إن هذه الأسباب متصلة ومتداخلة ، فإن جميع الأطفال يولدون وفيهم تلك النزعة السيئة وبعضهم يبدونها على ندرة، البعض الآخر بصورة أكثر. بعضهم يبديها نحو الآخرين ، البعض نحو أنفسهم والبعض الأخر نحو الأشياء والممتلكات . ويمكن أن تكون هذه النزعة مزاجية وتظهر مرارا . واذا كان الأمر كذلك فإنها سوف تؤثر على علاقة الوالدين بالطفل تأثيرا سلبيأ ، إذ ستؤثر على تصرف الوالدين وعلى تعاملهما مع الطفل مما يجعل هذه النزعة تتعزز وتزيد وتنمو ، والحل يكمن في هذا الوعي فإن كان سلوك الوالدين يتأثي بسلوكيات الطفل وتصرفاته فإن العكس صحيح جدا، إذا عرفنا هذه الحقيقة سنعرف كيف نغير من سلوك أطفالنا لكي يصبحوا أشخاصا جيدين.

فعندما تظهر النزعة السيئة أو المزج الميال إلى التمرد ويقرر الوالدان ترك المتابعة أو الإهمال أو المبالغة في ردة الفعل فإن أسلوبهما قد يساعد في تعزيز وتطوير هذه السلوكيات غير المحبذة، أما إذا حاولا تفهم الطفل وسيطرا على غضبهما وحافظا على هدوئهما وتصرفا معه بمحبة وسمحا له بالتعبير عن غضبه فإن هذه الصفة ستتضاءل أو ستختفي بالنهاية.

 وللتوضيح، سأعرض مثالأ على ذلك إزداد "لدانيال" أخ صغير، فنال بالطبع المولود الجديد اهتماما خاصا. يلوث دانيال سرواله. والسؤال:  ما سبب تصرف دانيال بهذا الأسلوب؟ دانيال يتصرف بأسلوب غير لاثق لينال اهتمام والدته أو من المحتمل جدأ أن يكون يعبرعن غضبه. وهنا غضبه ناشئ عن الغيرة . وثمة أشياء كثيرة مشابهة يفعلها الأطفال ، مثل القفز والصياح داخل البيت، الإكثار والإخفاق بالمتطلبات أو منهم من يميل إلى الدلع أو إلى البكاء أو إلى الحساسية الزائدة. وهذه التصرفات تعد متنفسات يلجأ إليها الأطفال للتعبير عن الغضب. وهنا وجب عليك معرفة السبب الذي أغضب طفلك.

مثالا أخر للتوضيح، "رامي" طفل لا يتجاوز الثلاث سنوات، طفل مطيع بشكل عام وذو طبع هادئ ورزين . تصطحبه والدته معها عند بعض الأصدقاء وتتركه يلعب مع الأطفال. يعودان إلى المنزل فتتفاجأ أمه من حركته الزائدة وطبعه السلبي ومن عدوانيته المفاجئة . وتبدأ الأم ملاحظة أن هذه السلوكيات تظهر وتتكرر عندما يذهب عند نفر الناس ، وتبدأ في مراقبة الوضع لتعرف الأسباب. فتكتشف الأم أن طفلها في هذا المكان يعتدى عليه من قبل الأولاد الآخرين، ويجد نفسه بمكان لا حل ألا وأن يبدأ هو بممارسة العدوان الدفاعي. ونظرا لعدم تفهم أمه الوضع في البداية، وممارستها للعقاب على هذه السلوكيات أغضب رامي كثيرا وجعله كثير الحركة و وذي طبع سلبي.
ثمة خمس عشرة درجة للغضب وهي مرتبة على هيئة سلم حيث 1 ‏هي أفضل الطرق تعبير عن الغضب و 15 ‏هي أسوأها. وبالتالي فكل درجة تعلو الأخرى تمثل طريقة متصاعدة في التعبير عن الغضب على نحو أفضل:

1 ‏. السلوك المرضي الهادئ: وهو سلوك مرغوب ومحبذ: مثلأ أن يطيع الطفل دون نقاش، أن يسامح وأن لا يتعدى على الآخرين .
2 ‏. البحث عن حل: فمثلا أن يبحث الطفل عن طريقة وأسلوب لحل المشكلة وعن طريقة للتعامل مع أي موقف مزعج.
3 ‏. حصر الغضب في مصدره فقط: وتتمثل عندما يقوم الطفل بتوجيه العدوان نحو المصدر نفسه الذي سبب له الإزعاج أو الألم ، إن كان شخصا أو شيئا.
‏4 ‏. الوقوف عند الشكوى الرئيسية: وتتمثل في الطفل عندما لا يدع مسبب الأذى دون التعامل معه.
5 ‏. التفكير على نحو منطقي وبناء: وتتمثل بقدرة الطفل على التفكير بأسلوب أكثر منطقيا.
6 ‏. السلوك الكريه والبغيض: ويتمثل عندما يتصرف الطفل بأسلوب صاخب مزعج وغير مرغوب.
7 ‏. الشتم : ويتمثل بالسب واستخدام الألفاظ غير اللائقة.
8 ‏.توجيه الغضب نحو الأسباب غير الحقيقية: يوجه الطفل عداونه نحو أشخاص وأشياء ليسوا هم المسبب الرئيسي .
9 ‏. مناقشة شكاوي ليس بينها علاقة سببية: كأن يتكلم الطفل عن مواضيع لا علاقة لها بالحدث الرئيسي.
10 . القذف بالأشياء : كأن يرمي الطفل بالأشياء على الأرض أو على أشخاص.
11 . تحطيم الممتلكات : إذ يقوم الطفل بتكسير وتحطيم ألعاب أو تحف أو أي غرض آخر.
12 ‏. الإيذاء اللفظي : ويتمثل في توجيه كلام جارح للأشخاص أو للوالدين.
13 ‏. السلوك العاطفي المؤذي: كأن يُظهر الطفل سلوكا عاطفيا هداما، مثل رفض أشخاص معينين أو حتى الوالدين أحيانا.
14 ‏. الإيذاء الجسدي: كأن يضرب الطفل ويكون عدائيا.
15 ‏. السلوك العدواني السلبي : وتتمثل بأسلوب تعامل استغلالي.

‏ إن أعلى السلم خير طريقة لتخلص من الغضب ، وهو تعبير مرضى ومنطقي عن مصادر الغضب . فحين يكون الطفل في السنوات الأولى من حياته، عاجزا عن التعبير عن غضبه بالألفاظ ، فهو يقوم - خاصة في خلال السنة الثالثة من حياته - بالتعبير عنه علنا . ولا بد من أن تَعْلمي أن من الطبيعي جدا أن يلقي بنفسه إلى الأرض وأن يتصرف على نحو سلبي، وكأن يعلي صوته ويصرخ أو كأن يقذف بالأشياء .

وتطلق على هذه الظاهرة علميا بنوبات الغضب . فهذه مرحلة حساسة من حياته ، إذ يحاول الاستقلال لكنه ما زال محدود الإمكانيات الحركية واللفظية، فتحول دون التحقيق من أهدافه فيشعر بالإحباط. وتعد هذه الأساليب المتنفسات الوحيدة عن مشاعر الإحباط التي يشعرها . كما أنه حينها يكون متعبا فهو يحتاج إلى أن يملأ وعاء – تنك – وقوده العاطفي . لكن سرعان ما يبدأ بالكلام لإنه يخفق من حدة تصرفه. كما أنه من الجدير أن تعرفي أن الطفل حينها يبلغ ثمانية عشر شهرا من عمره، تبدأ مرحلة التمرد على التعليمات ( ويكون ذا طبيعة سلبية وهذه المرحلة حرجة جدا وعلى الأم أن تكون حكيمة فتتبع الطراثق الثلاث للتعبير عن محبتها له وهي:

  1.  - الاتصال البصري؛
  2.  - الاتصال البدني؛
  3.  - واعطاء الانتباه نحوه.

فإذا امتلأ وعاء طفلك العاطفي، ثم استمر يتصرف تصرفا سيئا، فإن عليك أن تستكشفي المزيد عن وضعه هذا، عليك أن تسألي نفسك : " ماذا يحتاج إليه هذا الطفل؟ "

ثم إن السلوك السيء يجب أن لا يقابل بالتسامح والتساهل، وحين تتعاملين مع طفلك بأسلوب غير ملاثم كأن تعنفيه بقسوة أو تبالغين في التساهل معه، فإنك ستعانين من مشكلات في تربيته . لذا حددي أولا الداء ثم ابدأي في معالجة الوضع . بداية علينا أن نعي حاجاته الجسدية ، فإذا كان جائعا أو تعبا فلا بد من أن يثير الإزعاج وسيكون سلوكه غير سوي. فإن المرض أو الألم أو أي نوع من الأذى سيكون مصدرا طبيعيا لهذا السلوك ، دون شك . إضافة إلى الأخطاء الشائعة التي تقومين به كأم مثل: إصطحابه (خاصة إذا كان دون السادسة من عمره) للتسوق أو في سفر طويل أو لحضور اجتماعات وتنتظرين منه أن يجلس هادئ وساكنا!! ففي هذا العمر بالذات، لا يصعب جدا على الطفل أن يجلس مدة طويلة دون حراك. فعليك أن لانتباه لهذه المسألة المهمة. ولا شك أنك تستطيعين أن تصطحبيه معك وتملأي وقته بأنشطة وأعمال يحبها ليقوم بها بهدوء، كالرسم أو اليتوين أو اللعب بالدمى التي لا تحدث ضجة وازعاج خاصة في الاجتماعات...

أما إن لاحظت أن طفلك ما زال غاضبا، فاسمحي له وساعديه على التعبير عن غضبه بالطريقة الصحيحة. وعليك أن تميزي بين كونه غاضبا وبين كونه يعبر عن حاجة معينة، وذلك من خلال الانتباه لنغمة ووتيرة أنينه وبكائه . فيجدر بك دائما أن تناقشيه وأن تأخذي تصرفاته على محمل الجد، ودعيه يعبر لك عن غضبه وعما يحس به، فأصغي إليه بإمعان وأبدي اهتمامك الكبير به حين يقوم بذلك.

                                                    بقلم : مدلين سارة (بتصرف)