طفل متعلق بجدته فتوفيت عنه، وآخر أصيب بمرض فدخل المستشفى ليتلقى العلاج، وثالث رأى منظرا مخلا للأدب بين اثنين بمدرسته، ورابع رأى والده يضرب أمه ضربا مبرحا، وخامس رأى أباه سكران يترنح أمامه، وسادس تعرف على شلة من الشاذين جنسيا وغيرها من المواقف التي يتعرض لها الأطفال فيصدمون بسبب عدم توقعهم لمثل هذه الأحداث في الدنيا، فكيف نتصرف مع الطفل لو تعرض للصدمة؟ وكيف نخفف عنه أثر الصدمة؟ وكيف نجعله يتجاوز هذه الصدمة؟ أسئلة مهمة وتحتاج لوعي تربوي حتى ينجح الوالدان في تربية أبنائهما ويعيدا للطفل توازنه النفسي والعاطفي، وربما يكون أثر الصدمة أقوى عندما تحدث للمراهقين لأنه يجتمع فيهم أمران، الأول الصدمة والاخر تقلب نفسيتهم حسب طبيعة المرحلة التي يعيشونها، ولهذا نلاحظ الكثير منهم يفكر بالموت أو الانتحار في هذه الحالة.
كلمة نهمس بها للوالدين قبل الدخول في تفاصيل الإجابة عن هذه الأسئلة وهي أن من سنة الحياة وجود الصدمات والابتلاءات، وأن دوام الحال من المحال وكما قال الشاعر: «ما بين غمضة عين وانتباهتها، يغير الله من حال الى حال»، فالمتغيرات أنواع منها متغيرات مناخية كمطر وغبار وعواصف وفيضان وزلازل، أو متغيرات اجتماعية كطلاق ووفاة ومرض واعتداء جنسي والتعرض لعنف وحادث سير، أو متغيرات نفسية كتقلب المزاج وكثرة النوم ونوبات القلق والتوتر، أو تقلبات حياتية من مرحلة الطفولة إلى الشباب ثم الكهولة ولكل مرحلة معاناتها.
فلو تعرض الطفل لصدمة فقد أو وفاة أو غيرها فإنها ستكون سببا في انهيار عالم الطفولة عنده وفقدان الشعور بالأمان، وإن لم يتم تدارك الحالة فإنه قد يتحول لشخصية سلبية ينظر للعالم من حوله بأنه مخيف وعالم أشباح، أو أن الناس يحاولون إيذاءه والاعتداء عليه، أو يفقد الثقة بمن حوله ويتقوقع على نفسه، كل هذه القناعات ستساهم في إضعاف ذاته وشخصيته، وقد تكون الصدمة سببا في معاناة يعيشها طوال عمره أو يترتب عليها خوف وعدم اطمئنان أو الإصابة بمرض نفسي يؤثر على سلامة عقله وروحه وجسده، بل وأحيانا يؤثر على نومه وطعامه ودراسته.
فلو نجحنا في تعليم الطفل المهارات اللازمة لمواجهة الصدمات لنجحنا في ضمان حسن تربيته واستقامته، ولو بدأنا بحسن تعامله مع موت العصفور الذي كان يلعب معه وهو صغير لضمنا نشأة طيبة له، وأنه إذا كبر في المستقبل فإنه سيتعامل مع كل صدمة تواجهه بروح إيجابية ولياقة تربوية ونظرة إيمانية.
والصدمة هي «الابتلاء»، وكل إنسان في الحياة سواء كان كبيرا أو صغيرا معرض للابتلاء، كما قال تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا)، فالصدمة أو الابتلاء تجعل الإنسان يعيد التفكير في أهدافه بالحياة، وهويته الشخصية، ومواقفه مع الناس، والرجوع لذاته فيتعرف على نفسه أكثر، ولكننا نريد أن نركز في هذا المقال على 7 خطوات تساعدنا في تربية أبنائنا لنجعلهم يتعاملون مع الصدمات بروح رياضية ونفس راضية.
- أولى هذه الخطوات السبع: تقوية علاقة الطفل بربه بالتعرف على خالقه، وأنه هو الله الرحيم الكريم الحكيم العادل، حتى إذا تعرض لصدمة يعلم بأن الله قدر هذا القدر وفيه حكمة وعدل فتطمئن نفسه وتهدأ روحه.
- ثانيتها: نعلمه أن الخير في كل ما قدره الله على الإنسان ولكننا في لحظة الصدمة قد لا ندرك حقيقة هذا الخير ولكننا حتما نكتشفه مستقبلا.
- ثالثتها: أن نستمع للطفل عندما يشتكي أو يتكلم عن الصدمة ولا نقاطعه أو نقول له أنت غلطان بما تتحدث به فنسكته بطريقتنا الحوارية، وإنما نتركه يعبر ويعبر ويعبر ولو بكى أو عبر عن حزنه نستمع إليه، ونتركه يخرج كل ما في نفسه من مشاعر، فإن حسن الاستماع من أساليب التخفيف عن قوة الصدمة.
-رابعتها: استيعاب مشاعره الغاضبة، فقد يعبر الطفل بطريقة خاطئة وخاصة عندما يكون في مرحلة المراهقة فيقول «أنا بدأت أفكر بالانتحار» أو «أريد التخلص من الحياة» أو يقول «الموت أرحم لي» أو «الدنيا لا خير فيها»، وغيرها من العبارات التي فيها رسائل سلبية، ففي هذه الحالة لا نقاطعه أو نقول له أنت تقول كلاما مخالفا للشرع أو غيرها من العبارات المسكتة، وإنما نستمع إليه بإنصات ليخرج كل مشاعره السلبية، وبعدما ينتهي من الشعور بالغضب ويرجع لرشده وعقله نعلق على ما قال ونبين له أن الشعور الذي انتابه ليس صحيحا.
- خامستها: تشجيعه على ممارسة هواياته كالرسم أو الرياضة أو التلوين، فمثل هذه الهوايات تخرج ما فيه من مشاعر سلبية تجاه الصدمة التي كان يعيشها وتنفس عما في نفسه من خلال النشاط والحركة.
- سادستها: ألا ننهار أمامه ونبكي ونحزن على المصيبة التي عاشها ولو انتابنا الشعور بالبكاء نبكي بعيدا عنه حفاظا على مشاعره.
- سابعتها: أن ننظر إلى عينيه عندما يعبر عن مشاعره السلبية فإن ذلك يعطيه الأمان والراحة وأن نذكر الله بين حين وآخر، وأن نحضنه ونعبر له عن حبنا له، وأخيرا نحاول استنطاقه ليخرج ما في نفسه، وخاصة إذا رأيناه ساكتا وحزينا كما فعل رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم مع الطفل الصغير عندما مات عصفوره فسأله ليستنطقه: «يا أبا عمير ما فعل النُّغَير» فمساعدة الطفل بالتعبير عن مشاعره جزء من علاج أثر الصدمة التي يعيشها.
بقلم : جاسم المطوع