الميل هو ضرب من الشعور بالاهتمام، وهو أسلوب من أساليب العقل. ونحن نقول: إن شخصاً ما عنده ميل قوي لنشاط معين عندما يجد فيه راحته ولذته، وعندما يسر لمزاولته له والتحدث عنه، وعندما يحاول برغبته أن يبذل كل جهده فيه. ولكننا عندما نكره نوعاً من النشاط فمعنى ذلك أننا لا نميل إليه في الغالب.
* الميل والقدرة:
تكوين ميل الإنسان إلى ما يمارسه من أنواع النشاط أو عدم تكوين هذا الميل تحدده عوامل كثيرة، فمثلا إذا كان لدينا تلميذ لا يحب مادة الرسم ويتململ أثناء حصة الرسم وينتظر انتهاء الوقت بفارغ الصبر وتلميذ آخر يحب هذه المادة ويقضي الوقت كله منكباً على دفتر الرسم حتى آخر الوقت، فربما يكون والد التلميذ الأول يعتقد أن مادة الرسم لا تعدو أن تكون ضياع وقت بالنسبة لتلميذ يعد نفسه لان يكون طبيبا مثلا... وقد يكون اعتقاده هذا قد أثر في ميل التلميذ لهذه المادة، فكثيرا ما يتأثر الأطفال بآراء آبائهم وإخوانهم كما يتأثرون بآراء مدرسيهم المحبوبين... ويحتمل أيضاً أن قدرته في الرسم ضعيفة... وربما كانت كراهيته للرسم، راجعة إلى ضعف استعداده العملي لهذه المادة مثلا أو ضعف قدرته على التصور البصري المكاني... والميل والقدرة يسيران جنباً إلى جنب في أكثر الأحيان، غير أن هناك بعض الحالات التي لا يظهران فيها معاً. فربما يحدث مثلا أن الذي لديه ميل شديد للرسم العملي بينما تكون قدرته فيها ضعيفة... وقد يكون عند تلميذ آخر قدرة كبيرة في الرسم ولكنه لايميل إليه كثيراً... ومن هذا نرى أن الميل والقدرة عاملان يختلف كل منهما عن الآخر وينفصل عنه. فالميل للرسم وحده لا يخلق فنان من غير أنّ تتوفر عنده القدرة الكافية... وإنما يمكن أن يساعده الميل على أن يستغل ما عنده من قدرات لأقصى حد مستطاع.
* كيف تنمو الميول:
تتشابه ميول الأطفال تشابهاً كبيراً عندما يكونون صغارا كما تتشابه التغيرات التي تحدث لميولهم، وهذه التغيرات تعتبر من علامات النمو عند الأطفال. فتتميّز حياة الأطفال بين سن الثانية والخامسة بالميول التي يتضح فيها الخيال الواسع وحب الجري واللعب... ويميل الطفل في سن الثانية والثالثة إلى اللعب وحده ومع نفسه... ثم يتدرج في الميل إلى اللعب مع زميل آخر أو زميلين إلى أن يصبح في سن الثامنة إلى الثانية عشرة فيميل إلى الاندماج في الجماعات والنوادي.
ويميل جميع الأطفال إلى الرسم والتلوين واللعب بالطين، ولكن ليس معنى هذا أنهم سيصبحون جميعا فنانين، أو من أصحاب الميول الفنية.
ويستمتع جميع الأطفال أيضا باللعب الخيالي... فهناك من يركب عصاه ويتصور نفسه فارساً كبيراً... وعندما يركب دراجته الصغيرة يتصور نفسه أنه يركب أقوى وأحدث ما وصلت إليه الاختراعات الحديثة... ولكن لا يصح أن نستنتج من العاب هذا الطفل وميوله هذه أنه سيصبح فارساً... ولكن هذا لا يمنع من أن نلاحظ تخيلاتهم ومواهبهم ومطامحهم ونلاحظ أيضا البيئة التي يستمد منها الطفل خبراته، إذ أن هذه المواد الخام هي التي منها ستشتق ميوله، وعليها وعلى الخبرات التي يكتسبها من بيئته، سوف يقوم اختباره لما يمارسه من هوايات.
* كيف تتغير الميول:
تتطور ميول الأطفال من ألعابهم التخيلية في سني حياتهم الأولى إلى الألعاب الجماعية وإلى عمل الأشياء وصنعها... وإلى الاهتمام بما يجري خارج المنزل. وتتميز مرحلة ما قبل البلوغ بما يظهر عند الطفل من حب الاستطلاع والميل إلى التساؤل عن الأشياء الكثيرة التي توجد حوله ... وتتوالى هذه الميول كلها واحد في إثر الآخر في تتابع سريع.
وفي حوالي سن الخامسة عشرة تأخذ ميول الأطفال في الاستقرار... ومع أن التغير فيها يظل عملية مستمرة إلا أن التغيرات التي تبدو في معظمها تكون في الناحية التعبيرية أكثر منها في أساس الميول ذاتها... فمثلا الأولاد يعبرون عن ميلهم للنشاط الخارجي أو الخلوي بالذهاب للصيد أو الخروج في معسكرات فعندما يكبرون يعبرون عن ذلك الميل نفسه بالعمل في تنسيق الحدائق أو القيام بالرحلات والزيارات... وكذلك الفتاة التي تعبر عن ميلها لرعاية الأطفال في سن الخامسة عشرة بالعناية بإخوتها الصغار تعبر عن هذا الميل نفسه عندما تكبر بالعمل في مهنة التدريس للأطفال.
المصدر: جريدة الدستور الأردنية (بتصرف)