1 - لعلنا في البداية نسأل : من أين ولدت أجيال المبدعين، والمفكرين؟
الجواب يبدو صعبا لحد ما لكن ما من شك أن التربية التي تقوم على الإبداع هي التي صنعتهم، فالإبداع مظهر من مظاهر التجديد التربوي التي ظهرت على الساحة التربوية منذ زمن بعيد، ولا بد للفرد أن يتفاعل من خلال المؤسسة التربوية؛ فيرى فكرًا وسلوكًا يدعمانِ المفاهيم والقيم التي تعد قواعده راسخة لانطلاق السلوك المبدع، ووسيلة التربية في ذلك هي المناهج الدراسية. وإن كان هناك اتجاه حديث يرفض مصطلح مدرسية، عمومًا سنعرض كيف يكون الإبداع مدخلًا لتطوير المناهج.
2 - كيف يكون الإبداع مدخلا من مداخل المناهج :
هناك مسلمات تحكم عمليات المنهج، منها:
- أن الكتاب المدرسي ليس منهجًا, ولكنه وسيلة من وسائل تنفيذه.
- الموقف التدريسي اليومي هو بناء المنهج وتطويره، والمنهج هو مجموعة من المواقف وليس مجرد كتاب، وفي إطار هذا يكون المعلم مخططًا، ومنظمًا، ومديرًا للتفاعلات التي تشملها مواقف التدريس.
- الكتاب المدرسي ليس المصدر الوحيد للمعرفة وللتعلم، بالرغم من أهميته.
- المعرفة وسيلة لبناء الفكر ولبناء النسيج الوجداني للفرد، ولتشكيل كفاءاته، وسلوكياته.
- يعد المنهج المدرسي تعبيرًا صادقًا عن المجتمع بكافة أبعاده الحضارية، والاجتماعية، والفلسفية، ومن ثَمّ لا ينبغي استيراد مناهج من الخارج مهما وصلت من تقدم.
- إن المفاهيم وأساليب التفكير، وما نود تنميته من اتجاهات وقيم - يجب أن يترجم إلى مواقف حقيقية، في كل مراحل التدريس.
- تتميز عملية التطوير بالشمول والمتابعة، فالقيادات التربوية كلها معنية بمسألة الفكر والتطبيق.
3 - كيف يكون الإبداع مدخلًا لتطوير المناهج؟
يمكن لمخططي المناهج ومنفذيها أن يتبنوا هذه الفكرة, بحيث يكون الإبداع هو جوهر عمليات المنهج، وسنحاول أن نضع التصور في هذا الشأن كالتالي:
تحتاج مسألة الإبداع كمدخل لتطوير المناهج إلى تهيئة فكرية ونفسية, لكل من له علاقة بعمليات تربية الأبناء، بما في ذلك كافة وسائل الثقافة حتى يصل إلى الجميع في المجتمع؛ فيسعوا إلى تحقيقه.
إثراء المناخ المدرسي؛ فالمناخ المدرسي امتداد للمناخ الاجتماعي، والعنصر الأساس في المناخ المدرسي هو المعلم، فيجب تحسين النظرة إليه كباحث وقائد للعملية التربوية، ولا بد من التهيئة الفكرية والنفسية بحيث تختلف النظرة إلى المدرسة، فالمدير والموجه والمعلم بالمفاهيم الجديدة ينظرون إلى المدرسة كمؤسسة اجتماعية لها وظيفة أساسية وهي: تربية الأبناء فكرًا، ووجدانًا، وسلوكًا.
فكافة مواقف الممارسات الفاعلة في مواقف التدريس اليومي، متوقفة على مساحة الاتصال أو التلاقي بين المناخين: الاجتماعي والمدرسي، وهذا يعني أن الصلة وثيقة بين الحلقات.
فالتعلم يتأثر بالمناخ الاجتماعي، والمناخ المدرسي، والمناخ الصفي؛ فهناك تأثر بين المناخات الثلاثة: المناخ الاجتماعي، المناخ المدرسي، المناخ الصفي.
والحاجة إلى نموذج لمنهج هو تجريدٌ لكافة المفاهيم والمبادئ التي يقوم عليها الإبداع، وأيضًا محصّلة للفكر التربوي الذي يستهدف إحداث التهيئة الفكرية والنفسية حوله, والهدف من وراء ذلك هو أن ينظر خبراء المناهج في مرحلة التخطيط؛ فيجدوا أمامهم نموذجًا يسترشدون به في كل شيء، بدءًا من أهداف المنهج، وانتهاءً بأساليب التقويم المناسبة ذات التغذية الراجعة، ويكون له مردود وارتباطات بمكونات المنهج الأخرى.
ونؤكد هنا على أن الإبداع لا يكون هو السمة المميزة لهذا المنهج المقترح، فلا ينبغي فقط أن نصف تلك المكونات, بل لا بد من الاهتمام أيضًا بالعمليات وأهمية النموذج؛ لأن من يعملون في المناهج في حاجة إلى قيادة، تتمثل في النموذج والخبراء الذين يشرفون على ترجمة النموذج إلى مناهج فعلية، تتخذ من الإبداع مدخلًا لها مرورا عبر العناصر التالية:
+ على مستوى الأهداف:
نحن في حاجة إلى تقديم بعض الأمثلة لأهداف أحد المناهج التي تعكس الإبداع أو بعض جوانبه، منها:
- أن يكتسب التلاميذ مهارة كتابة البحوث القصيرة.
- أن يكتسب التلاميذ مهارة كتابة تقارير شفهية عن مشكلات قاموا بدراستها.
- أن يكتسب التلاميذ تقارير تحريرية عن مشكلات قاموا بدراستها.
- أن يكتسب التلاميذ القدرة على تحليل نص في المادة العلمية.
- أن يكتسب التلاميذ القدرة على التخطيط الجماعي.
- أن يشاركوا في المناقشات.
+ على مستوى النموذج ومحتوى المنهج:
إن الأسلوب المستخدم في صياغة محتويات المنهج لا بد أن يعتمد على أسلوب الصياغة، الذي يمكن من خلاله:
- إثارة مشكلات يفكر فيها التلاميذ.
- إثارة الدافعية لدى التلاميذ.
- تقديم أسئلة للمناقشات مع الزملاء والمعلم.
- تقديم توجيهات لمصادر المعرفة الأخرى.
- التوصل إلى تكوينات معرفية جديدة بالنسبة للتلاميذ.
- إعداد وسائل تعليمية، وأنشطة يقوم بتنفيذها مجموعات التلاميذ في المراحل المختلفة من تنفيذ المنهج.
وهنا نود أن نشير إلى أن المعلم لا بد أن يكون قادرًا على الاهتمام بإستراتيجيات، تنمّي التفكير الإبداعي.
+ على مستوى النموذج وإستراتيجيات التدريس:
- من المهم جدًّا أن يكون هناك إدراك لعلاقات جديدة، وتقديم أفكار منتجة يقوم بها الطلاب؛ فهذا يمثل جانبًا إبداعيًّا.
- انطلاق التلاميذ للتفكير تفكيرًا تباعديًّا متحررًا، يصلون من خلاله إلى آراء ووجهات نظر، وتصورات وإجابات متنوعة، والمهم في هذا الشأن: هو أن يقدم كل فرد الأسباب والعلل، لكل ما يقدمونه من استجابات إزاء المواقف والمشكلات المطروحة.
- إثارة الدوافع؛ حتى يقبل التلاميذ على مواقف التدريس والمشاركة فيها.
- توصل التلاميذ إلى مظاهر الإبداع دون تحديد مسبق، بمعنى: أنّا إذا كنا حددنا ما يجب أن يصل إليه الأبناء، نكون قد قتلنا الإبداع في مهده.
- إفساح الوقت المناسب للتفاعل المثمر بين التلاميذ ومواقف الخبرة المتاحة. وتوفير الإمكانات المناسبة المادية والبشرية.
- ضرورة الخبرات الغنية، وهي أمور تحتاج إلى معلم ذي صفات خاصة.
- استخدام العديد من الإستراتيجيات التدريسية، التي يراعي المعلم فيها الفروق الفردية.
- التفاعلات الإنسانية لا بد أن تسود مواقف التدريس، على اختلاف أنواعها ومستوياتها.
- النشاط المدرسي - مهما كان نوعه - هو مكون أساسي من مكونات المنهج، ويجب تنوعه حتى يستجيب لاحتياجات الأطفال.
بقلم: أحمد عبد الحميد مهدي (بتصرف)