كـثـر الحديث هذه الأيام عن ضرورة انتقال المعلمين وأولياء الأمور في تعليمهم لطلابهم وأبنائهم من الاكتفاء بملء أذهانهم بالمعارف والمحفوظات ـ رغم أهميتها ـ إلى التركيز على تعليمهم مهارات التفكير بناء لذواتهم المستقلة وإعدادا لهم ليواجهوا تعقيدات الحياة الحديثة ومشكلاتها وليكونوا مواطنين منتجين مبدعين نافعين لدينهم ووطنهم في عصر العولمة ومعاييرها فائقة الصعوبة.
لكن هذا المطلب المستحق، قليلا ما تجاوز عالم الأماني إلى أرض الواقع، وقليلًا ما خرج من متاهة التنظير واإنشائيات التي ملأت الصحافة والمجالس الثقافية والاجتماعية إلى التطبيق الفعلي في البيوت وفي حجرات الدراسة.
وكتاب المربي والمدرب الأسترالي "جون لانجرر" «علم تلاميذك مهارات التفكير» الذي بين أيدينا هو إسهام في طريق توفير مصدر مفيد ومبهج للجلسات المسائية العائلية وللحصص المدرسية، حيث المعلمون والمعلمات الحريصون على إثراء دروسهم وإمتاع وإدهاش طلابهم بما يوقد جذوة التفكير والإبداع في أذهانهم.
يعمل المؤلف الآن مستشارا في استراتيجيات التفكير وذلك بعد عمل استمر لمدة 25 عامًا أستاذا في جامعة جنوب أستراليا، وهو يؤمن أنه يمكننا الدخول في عقول المفكرين الموهوبين ومعرفة ما يدور فيها من خلال النظر إلى ما بعد الإدراك، وحينها سوف يتمكن جميع التلاميذ من معرفة وتعلم الأفكار التي يحتاجون إليها حتى يتحسن مستواهم في أي مادة أو وظيفة أو رياضة أو هواية، فالمدارس تحتاج إلى تعليم تلاميذها كيف يفكرون، كما أنها بحاجة إلى تعليمهم ما يمكنهم التفكير فيه.
1 - مهارات تطبيقية:
الذاكرة الجيدة لأي محتوى افتراضي طبقًا لرؤية المؤلف، ليست في ذاتها كافية لتحقيق النجاح في ظل هذا العالم الذي يتغير في سرعة ويقوم على روح التنافس وكثرة المعلومات، ولكن القدرة على التفكير بشكل تحليلي وإبداعي ونقدي بشأن ذلك المحتوى له فاعلية أكبر فهو حقًا الشخص المثالي لمساعدتك أينما كنت.
وسبب انتقائنا لهذا الكتاب من بين عشرات الكتب التي تروج لتعليم مهارات التفكير هو تجاوزه المقدمات الفكرية والنظرية إلى التدريبات والتمارين القابلة للتطبيق المباشر، إضافة إلى تغطية أكثر العمليات والمهارات الذهنية التي يوصي بها التربويون المعاصرون.
ويحسب لمترجمي الكتاب تجاوزهم مرحلة الترجمة النصية إلى محاولة تقريب أفكار ومفردات تمارين وأسئلة الكتاب إلى بيئتنا وثقافتنا العربية، إذ عدلوا ـ تبعا لذلك ـ ما يحتاج إلى تعديل وحذفوا أو أضافوا ما يحتاج إلى حذف أو إضافة، وذلك في عملية تعريب في حدود الممكن، بما لا يغير في بنية الكتاب الأساسية، فالكتاب لصاحبه في النهاية! وقد بذلوا جهدهم ليجد المعلمون والآباء والأمهات في هذا الكتاب ما يرضيهم.
يقول مؤلف الكتاب جون لانجرر إن التفكير ـ كما هو معروف ـ عملية طبيعية كالجري والغناء لكننا نستطيع جميعًا أن نطور إلى حد كبير من هذه القدرات إذا تلقينا تدريبات أو درسنا استراتيجيات تساعدنا على تطوير الأعضاء المتعلقة بهذه المهارات.
ويستدرك بأن افتراض المربين ومعظم أولياء الأمور أن التفكير الجيد سيتطور طبيعيًا لدى معظم الطلاب ليس صحيحًا، لأن إجابات الطفل عن الأسئلة والتدريبات التي احتواها كتابه يمكن أن تكون دليلًا على عكس هذه الفرضية، مستدلًا بأن البحوث العلمية تؤكد على أي حال أننا نستطيع أن نحسن عملياتنا الفكرية وذكاءنا إلى حد كبير بواسطة التدريس المنظم، وهذا بالضبط ما أعلن أن التدريبات المتدرجة والمنتقاة بعناية في كتابه هذا تهدف إلى تحقيقه.
2 - فحص وتطوير التفكير الإبداعي والنقدي:
وقد تركز الجزء الأكبر في هذا الكتاب على فحص وتطوير التفكير الإبداعي والنقدي لدى الطلاب الصغار، وأشار المؤلف إلى أن هاتين الطريقتين المختلفتين من طرق التفكير تزدادان أهمية في عالمنا التنافسي المعلوماتي سريع التغير، حيث يحتاج الناشئة إلى أن يتخرجوا من المدارس بأكثر من مجرد ذاكرة جيدة مليئة بالمحتويات والطرق المقررة عليهم، فما يحتاجون إليه هو أن يكونوا قادرين على التفكير النقدي بشأن القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وباختصار فإنهم في حاجة لأن يكونوا قادرين على التفكير لأنفسهم.
تخزن عقولنا محتوى لنفكر بشأنه وأسئلة نستخدمها لنتعامل ونتفاعل مع هذا المحتوى أو لنفكر بواسطتها، وكلما تعاظمت كمية ونوعية هذه الأسئلة التفاعلية تعاظمت احتمالية التفكير الفعال ـ طبقًا للمؤلف ـ مستطردًا أن أسئلة هذا الكتاب توفر فرصًا للطلاب من الصف الرابع الابتدائي تقريبًا إلى الصف الثالث المتوسط ليتدربوا على ثلاثين عملية من عمليات التفكير الأساسية التي حددها التربويون.
وليس المهم للطلاب أن يستمعوا لإجابات هذه الأسئلة فحسب، كما يبين، ولكن المهم أيضًا هو أن يستمعوا للأفكار التي مرت على عقول المفكرين الناجحين أثناء إجابتهم عنها، لأن هذا التأمل في التفكير أثناء عملية التفكير يسمى «ما بعد الإدراك» وهو أقوى طريقة لتطوير تفكير الطفل وتعلمه.
3 - عمليات فكرية مجربة:
ويوجه المؤلف كلامه للمعلم وولي الأمر: تبعا لذلك وبعد أن يكون الطفل قد أكمل مجموعة من الأسئلة، قارن إجابته بتلك الإجابات المقترحة في نهاية الكتاب، وبعد ذلك ناقش أفكارك مركزًا على أية أسئلة واجه طفلك صعوبة في الإجابة عنها، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي يستطيع الطفل أن يتعلم بها الأسئلة والأنماط والصور التي تمر على ذهن المفكر الجيد أثناء تعامله مع المهمات العادية.
ويصف الإجابات المقترحة عن الأسئلة في الكتاب بأنها مجرد مقترحات، لأن كثيرًا من هذه الأنواع من الأسئلة تحتمل أكثر من إجابة صحيحة، فيمكن أن نقبل من الطلاب إجابات أخرى وأن نتيح لهم الفرصة لإبداء أسبابهم في اختيارها، فقد تكون إجابات مقبولة، مما سيساعد على تحسين تفكيرهم أكثر وأكثر.
وقد رتب المؤلف العمليات الفكرية المجربة والمطورة في هذا الكتاب طبقًا للترتيب الذي تظهر به في حياة الإنسان منذ ولادته، فالفصل الأول متعلق بالطريقة التي نفكر بها نقديًا وإبداعيًا بشأن تلك المعلومات. موضحًا للمعلم وولي الأمر «أنه من المهم أن يتمكن الطفل من نقل العمليات الفكرية التي تعلمها إلى محتويات جديدة في المستقبل، والموضوعات ذات الأهمية العالية في نهاية الكتاب التي تحتوي على أكثر من عشرين عملية من عمليات التفكير الأساسية تساعدك على فحص ذلك السؤال وتستطيع أن تستخدم هذا الفصل لترى إذا ما كان طفلك في حاجة إلى المساعدة في مجال معين».
4 - طرائق عدة لاستخدام الكتاب:
وعن طبيعة استخدام الكتاب، يقول «إذا كنت معلمًا واشتريت هذا الكتاب لتستخدمه مع طلابك، فبإمكانك أن تفكر في استخدامه بطرائق عدة، فباستطاعة طلابك تجريب أحد التدريبات كل يوم لمدة نصف فصل دراسي كجزء من مقرر للتطوير الذاتي أو يستطيعون أن يكملوا تمرينًا واحدًا كل أسبوع على مدار العام كجزء من مواد المنهج الاعتيادية وإذا لم يكن بالإمكان إدراج الكتاب في برنامج المدرسة فباستطاعتك استخدام أسئلته كنماذج لتطوير أسئلته الشخصية حول الموضوعات المضمنة في برنامجك التدريسي الأصلي، فبإمكانك أيضًا أن تشتري الكتاب لتوفره في مكتبة المدرسة لطلابك الذين سيرحبون بالتحديات الذهنية التي سيقدمها».
ويضيف «لقد ساعدت التمارين وأنواع الأسئلة في هذا الكتاب الكثير من الطلاب وأولياء الأمور والمعلمين والموظفين الذين عملت معهم لسنوات في أن يصبحوا أفضل قدرة على التفكير.. «كن مفكرًا أفضل» هو في الحقيقة عنوان أحد كتبي وسيوفر لك الكتاب المزيد من المعلومات عن الطرائق المختلفة للتفكير وعن استراتيجيات لتطوير أشياء مثل الخرائط البصرية وإدراك الأنماط والأشكال والأسئلة الذاتية».
5 - مهارات التفكير النقدي.. ضرورة المرحلة:
ويؤكد المؤلف على أن تعلم الأطفال لمهارات التفكير النقدي أصبح أمرًا مهمًا في الوقت الحاضر أكثر من أي وقت آخر، وذلك لما انتشر من وسائل إعلام مختلفة تتنوع بين التلفاز والمجلات والإنترنت والتي تؤثر على الأطفال بشكل نقدي حول ما يرونه ويسمعونه أو يقرؤونه.
إن تنمية واختبار ذاكرة التلاميذ بدلا من مجرد تفكيرهم، كما يشير المؤلف، هي أول اهتمامات المدارس اليوم فإذا تعلم الأطفال كيفية طرح الاسئلة ـ بدلًا من مجرد الحفظ والاستظهار ـ فإن ذلك سوف يمكنهم من تحسين الروابط التي تصل بين معلومة وأخرى داخل عقولهم، كما يمكنهم ذلك من الاستفادة من قدراتهم لأقصى درجة ممكنة، وأيضًا الاستفادة من حياتهم بكل صورها.
فالتمارين التي يتضمنها الكتاب ـ وفقًا للمؤلف ـ سوف تغير من الطريقة التي يفكر بها التلاميذ، فبدلًا من أن يتقبلوا الأشياء كما هي كأمور مسلم بها سوف يتعلمون كيف:
- - يحللون التصاميم.
- - يتأكدون من مصداقية معلومة.
- - يحددون الأنماط ويتوقعون.
- - يطرحون الأسئلة الاستكشافية.
- - يحددون الافتراضات والتعميمات.
- - يصلون إلى استنتاجاتهم الخاصة.
هذا إضافة إلى أنهم سيطبقون ما تعلموه على مواقف جديدة، يحللون ما يرونه ويسمعونه ويقرؤونه، يكونون آراءهم الخاصة، يفكرون نقديًا وإبداعيًا، يدافعون عن استنتاجاتهم، يقومون آراء الآخرين. والمهارات التي سوف يتعلمها طفلك من خلال هذا الكتاب يمكن تطبيقها على كافة المواقف بما في ذلك حياتهم المدرسية وصنع القرارات بشأن حياتهم اليومية.
بقلم: جون لانجرر/ ترجمة: بكر بن إبراهيم بصفر وعبد الحميد بن حمدي السيد و محمد بن محمد الأمير
إعداد: يوسف غريب (بتصرف)