تدخل الكثير من الأمهات في حالة من الغضب والسخط، وتحولن جو البيت إلى ما يشبه المأتم بسبب رسوب أحد أبنائها في امتحان الدراسة، سيما إذا تعلق الأمر بامتحان مصيري مثل امتحانات الشهادة للأطوار الثلاث، ويزداد المشكل تعقيدا عندما تعرف أن أبناء الجيران أو أبناء الأقارب نجحوا بينما فشل ابنها، فتتحول إلى حالة من اللاوعي وتؤذي نفسها وابنها جسديا ومعنويا، وحسب تجارب بعض النساء الذين سردوا علينا قصصهم مع أيام رسوب أبنائهم، وجدنا أنهن يدخلن في حالة من الاكتئاب والإحباط وفقدان الشهية وحب العزلة، وحتى بينهن من تصاب بوعكة صحية.

تقول السيدة نورة أنها بمجرد أن سمعت بخبر فشل ابنتها في نجاحها في شهادة التعليم المتوسط، بينما نجحت ابنة عمتها التي طالما كانت ابنتها متفوقة عليها في العام الدراسي، أصيبت بما يشبه الشلل فقدت القدرة على الحركة ولزمت الفراش،

وأصبحت لا تنام ولا تأكل ولا تطيق النظر إلى ابنتها التي بهدلتها أمام الجيران والأقارب على حد تعبيرها.

نبيلة هي الأخرى أعلنت حالة الطوارئ في المنزل، وأطلقت العنان لدموعها وحنجرتها في عتاب قاس لابنها المهمل، الذي صرفت عليه طوال السنة الدراسية مبالغ كبيرة في الدروس الخصوصية وفي النهاية خيب أملها.

أما النموذج الثاني فيتمثل في الأم التي تبالغ في إبداء التعاطف والشفقة على ابنها الراسب وتتبرم وتتسخط وتعزو ذلك لانعدام الحظ، ويتضح جليا حسدها وبخسها لمن نجحوا من أبناء معارفها وأصدقاء ابنها، حيث لا تكاد تسمع لها شهادة منصفة، وتربط فشل ابنها مقابل نجاح الآخرين بكل ما تمليه عليها عاطفتها.

وتبقى الطريقة المثلى لتعامل الأم مع تجربة رسوب أحد أبنائها في الامتحانات ثقافة غائبة لدى عدد كبير من النساء على مختلف مستوياتهن الثقافية.

 وقد أعطى المختصون لهذا الموضوع اهتماما بالغا لأهميته الكبيرة في المجتمع، وشددوا على ضرورة تخلي الأمهات خاصة على السلوكات الخاطئة في التعامل مع رسوب الأبناء في الدراسة، مؤكدين أن الرسوب لا يعني الفشل إنما هي كبوة جواد غالبا ما تكون دفعة قوية لنجاح أفضل في التجارب الفرص القادمة، إذا ما عرف الأولياء كيف يتعاملون مع هذا الظرف، لذلك ينصحون بتجنب المحاسبة في تلك الفترة، بل على الأم أن تشجعه لكي يستعد أكثر، فالمحاسبة قد تزيد من سوء حالته النفسية، وقد تصيبه بحالة اكتئاب وإرهاق نفسي، قد يجعله يفكر في صرف النظر عن الدراسة والتفكير في مخرج آخر، كالتوجه نحو التكوين المهني أو تعلم حرفة ما أو المكوث في البيت بالنسبة للفتيات. 

وهناك فئة من التلاميذ يجتهدون ويثابرون، لكن النتائج تكون سيئة لسبب أو لآخر، ولهؤلاء ينبه الأخصائيون إلى مسألة أساسية، مجربة مع العديد من الطلبة، وتتمثل في إقناع الابن الراسب بأن النجاح في الفرصة القادمة سيكون مضمونا، وبمعطيات أكثر مناسبة لتحصيل معدل عال، وأن الرسوب ليست نهاية العالم، بل هو أفضل من النجاح بمستوى ضعيف وأن في الإعادة إفادة، حيث تمكنه من فهم دروسه بشكل أفضل وبالتالي يحقق نجاحا مستحقا ومشرفا.

كما على الأم الواعية أن تشحن ابنها بقوة الإيمان بقضاء الله وقدره، خاصة إذا كان اجتهد طوال السنة مع ذلك لم يوفق في النجاح. أما إن كان مهملا وقليل الاجتهاد فعلى الأم تأجيل العتاب والتمسك في أعصابها قدر المستطاع، على أن تعقد معه جلسة في الوقت المناسب وتتناقش معه في هدوء وتبحث معه في الأسباب التي أدت إلى رسوبه بطريقة تشعره بأنه تتقاسم معه همّه لا تحقق معه وتعاتبه، وتلقي بالمسؤولية كلها على عاتقه، حتى لا يؤدي ذلك إلى كره الابن للدراسة، بل عليها أن تنبهه إلى أن الفرصة مازالت أمامه ليبذل مجهودا أكبر، وتذكره بان من نجح من أصدقائه ليسوا أحسن منه في شيء، سوى أنهم اجتهدوا بالقدر الكافي، وأنه إذا اجتهد في الفرصة القادمة مثلهم قادر على أن يحقق النجاح مثلما حققوه.

بقلم : أماني أريس (بتصرف)