أن يكون الإنسان الذي نتعامل معه واثقا من نفسه ذا شخصية قوية، يسعى إلى إسعاد نفسه بالتوازي مع سعيه إلى إسعاد غيره، فتلك مسألة محمودة، أما أن يقف هذا الإنسان عند مرحلة طفولية يظن فيها أنه مركز العالم، ويتعامل مع الآخرين باعتباره شخصا مميزا يرضيه فقط من يرضيه، ويسعى إلى تدمير من لا يرضيه، فتلك علامة على شخصية خطيرة كما يقول كتاب "شخصيات خطيرة" الذي يرى أن حمايتنا من هذا النمط من الشخصيات متروك لنا، فإن كانت سندريلا قد نجت من زوجة الأب بطبيعتها الاستغلالية النرجسية، فإننا في الحياة الواقعية وبتعذر وجود عرابة أو أمير ينقذنا منها لن نستطيع النجاة منها.
في هذا الكتاب الآنف الذكر يقع القارئ على رسم دقيق للشخصيات النرجسية وكذلك الشخصيات المصابة بجنون العظمة، مما سيكون له الأثر الأكبر في تنبيهنا إلى أشخاص في حياتنا سنجد أنهم يقتربون أو يتطابقون وملامح هذه الشخصية الصعبة حقا.
ولعل أبرز ما يستعرضه الكتاب من ملامح هذه الشخصية اعتقادها أن لديها الكثير مما تستطيع تحقيقه، وأنها بالضرورة لا بد أن تتبوأ منصبا تمارس سلطتها من خلاله. لن يفوتك لو كنت قريبا من هذه الشخصية أن تلاحظ أنها تسعى دون كلل إلى نيل الإعجاب المفرط من الآخرين، لأنها في داخلها تعتقد أنها تستحق ذلك الإعجاب، ولذلك فإنها دائما وبلا انقطاع تتوقع معاملتها باعتبارها شخصا خاصا، يستحق أن تكون له الأولوية في جميع الأوقات، وهي نتيجة طبيعية لشخص يميل إلى المبالغة في تقدير قدراته.
ويبدو لافتا في هذه الشخصية أنها في علاقاتها الشخصية تستغل الآخرين لتحقيق مكاسب ذاتية، وهي وإن كانت تتطلع بشكل ملح إلى تعاطف الآخرين، فإنها في المقابل غير معنية بالتعرف إلى احتياجات الآخرين، أو حتى الانخراط في معاناتهم، ذلك أنها لا تعبأ سوى بمشاكلها، أما مشاكل الآخرين، فيصعب عليها ملاحظتها، ليبدو صاحب هذه الشخصية عاجزا عن فهم العواطف العميقة، بل ومنفصلا عاطفيا عن الآخرين رغم مطالبته المستمرة لولائهم التام له.
وإن أبدى هذا النرجسي اهتماما بالآخرين فهو اهتمام سطحي مؤقت ولمآرب ذاتية. بل إن تصرفاته بالكامل تتحرك في إطار ما يصب في خدمته، ونادرا ما يفعل شيئا لصالح الآخرين. وتراه قد عزف عن معرفة ما يهمهم، أما ما يقدمه له الآخرون من تضحيات فهو غير معني بالاعتراف به، فهمه الوحيد هو النجاح الذي يلجأ إليه بكل الطرق التي يمكنه الوصول إليها.
وما دامت هذه الشخصية متمركزة حول ذاتها، فلا نعجب لو لاحظنا أنها تتحدث عن نفسها وحسب، وعلى الأغلب تتفاخر بإنجازاتها بشكل غير لائق وعلى نحو متكرر. تعتقد أن الآخرين يحسدونها بينما تثبت الوقائع أنها على الأغلب هي من يحسد الآخرين، فالآخرون دائما أقل منزلة منها، وأي نقد تتعرض له، فهو بالضرورة غير صحيح، بل وينقل النقد صاحب هذه الشخصية إلى حالة عجيبة من الغضب، فكل من يختلف معه هو عدو بالضرورة.
هذا النمط من الشخصيات لا يجد غضاضة في خرق القواعد أو القوانين، رغم حساسيته غير العادية للكيفية التي يراه فيها الآخرون، لذلك فإن التعامل معها أمر صعب، خصوصا حين تظهر للآخر على نحو مفاجئ برودة وانعزالا يصعب التكهن بسببهما. وأيما خطأ ترتكبه هذه الشخصية الخطيرة، فإنها لا تبدي شعورا بالذنب تجاهه، لذلك لا تتوقع منها أن تعتذر أبدا لأنها بكل بساطة لا تعترف بأخطائها فيما تفعل، وأيما إخفاق يصيبها فهي على أتم الاستعداد أن ترده إلى الآخرين.ذ
تجد في هذه الشخصية عزوفا تاما عن الاستماع إلى آراء بديلة تخالف رأيها، فهي أبعد ما يكون عن المرونة في تفكيرها وترفض بعناد التعرف على الحقائق. بل وتجدها تكذب وتكذب لدرجة أن يصبح الكذب أسلوب حياة، لأنها في داخلها مقتنعة أن الدعاية والخداع أشد نفعا لها من الحقيقة، فما الحقيقة سوى ما تقوله هي دون أي اعتبار لواقع آخر يخالف حقيقتها هي.
هذه الشخصية في عمومها قلقة من نوع من الأذى غير المحدد الذي قد يصيبها، بما في ذلك الموت، وهي في حالة بحث مستمرة عن علامات تدل على أن الآخرين يخططون لشيء ضدها. لذلك تستمتع بوجود عدو تلقي عليه اللوم عندما تسوء الأمور، فهناك دائما أفراد يتآمرون عليها ويسعون إلى تقويضها.
أنهي بما ابتدأت به وهو أننا نقدر اهتمام الآخرين شريطة عدم التلاعب بالناس للحصول على الاهتمام بطرق ملتوية كما الغش والكذب.
ملاحظة: جو نافارو مؤلف كتاب "شخصيات خطيرة" له كتاب يعد ضمن الأكثر مبيعا "ما يقوله كل جسد". وهو متقاعد من مكتب التحقيقات الفدرالية. يقدم الاستشارات والمحاضرات حول السلوك البشري. أما شريكه في الكتاب توني سيارا فهو متخصص في علم النفس وتحسين الشخصية والعلوم والاتجاهات الاجتماعية.
بقلم: رزان إبراهيم