غالبًا يشكو الأهل بعض التصرفات السيئة عند أبنائهم، ويسعون بأي ثمن إلى التخلص منها، بدل محاولة اكتشاف الأسباب الجذرية لهذه السلوكيات، الأمر الذي يؤدي حتمًا إلى اختفائها!
 
وعمومًا، يكون سبب السلوك السيئ الذي يزعج الأهل مثل الغضب، شجار بين الإخوة...، هو الحاجة التي لم تُلبّ. فالطفل مثل الراشد، ينزعج ويشعر بالغضب عندما لا يكون راضيًا عن أمر ما، أو عندما لا تُستجاب طلباته، ولكن الفرق بينه وبين الراشد هو أنه لا يعرف بعد كيف يدير توتره وانزعاجه.
 
لذا يؤكد اختصاصيو التربية وعلم نفس الطفل أن استماع الأم، بمعنى الإنصات، إلى طفلها، ومعرفة احتياجاته الأساسية يسمحان لها في كثير من الحالات بحل الكثير من المشكلات.
 
حاجات ملبّاة... تعني سلوكًا مناسبًا:
المعادلة بسيطة: لنتخيّل المشهد. طفل لا تُلبى احتياجاته سوف يسعى لتلبيتها بوسائل أخرى... وفي كثير من الأحيان تكون الوسيلة سلوكًا غير لائق، أي إزعاج والديه مثل البكاء، نوبات الغضب والصراخ وما إلى ذلك. المشهد المعاكس، طفل يشعر بالاكتفاء وحاجات تُلبّى، سلوك هادئ وتعامل أسهل.
ولكن هل هذا يعني أن كل ما يطلبه الطفل أوامر يجدر تنفيذها؟ بالطبع لا، وإلا يكون الأهل ينشئون طفلاً ديكتاتوريًا. بل هناك احتياجات أساسية وواقعية من حق الطفل تلبيتها. لذا المطلوب الآتي:
 
معرفة احتياجاته... ومعرفة احتياجات الأهل:
تساعد معرفة احتياجات الطفل الأساسية، الأم في تحديد أفضل للمسائل التي تجعله يشعر بالاكتفاء، مما يجنّبها ميله إلى السلوك المزعج أو غير المقبول بالنسبة إليها.
 
ولكن قبل ذلك، من المهم أن يعرف الأهل أنهم ومن دون وعي، ينقلون إلى أطفالهم حاجاتهم التي لم تلبَّ. فإذا كان مخزون الحب لديهم ناقصًا، فإن أطفالهم سوف يواجهون المشكلة نفسها.
 
لذا من الضروري أن يدركوا آلامهم الخاصة، والنقص الذي يعانونه ويحاولون التخلص من المشاعر السلبية التي تنتابهم بسبب ذلك، وهذا شرط مسبق قبل أن يأملوا الحصول على نتائج طيّبة مع أطفالهم في تلبية احتياجاتهم.
 
وعليه نذكر مقولة «فاقد الشيء لا يعطيه»، فمثلاً عندما تشعر الأم بالتوتر الشديد خلال امتحان ابنها، لا يمكنها مساعدته في التخلص من توتّره، وإن ادعت عكس ذلك فإن الطفل سوف يشعر بأن أمه متوترة، وبالتالي يزداد توتره.
 
تلبية احتياجات الطفل لا تعني أن تكون الأم متوافرة له طوال الوقت:
تلبية طلبات الطفل واحتياجاته لا تعني تخلّي الأم أو الأب عن تلك المتعلّقة بهما! فمن المهم أن يعرف الطفل أن لوالديه احتياجاتهما وعليه احترامها.
 
ومهما كانت سنّه فإنه قادر تمامًا على تفهّمها ويتعلم تدريجًا احترامها. لنتخيّل المشهد: تعود الأم إلى المنزل بعد يوم طويل في العمل وتحتاج إلى الهدوء، يسارع أبناؤها بمجرد فتحها الباب، ويطلبون منها أن تصطحبهم إلى المتنزّه، أو اللعب معهم، «كنا ننتظرك بفارغ الصبر»، تشعر بالذنب، فتلبي الطلب وإن كانت منهكة.
 
هذه المبادرة الطيّبة من الأم وتلبية طلب أبنائها على حساب حاجتها إلى بعض الراحة تجعلها في نظرهم «السوبر ماما.. والمتوافرة لنا والحاضرة لتلبية طلباتنا، وبالتالي هذا حقّنا».
 
في حين أن على الأم أن تعبّر صراحة عن حاجتها الى الراحة والهدوء، وبدل المسارعة الى تحقيق طلب الأبناء، عليها أن تقول لهم: أعلم أنكم كنتم تنتظرونني، ولكنني بحاجة إلى الراحة نصف ساعة، ثم أنضم إليكم للعب أو نخرج إلى المتنزّه... من المهم أن يدرك الأبناء ذلك.
ويبقى السؤال: ما هي الحاجات الأساسية عند كل الأطفال؟.
 
الاحتياجات الأساسية:
 
     الحاجة إلى الأمان: ويكون ذلك عبر الممنوعات، والحدود والقواعد، فهي تمنح الطفل الشعور بالأمان، وكذلك تكون الأساس للتنشئة الاجتماعية الجيّدة.
 
كيف! عندما يعرف الأبناء أن هناك طقوسًا يومية وقواعد عليهم الالتزام بها، يشعرون بالاستقرار والطمأنينة، وإن أبدوا معارضة أو حاولوا تخطّي القوانين المنزلية، فإنهم يدركون أن لديهم مرجعًا يعودون إليه. فالفوضى والحرية وغياب القوانين تقلقهم، وتشعرهم بأنهم مهملون، وأن أهلهم لا يكترثون لوجودهم.
 
الحاجة إلى الاستقرار: الروتين اليومي، الجو الهادئ في المنزل، وإجابات الأهل المتماسكة، تُشعر الأبناء بالاستقرار. كيف! عندما تكون علاقة الوالدين متماسكة، ويبدوان متفاهمين على قواعد تربوية واحدة، ولا صراع بينهما، أي عندما لا يلغي أحدهما قرار الآخر.
 
مثلاً عندما يضع الأب قاعدة لابنه المراهق بعدم الخروج من المنزل بعد الثامنة مساء، فيما الأم تسمح لابنها بمخالفة القانون، فإنها بذلك تجعله يفقد الثقة بهما معًا لأنه يشعر بالصراع الصامت بين والديه، وقد يستغله لمصلحته، لكن في قرارة نفسه يتمنى لو أنها منعته.
 
فالفوضى وتخطي القوانين المنزلية يُشعرانه بعدم الاستقرار. وعمومًا، النظام والقوانين تشعر الانسان بالاستقرار، سواء كان طفلاً أو مراهقًا أو راشدًا.
 
الحاجة الى الغذاء: للنظام الغذائي دور حيوي في تأسيس علاقة عاطفية، بين الأم وطفلها، وتحديدًا في الشهور الأولى للطفل أثناء الرضاعة.
 
وفي وقت لاحق، عندما يشعر الطفل بالحاجة الى تناول الطعام بيديه، فإن من المهم السماح له بذلك لأنه يلبي حاجة الاستكشاف، والتي تمكنه من تطوير حاسة اللمس... فالغذاء مصدر للمتعة. وعندما يكبر تصبح وجبة الطعام أو سندويش المدرسة التي تحضّرها الأم، وليس الخادمة، متعة للطفل والمراهق، ويتذكرها. ولتسأل الأم نفسها عندما تزور والدتها، ألا تشعر بالغبطة عندما تقدم لها والدتها قطعة حلوى حضّرتها!
 
الحاجة إلى النوم: من الضرورى احترام إيقاع الطفل في النوم، فعندما يختل هذا الإيقاع فإنه يولّد توترًا عصبيًا واضطرابات سلوكية لا يمكن تجنّبها، إضافة إلى اضطرابات في النمو، فالنوم يسمح للطفل بأن ينمو بشكل جيد!
 
فقد أثبتت الدراسات الطبية، وخاصة تلك المتعلقة بالجهاز العصبي عند الانسان وجود علاقة بين النوم وإفراز هورمون النمو. كما الكبار، كذلك الأطفال، تختلف احتياجات النوم من طفل إلى آخر. ولكن هناك معدل عام من ساعات النوم:
حديثو الولادة: 20 ساعة.

- من 1-3 سنوات: 15 ساعة (12 ساعة في ساعات الليل + 3 ساعات للقيلولة).؛

- من 3 إلى 6 سنوات: 12 ساعة (10 ساعات في غفوة الليل + ساعتان)؛

- حوالى 10 سنوات: 10 ساعات؛

- المراهقون: 8 أو 9 ساعات؛

- الكبار: من 7 إلى 8 ساعات.

الحاجة إلى النظافة: تعليم الطفل النظافة الشخصية، والاستحمام، وتنظيف الأسنان، تبديل ملابسه الخ...تضمن للطفل بيئة صحية وراحة الجسم واسترخائه.
 
كما أن تعليم النظافة الشخصية يعرّف الطفل على معنى نقاط المرجع اليومية عندما يتم إدراجها في روتينه اليومي، ويوفر له لحظات استكشاف، الماء والصابون، فقاعات، الباردة والساخنة، وما إلى ذلك.
 
الحاجة إلى التواصل: وتُلبى هذه الحاجة حتى قبل أن يولد الطفل. وعندما يولد، يحتاج الرضيع إلى التواصل الجسدي واللغوي، فعندما تحضنه والدته، وتتحدّث إليه، يعرف نبرة صوتها ويشعر بالراحة، وعندما يكبر الرضيع، يصبح التواصل معه لغويًاوإيمائيًا، فيعبّر عن غضبه مثلاً بعقد جبينه وعندما يفرح يبتسم، وعندما يبدأ الكلام يتحول الكلام وسيلة تواصله للتعبير عن مشاعره، وبعد ذلك يبدأ التواصل المستند إلى الحوار والحديث المتبادل.
 
الحاجة إلى احترام إيقاع نموّه: من الضروري أن يحترم الأهل إيقاع نمو أبنائهم الفكري والعاطفي والنفس- حركي والاجتماعي. لذا يجب أن تكون توقعاتهم منطقية، وهذا يتوقف على مرحلة تطوره النفسي والعاطفي والاجتماعي، وكل طفل فريد من نوعه، فإذا كان أحد الأبناء متفوّقًا فهذا لا يعني أن الجميع يجب أن يكونوا متفوّقين.
 
الحاجة إلى التعلم واللعب (التعلم من طريق اللعب): دور الآباء هو البناء على رغبة الطفل في التعلم، من خلال توفير بيئة مواتية: المساحة، الأثاث، المعدّات ولعب الأطفال وما إلى ذلك، يجب أن تكون مصممة تبعًا لسنّه، وتساهم في بلورة مهاراته وملكاته الذكائية، بدلاً من محاولة فرض نشاطات محدّدة عليه.
 
الحاجة إلى الاستكشاف: الاكتشاف، التجربة والمراقبة، من خصائص الطفل، فهو يحتاج إلى اكتشاف البيئة التي يعيش فيها، من أجل السيطرة تدريجًا على أفعاله.
 
الحاجة الى المتعة: للعبور نحو الفعل، والتعلّم، وتعزيز ملكة التنبه، على الطفل أن يكون راغبًا في القيام بعمل ما، أي أن يشعر بالمتعة أثناء إنجازه. وهذا يتطلب من الأم مراقبة طفلها أثناء قيامه بأي عمل، سواء كان يلعب أو يأكل او يشاهد التلفزيون.... هل يبدو سعيدًا مستمتعًا وفخورًا بما ينجزه؟
 
الحاجة إلى الخروج والتنزّه: الخروج، التنزه والمشي على القدمين، أو التنزه بالعربة بالنسبة إلى الطفل الصغير، ركوب الدراجة، نشاطات تعود بالفائدة على الطفل. فهي توفر له الهواء وأشعة الشمس التي يحتاج اليها ليتمتع بصحة جيدة، فالأوكسجين يحفز دفاعات الجسم ويعزز الشهية والنوم، وتتيح له فرصة اكتشاف أماكن مختلفة عن بيته، وأناس وأطفال آخرين...
 
الاحتياجات العاطفية:
 
     الحاجة إلى أن يكون محبوبًا: من دون قيد أو شرط.
الحاجة إلى الاهتمام: فالطفل يجب أن يعرف أن أهله يهتمون به ويستمعون إليه، وأن من المهم بالنسبة إليه أن يكون بصحة جيدة وسعيدًا.
الحاجة إلى نيل التقدير والاعجاب بما هو عليه: سواء كان متفوّقًا أم لا، جميلاً أم لا.
الحاجة إلى الاحترام: احترام طبعه، شخصيته، ذوقه، ورغبته في القيام بنشاط أو عدمه.
الحاجة إلى الدعم والتشجيع: الدعم والتشجيع والإطراء، والطقوس التي تساعده في تخطي صعوبات تواجهه، مثلاً يريد أن يتعلّم ركوب الدراجة الهوائية، بدولابين، يمكن الأم تشجيع الطفل بشراء خوذة لحماية رأسه وتساعده على التعلم تدريجًا، مثلاً في البداية يستعمل دراجة بأربعة دواليب، ثم بثلاثة، وعندما يتأكد من أنه أصبح قادرًا على القيادة بتوازن، تحاول الأم انتزاع الدولاب المساند، وهكذا يبدأ بالدراجة الهوائية بدولاب واحد.
          
تنبيه - الخلط بين الرغبة والحاجة!
 
تلبية احتياجات الطفل لا تعني «الاستسلام لرغباته». فإعلان رغبته وسيلة لتلبية حاجته. وخيال الطفل ثري، ولديه رغبات كثيرة أقرب إلى الخيال! وفي كثير من الأحيان تكون هذه الرغبات ببساطة غير مجدية أو لا تناسب الأهل.
 
قد يرغب الطفل في تناول الحلوى قبل العشاء، وبدل منحه إياها أو ردعه عنها، على الأم أن تسأله ما إذا كان جائعًا، وبالتالي تعطيه سناك صغيرًا يسد به جوعه قبل موعد العشاء.
 
وإذا كان يرغب في شراء لعبة لديه مثلها في المنزل، على الأم أن تذكره بذلك، فليس كل ما يرغب فيه الطفل نلبيه له، بينما ما يحتاج اليه ضرورة يجب توفيرها له.
 
إعداد: مجلة لها (بتصرف)