بمكـان مُفـعـم بالـدّفء، جـلـستُ جـلسة هـادئـة؛ أتـأمّـل عظيـم المَـشهـدْ... وأُحـصّـن نفـسـي كـي لا يُـعـكّـر صَفـوَهـا أحـدْ... كـنـتُ أرجـو الفـرج مـن ربّ السمـاء. فـيـخـفّـف عـنّـا وطـأة الـبـلاء.
 
حـيـن استـجـمـعـتُ أنفـاسـي قليـلاً، بدأتُ أتطـلّـع إلى هـاتفـي... كطفـل صغـيـر اشتـاقَ للحـظـة فـرح... لكـن، سُرعـان مـا انـقـبـض قـلـبـي وانـسـكـب الـدّمـع المُـرّ علـى خـدّي... فلـهـيـب المـوت لازال يسـتـعـرْ... وصـدور الـنّـاس تـكـاد تـنـفـجـرْ... 
 
فـجـع ثُـمّ عـزاء فـوداع... الـحيـاة مـن وجـع إلـى وجـع... لـحـدِّ لـم يـعُـد للـهـمّ فـي القـلـوب متّـسَـع... آهٍ، كـمْ مـن حـبـيـبٍ عـنّـا رحـلْ... وكـمْ مـنـهـم بـالـمـشـافـي تحـفّـهـم المـلائـكـة... وكـمْ منـهـم ويـا للأسـف مـافـتـئ فـي الـغـبـاء يُـكـثـر الجـدلْ... وهـؤلاء لعمـري، هُـم وقُـود حـرب لا رصاص فيـها، تـفـتِـك بالأرض و كـلّ مـن علـيـها...
 
 عِنـاقـهـم يُـؤدي. إن هجـرتـهم، شكَـوك إلـى البـوّاب والحطّـاب والإمـام والجُـنـدي...! و إن رُمـتَـهـمْ، حـكـوا لـك عـن الـفـنّ، عـن الطّـربْ، عـن العـجـبْ، بـل وكـلّ ما قـالـه عنـك عبـد المـغـيـث مـن حـلـبْ...! 
 
 أنا لا أعـرف مـن قـال: « يـا بُـنـيَّ، مَـنْ لا يمـلك لسانَـه يـنـدمْ، ومَـن يُـكـثـر الـمِـراء يُـشـتَـمْ...! ». إلاّ أنّـنـي أذْكّـر جـيّـداَ مـا كـان يقـولـه معـلّمـي، وهـو يـواسـي مـن فـقـد مـنّـا عـزيـزاَ. إذ كـان يقـول: « صـبـر وسـلـوان...! ».
 
 فكـنـت حـيـنـهـا أسْـتـدَر نـحـو زمـيـلـي الأشـجـع منّـي قـليـلا لكـي يـسـأل: « الصّـبـر يـا مـولانـا عـرفـنـاه و جـرّبـنـاه، فـمـا السّـلـوان...!؟ » فـيـجـيـب معـلّـمـي وعـينـاه تبـرقـان: « هـو مَـقـامٌ لِـمـن حَـمـدْ... سـتَـلـزَمُـك قـواعـد نـحـو ومُـهـلـة... إنّمـا خـذْ يـا بُـنـيَّ مـا فـي صَحـنِـك فـقـط... أمّـا الكـلام فـفِـيـه سـهـوٌ وغـفـلـة...! ».
 
الآن، وبـعـد نصـف قـرن ونَـيـف من الزّمـن، أدركـت قـول معـلّـمـي... أنّ الشّـيـطـان هو مَـن يُـغـمّـسُ خـارج الـصّـحـنْ... ومَـن فـي الـغـفـلـة عـن ذاك المَـقـام هُـم نـحـنْ... !!
بقلم: سعيـد أولاد الصغيـر