مقدمة:

لا شك بأن الإشراف هو "دينامو" حياة العملية التربوية والعنصر المؤثر، والمحرك المفعل للعملية التعليمية التعلمية، وأن حضوره في الميدان التربوي واجب بشرط تفعيلها لتحقيق ما وجدت من أجلها من تحسين لأداء كل من المعلم والمتعلم، ولا استغناء عنها لما لها من نتائج ايجابية على العملية التربوية بشكل عام، وقبل أن أخوض في معترك الإفادة بهوية المشرف التربوي من أهل القدوة، فإنني أرى أنه من واجبي أن أعرج إلى التعريف بالمفهوم اللغوي لمصطلح الإشراف حسب ما ورد في القواميس اللغوية والكتب الدالة على ذلك.

1 - تعريف الإشراف التربوي:

يقال أشرف لك الشيء أي أمكنك منه، ويقال شارف الشيء أي دنا منه وقارب أن يظفر به، ويقال ساروا إليهم حتى شارفوهم أي أشرفوا عليهم، والاستشراف هو وضع اليد على الحاجب عند النظر كالذي يستظل من الشمس حتى يبصر الشيء ويتبينه، وأصله من الشرف والعلو وكأنه ينظر إليه من موضع مرتفع، وأشرفت الشيء أي علوته واطلعت عليه من فوق. وهناك معان أخرى: فالإشراف كما هو في لسان العرب يدل على الحرص والتهالك ومنه الحديث الشريف الذي يقول " من أخذ الدنيا بإشراف نفس لم يبارك له فيها "، فلا يكن من يتولى هذه المهمة من أولئك الذين لم يبارك الله لهم فيها، والإشراف كما رصدت في بعض التعريفات اللغوية بأن معناه " الحرص والتهالك " ويقول الشاعر بهذا الخصوص: لقد علمت وما الإشراف من طمعي أن الذي هو رزقي سوف يأتيني.

وقال " شمر " في قوله وأنت غير مشرف له: قال ما تشرف عليه وتحدث به نفسك وتتمناه. والمشرف هو ذلك العضو من هذه العملية التربوية الذي يفترض به أن يحرص على تطبيق قواعد الموقع الذي عمل به من خلال الصلاحيات التي تعطى له، وفي قاموس " هومر الموجز " أشار إلى أن المشرف هو مطل من عل أو مطل من شاهق أو متقارب على الوصول. ومن كل تلك المعاني نستنبط أن كل من ينتمي إلى عملية الإشراف هو ذلك العنصر الذي يتصف ويتسم بالعلو المعرفي والسمو العلمي المقرون بالاتزانية والأخلاقية وليس بالجهوية الفارغة والتسلطية الجاهلية والأنانية المطلقة. فهو الذي يتمتع بالأهلية والجدارة الحقة التي تمكنه من أن يكسب ثقة من يشرف عليهم ويسيرون على نهجه ويتبعون خطواته وإرشاداته.

لقد حاول كثير من علماء التربية تعريف الإشراف، لكنهم لم يتفقوا على تعريف محدد له، فظهرت تعاريف ومعان كثيرة متقاربة في معانيها واختلافها كان باختلاف النظرة إلى العملية التعليمية وأهدافها وباختلاف النظرة إلى عمليتي التعليم والتعلم ومنها أنه يعمل على النهوض بعملية التعلم والتعليم كليهما، ومعنى " أن تشرف " هو أن تنسق وأن تحرك وأن توجه نمو المدرسين في اتجاه يستطيعون معه باستخدام ذكاء الطلبة تحريك كل طالب في صفه، وأن توجه إلى أغنى وأذكى مساهمة فعالة في المجتمع والعالم الذي يعيشون فيه. ومنهم من عرفها بأنها عملية تهدف إلى تحسين المواقف التعليمية عن طريق تخطيط المناهج والطرق التعليمية التي تساعد الطلاب على التعليم بأسهل الطرق وأفضلها بحيث تتفق وحاجاتهم، ومنهم من عرفها بأنها نشاط يوجه لخدمة المعلمين ومساعدتهم في حل ما يعترضهم من مشاكل للقيام بواجبهم على أكمل وجه، ومنهم من قال: إن الإشراف التربوي هي عملية واعية مستمرة بناءة ومخططة تهدف إلى مساعدة وتشجيع الفرد لكي يعرف نفسه ويفهم ذاته، وينمي إمكاناته بذكاء، ولقد كان الإشراف التربوي فيما مضى موجودا ويمارس دون أن يأخذ هذا الاسم في الإطار العلمي، ودون أن يشمله برنامج منظم، ولكنه تطور وأصبح الآن له أسسه ونظرياته وطرقه ومجالاته وبرامجه ومهاراته، وأصبح يقوم به أخصائيون متخصصون علميا وفنيا، وأصبحت الحاجة ماسة إلى الإشراف التربوي في مدارسنا وفي مؤسساتنا التعليمية وفي مجتمعاتنا بصفة عامة.

ومنهم من يقول أن الإشراف هو عملية تعاونية طرفاها الرئيسان المشرف والمعلم وهدفها تبادل المشورة لمساعدة الطلاب على تحقيق الأهداف المرسومة، فهو قائد تربوي يهتم بنمو المعلم وتطوير أدائه ومساعدته على مواجهة المواقف التعليمية برؤية فاحصة متمكنة، ومنهم من يقول أن الإشراف هو عملية التفاعل مع المعلمين من أجل إحداث التغيير الايجابي في أدائهم لمهماتهم التعليمية والمساعدة لعملية التعليم لتحقيق النمو المهني الكامل، ومنهم من قال انها عملية متكاملة العناصر لها مدخلاتها وعملياتها تستهدف إحداث تأثيرات ايجابية مرغوب فيها في كفايات الفئة المستهدفة، وتسهم في تحقيق عمليات التعلم والتعليم، ومنهم من قال أنها عبارة عن سلسلة من الجهود المخططة والمنظمة والهادفة إلى مساعدة المدير والمعلم على امتلاك مهارات تنظيم تعلم الطلاب بشكل يؤدي إلى تحقيق الأهداف التعليمية والتربوية، وتكون على هيئة نظام يتكون من مجموعة من العناصر أو العمليات، ولكل عنصر أو عملية وظيفة وعلامات تبادلية مع بقية العناصر والعمليات، ولها مدخلات وعمليات ومخرجات. ومنهم من قال أنها جمع الجهود المبذولة في إعداد المعلم من أجل تحسين عمليتي التعليم والتعلم.

ومن كل هذا نستنتج أن عملية الإشراف التربوي تعني أن عمل المشرف التربوي هو تعليمي، لأنه يضع المعلم أمام حقائق جديدة، وتدريبى لأنه يدرب المعلمين على مختلف مهارات التدريس، وتنسيقي لأنه يحرك المعلمين في إطار خطة منظمة موضوعة بالتعاون معهم، وتغييري حيث يهدف إلى إحداث تغيير في سلوك المعلمين وسلوك طلابهم، واستشاري حيث يقدم المقترحات والبدائل لمعالجة الصعوبات التي تواجه التعليم والتعلم. والإشراف عملية تعاونية طرفاها الرئيسان المشرف والمعلم هدفها تبادل المشورة لمساعدة الطلبة على تحقيق الأهداف المرسومة، فهو قائد تربوي يهتم بنمو المعلم وتطوير أدائه ومساعدته على مواجهة المواقف التعليمية برؤية فاحصة متمكنة.

2 -  مواصفات المشرف التربوي:

 إن المشرف التربوي يُعد القدوة في المجال التربوي، فهو من  يمتلك عددا من الكفايات القيادية الأساسية ضمن الاتجاه التكاملي للإشراف التربوي، فمتى تحرك سيكون له الأثر الكبير، فهو قاعدة الانطلاق نحو الارتقاء في جميع العناصر التربوية، وإليكم تفصيلا لما يجب عليه أن يكون:

- شديد الاهتمام بكيفية إتقان المعلم لمهمة دوره وتمكينه علميا ومسلكيا ومعرفيا حيث واضعا ذلك في أعلى درجة سلم اهتماماته.

- مخططا يحدد أهدافه وخطة العمل التي تتضمن مشروعاته الخاصة لتنمية المعلمين علميا ومهنيا

- قائدا متطورا يتعامل مع المعلمين في جو من الأمن والثقة والاحترام

- مقوما لخططه وبرامجه حسب معايير موضوعية، ومتابعا لما يترتب عن ذلك من نتائج هذا التقويم

- مؤمنا بعمله وملتزما بأخلاقيات المهنة التي يعمل بها

- معنيا بتطبيق المنهاج الدراسي وذلك بالعمل الجاد على تطويره وتنفيذه وتقويمه

- مثقفا يوجه كل من يعمل معه للاهتمام بالثقافة والقيم الثقافية.

بناء على ما سبق، فإن جميع التوترات الحاصلة التي ربما تنجم عن الاحتكاك المباشر بين المشرف والمعلم في بعض الأحيان، تعود بالدرجة الأولى لغياب الوعي والإدراك بمعرفة كل منهما دوره، وكيفية تحقيقه للارتقاء بمستوى العملية التعليمية التعلمية. سنذكر مثالا بسيطا فيه نوع من العبرة والعظة والتأمل. كان هناك أستاذا ألمانيا يدرس في مدرسة ألمانية، كلما دخل إلى صفه في الصباح ليعطي درسه، يرفع قبعته تحية لأبناء صفه، ولما سئل عن سبب ذلك التصرف، أجاب" إنكم لا تعلمون ماذا سيصبح كل واحد من هؤلاء في المستقبل " فكان على حق، لأن واحدا من هؤلاء هو المدعو " مارتن لوثر ". فكما رفع هذا الأستاذ قبعته لطلابه، فعلى المشرف أن يرفع بالمقابل قبعته لكل معلم متألق ربما يتفوق عليه علميا وفنيا مستقبلا نتيجة لتدريبه ومتابعته وطموحه. فما على المشرف إلا أن يكون محاورا إيجابيا يبدأ حواره مع المعلم بكل ود وتفاهم ويساعده في أدائه وعطائه وأنشطته الصفية، حتى يضمن حوارا مفيدا يعزز علاقته معه ويقويها، لأنه - والحالة هذه - سينظر له المعلم بمقياس الأهلية الحقة والإجلال والتقدير والقدوة الحسنة التي يُحتذى بها، والرضا في تقبل توصياته ومقترحاته وملاحظاته البناءة كيفما كان نوعه. وقد قيل: إن وراء كل تعليم ناجح، مشرف ناجح.

                                               إعداد: محمد علي جاد الله قواسمة (بتصرف)