وترتبط بمادة دراسية معينة، وهي أقل عمومية، يمكن أن تتحقق في نهاية مقطع أو نشاط تعلمي . وهذه بعض أمثلتها:
- مقارنة أعداد طبيعية وترتيبها تصاعديا وتنازليا.
- حساب مساحة أشكال هندسية محددة.                  
- الانتقال في شبكة بواسطة قن معين.
* الكفايات الممتدة: 
    وهي غير مرتبطة بمجال دراسي بعينه، بل تمتد لتشمل مجالات ومواد مختلفة. مثلا امتلاك آليات التفكير العلمي أو القدرة على التحليل والتركيب...
وتتخذ الكفايات في المنهاج الدراسي بالتعليم الابتدائي طابعا استراتيجيا أو تواصليا أو منهجيا أو ثقافيا أو تكنولوجيا.
* الكفايات الاستراتيجية:
   تستوجب تنمية الكفايات الاستراتيجية وتطويرها في المناهج التربوية:
       - التموقع في الزمان والمكان؛
       - التموقع بالنسبة للآخر وبالنسبة للمؤسسات المجتمعية (الأسرة، المؤسسة التعليمية، المجتمع)، والتكيف معها ومع البيئة بصفة عامة؛
       - تعديل المنتظرات والاتجاهات والسلوكات الفردية وفق ما يفرضه تطور المعرفة والعقليات والمجتمع.
* الكفايات التواصلية:
   حتى يتم معالجتها بشكل شمولي في المناهج التربوية، ينبغي أن تؤدي إلى:
       - إتقان اللغة العربية وتخصيص الحيز المناسب للغة الأمازيغية والتمكن من اللغات الأجنبية؛
       - التمكن من مختلف أنواع التواصل داخل المؤسسة التعليمية وخارجها في مختلف مجالات تعلم المواد الدراسية؛
* الكفايات المنهجية:
   تستهدف إكساب المتعلم:
       - منهجية للتفكيروتطوير مدارجه العقلية؛
       - منهجية للعمل في الفصل وخارجه؛
       - منهجية لتنظيم ذاته وشؤونه ووقته وتدبير تكوينه الذاتي ومشاريعه الشخصية.
* الكفايات الثقافية: 
   وينبغي أن تشمل:
       - شقا رمزيا مرتبطا بتنمية الرصيد الثقافي للمتعلم، وتوسيع دائرة أحاسيسه وتصوراته ورؤيته للعالم وللحضارة البشرية بتناغم مع تفتح شخصيته بكل مكوناتها، وبترسيخ هويته كمواطن مغربي وكإنسان منسجم مع ذاته ومع بيئته ومع العالم؛
       - شقا موسوعيا متصلا بالمعرفة بصفة عامة.
* الكفايات التكنولوجية: 
   واعتبارا لكون التكنولوجيا قد أصبحت في ملتقى طرق كل التخصصات، ونظرا إلى كونها تشكل حقلا خصبا بفضل تنوع وتداخل التقنيات والتطبيقات العلمية المختلفة التي تهدف إلى تحقيق الخير العام والتنمية الاقتصادية المستديمة وجودة الحياة، فإن تنمية الكفايات التكنولوجية للمتعلم تعتمد أساسا على:
 
       - القدرة على تصور ورسم وإبداع وإنتاج المنتجات التقنية؛
       - التمكن من تقنيات التحليل والتقدير والمعايرة والقياس، وتقنيات ومعايير مراقبة الجودة، والتقنيات المرتبطة بالتوقعات والاستشراف؛
       - التمكن من وسائل العمل اللازمة لتطوير تلك المنتجات وتكييفها مع الحاجيات الجديدة والمتطلبات المتجددة؛
       - استدماج أخلاقيات المهن والحرف والأخلاقيات المرتبطة بالتطور العلمي والتكنولوجي بارتباط مع منظومة القيم الدينية والحضارية وقيم المواطنة وقيم حقوق الإنسان ومبادئها الكونية.
المصدر: بيت المعرفة

أضف تعليق


كود امني
تحديث