أولاً : الزيارة الصفية :
تعتبر زيارة المشرف التربوي للمعلم في صفه من الأساليب الفردية المباشرة في الإشراف والتوجيه، ولعل هذه الوسيلة من أقدم أساليب المتابعة والتقييم التي لجأت إليها إدارات التعليم. والزيارة الصفية بصورتها المباشرة تساعد المشرف على الإطلاع على عملية التعلم والتعليم كما تسير بصورتها الفعلية ولا تتوقف عند حدود الحديث عنها. وتعطي الزيارة الصفية فرصة للمشرف للإطلاع على عمل المعلم وعمل الطلاب والبيئة التي يعملون فيها والوسائل والأدوات التي تستخدم في التعليم. ولذلك نجد أنظمة تعليمية كثيرة تعتمد الزيارة الصفية كوسيلة أولى للإشراف والتوجيه.
1 - أنواع الزيارات :
· الزيارة المفاجئة للمعلم : وهي قليلة الحدوث في الوقت الحالي، ونادراً ما تكون مقررة في خطة التوجيه، وإنما تنشأ الحاجة إليها عندما يكثر التذمر من أحد المدرسين من إدارة المدرسة أو الطلبة وأولياء الأمور. فيقوم المشرف بمثل هذه الزيارة مرة أو أكثر لدراسة أحوال المعلم والتأكد من صحة الشكوى المرفوعة ضده. فهذه الزيارة تفتيشية وليست توجيهية، وهي لا تخدم المعلم كما لا تخدم عملية التعليم بصورة مباشرة.
* الزيارة المبرمجة في خطة الإشراف التربوي : وهي زيارة تخدم غرضين أولهما حق المعلم في الحصول على خدمة التوجيه وثانيهما تقويم عمل المعلم.
* زيارة بناء على طلب المعلم أو مدير المدرسة بسبب حاجة المعلم للمساعدة في موقف تعذر على المعلم إيجاد حل له.
* زيارة بناء على طلب المشرف بسبب حاجة المشرف للإطلاع على أسلوب مميز يتبعه المعلم بغرض نقل التجربة إلى مدارس أخرى.
2 - الإعداد للزيارة الصفية :
- تحديد أهداف الزيارة.
- مراجعة سجل الزيارات السابقة للمعلم لتقدير مدى استفادته من الزيارات.
- مراجعة المعلومات والآراء التربوية التي يمكن أن تخدم غرض الزيارة.
- الحصول على معلومات كافية عن المدرسة التي سيقوم المشرف بزيارتها.
- مراعاة الظروف المناسبة في توقيت الزيارة .
3 - إجراءات الزيارة الصفية :
- * يلتقي المشرف بالمدرس قبل بدء الحصة الصفية.
- * يدخل المشرف برفقة المدرس الذي يقدمه للطلاب أو يترك المدرس يدخل صفه، ويرتب الأمور لقدومه حين يحضر بعد دقائق مستأذناً بالدخول بوجه طليق غير متجهم.
- * لا تظهر على الموجه أشكال الامتعاض أو التوتر أو القلق إذا شاهد من المعلم ما يدعو لاستيائه .
- * لا يقاطع الموجه المعلم ولا يتدخل في الدرس لأي سبب إلا إذا جرى الاتفاق بينه وبين المعلم مسبقاً على المساهمة والمشاركة.
- * يستحسن أن يبقى الموجه في داخل غرفة الصف لحين انتهاء الحصة، فخروجه من منتصفها قد يوحي للطلبة بنفوره من أسلوب المعلم أو باليأس من قدراته.
- * إذا كانت الحصة الدراسية قد لقيت استحساناً من جانب المشرف أو الموجه يكون من المفيد أن يعبر عن رضاه وقبوله بالكلام الصريح أمام التلاميذ تشجيعاً للمدرس وتعزيزاً له .
- * كل زيارة صفية تنتهي بتقرير يتضمن ملاحظات المشرف على الحصة الدراسية.
- * كل زيارة صفية لا يعقبها نقاش مع المدرس تتحول إلى عملية تفتيش ليس أكثر وتفقد وظيفتها التوجيهية.
ثانياً : النشرات والمشاغل:
والمشرف التربوي يستطيع أن يعمل على تجديد المعرفة عند المعلمين بتزويدهم بالنشرات والكتب الجديدة التي تتصل بموضوع عمل المعلم، مثل التأكيد على وصول رسالة المعلم لكل واحد منهم، ولا يقتصر الأمر على مجرد اقتطاع الاشتراكات. وقد يقوم المشرف بدراسة لبعض الإصدارات الحديثة من الكتب ذات الصلة واستخلاص الأفكار الهامة التي تطرحها وتوزيعها على المعلمين في منطقته للإطلاع وإبداء الملاحظات.
وفي بعض الحالات يلجأ المشرف إلى أسلوب المشغل التربوي، حيث يحدد المشرف سلفاً الخبرات التي سيتم تمرير المعلمين فيها وإشراكهم في معالجة موضوعاتها.
ثالثاً : المداولات التوجيهية الفردية والاجتماعات بمعلمي الفرد :
إن المداولات التوجيهية الفردية بين المشرف التربوي والمعلم غالباً ما تكون الفائدة المرجوة منها محصورة بالمعلم الواحد، ولكنها من ناحية سيكولوجية قد تترك أثراً فعالاً في تعديل مواقف المعلم تجاه مهنته على المدى الطويل، وهذا الأثر له انعكاسات واسعة على المجموعات الكبيرة من الطلبة الذين يتأثرون بسلوك المعلم الواحد، ولذلك فهو يستحق الجهد المبذول في خدمته عن طريق المداولات الفردية مع المشرف.
رابعاً: الدروس التطبيقية النموذجية:
قد يتخوف بعض المعلمين من تجربة الأفكار التي يطرحها المشرف التربوي ميدانياً في غرفة الصف، وقد يتشكك بعضهم في إمكانية تطبيق الأفكار أصلاً ويعتبرها مجرد طروحات نظرية، فيأتي الدرس التطبيقي على مجموعة من الطلبة أمام المدرسين دليلاً عملياً على إمكانية ترجمة الفكر إلى واقع ملموس. وتتلو الدرس التطبيقي بطبيعة الحال مناقشات تعزز القناعة في استخدام الأسلوب المتبع فيه والاستراتيجيات التي اعتمد عليها.
خامساً: تبادل الزيارات بين المعلمين:
مهما بذل المشرف التربوي من جهد في طمأنة المعلم بأنه يسعى لعونه ، ومهما تودد إليه تظل زيارة المشرف للمدرسة حدثاً غير اعتيادي بالنسبة للمعلم. ويتأثر سلوك المعلم في داخل الصف كثيراً بحضور المشرف للحصة الدراسية وذلك بسبب التباين بينهما في سلم الوظيفة.
فإذا كانت الزيارة من جانب معلم لآخر، وكانت متبادلة بين المعلمين، وهم من مستوى وظيفي واحد، فإنها تكون أقل إثارة للقلق ولا تسبب حالات الارتباك التي يعاني منها بعض المعلمين بحضور المشرف التربوي. وهذا يعني أن المعلم الزائر يشاهد دروساً طبيعية إلى حدٍ كبيرٍ، ويحاور زميله في جوٍ أكثر ودية، وقد لا يخجل من الاستيضاح والاستفسار عن بعض الجوانب التي يتردد في سؤال المشرف عنها.
سادساً: الدورات التجديدية أثناء الخدمة:
عند الحديث عن مهمات الإشراف التربوي اعتبرنا أن المشرف التربوي مسؤول عن تحديد حاجات المعلمين لإعادة التأهيل على ضوء زياراته الميدانية أو اجتماعاته بالمدرسين أو من خلال الاستفتاءات التي ينظمها لهم، أو غير ذلك من الاتصالات.
كل هذه الأمور يمكن أن تكشف عن بعض جوانب القصور في برامج إعداد المعلمين قبل الخدمة، أو تكشف عن عيوب في طريقة ترجمتهم للإعداد العلمي النظري في ميدان عملهم، أو تكشف عن تقصير بعضهم في متابعة التجديد في مجالات التربية. مما يستدعي الترتيب لعقد دورات في الصيف من كل عام يكون بعضها لمعلمي إحدى المواد الدراسية التي دخلت تعديلات جوهرية على مناهجها.
سابعاً: المؤتمرات التربوية والمعارض التعليمية:
يلتقي في المؤتمرات التربوية نخبة من ذوي الخبرة والمعرفة، فيقدم بعضهم أوراق عمل تتناول موضوعات الساعة في ميدان التربية، ويشترك الآخرون في مناقشة أوراق العمل. فإذا شارك المشرف التربوي في هذه المؤتمرات ممثلاً للمعلمين فإنه يستطيع أن ينقل إليهم بطريقة قابلة للتطبيق خلاصة التوصيات التي تسفر عنها المداولات في المؤتمر. وقد يتمكن بعض المشرفين من حضور مؤتمرات على مستوى دولي، ويكون في مشاركتهم ما يساعدهم على الإطلاع على تجربة الآخرين في ميدان التعليم. ولكون المشرف التربوي وثيق الاتصال بالمعلم في الميدان فإن ذلك يعطي فرصة لسرعة نقل الخبرة واختبارها بالممارسة.
ثامنا: أنماط الإشراف التربوي:
1 : النمط السلطوي: ويقابل التفتيش الإداري التقليدي الذي اختفت صورته في كثير من الأنظمة التعليمية ، ويهتم هذا النمط السلطوي بالضبط والربط والانصياع الحرفي لأوامر إدارات التعليم وتوجيهاتها .
2 : النمط الجماعي: ويتخذ هذا النمط صورة اللجان الفاحصة، بمعنى أن المشرفين يشتركون في عمليات التقييم كفريق عمل يزور المدرسة أو المعلم. ويشارك جميع أفراد الفريق في دراسة أوضاع المدرسة أو أحوال المعلم، ويقدمون تقريراً موحداً يعكس محصلة وجهات نظر الفريق.
إن هذا النوع من الإشراف بالرغم من عدم جدواه من ناحية خدمة العملية التعليمية-التعلمية لأنه غير موجه إلى تنمية المعلم في عمله، ولكنه أقل سوءاً من النمط السلطوي الذي تتأثر نتائجه بنوازع المفتش الشخصية ومزاجه الفردي.
3 : النمط التشاوري الإرشادي: وهو نمط الإشراف الذي يستهدف مساعدة المعلمين على النمو في المهنة ومؤازرتهم لتحقيق أهداف عملهم التعليمي. ويتبنى المشرفون من هذا النمط مبدأ وحدة العمل التربوي وتكامله، ويعتمدون في أسلوب عملهم على توظيف خبراتهم في خدمة المعلم ومساعدته على تجديد وسائله وطرقه ومعارفه من خلال محاورته وتقديم القدوة والنموذج، وتوفير فرص النمو دون التقليل من شأن المدرس وقدراته ووجهات نظره.
وهناك أنواع أخرى من الإشراف التربوي من قبيل:
1 : الإشراف الوقائي: فلما كان أغلب المشرفين التربويين قد خدموا كمدرسين قبل انتقالهم إلى ممارسة المهمات الإشرافية، فإنهم يستطيعون تقدير الصعوبات والمشكلات التي يمكن أن يواجهها المعلم بحكم خبرتهم بالموقف التعليمي التعلمي. ولذلك فإنهم يضعون بحساباتهم عند إعداد الخطط الإشرافية حاجات المعلمين الجدد إلى من يساعدهم على وضع الاستراتيجيات المناسبة لتحاشي الوقوع في الأخطاء ومجابهة المتاعب.
2 : الإشراف التصحيحي: يلاحظ المشرف التربوي لدى زياراته الميدانية للمعلمين في مدارسهم بعض الأخطاء في إعداد الخطط اليومية أو الفصلية، أو بعض العيوب في الطرق التي ينتهجها بعض المعلمين، أو ضعف في إدارة الصف، أو في الوسائل التعليمية المستخدمة.
وبمقدور المشرف أن يساعدهم في تصحيح مثل هذه الأخطاء بالتحاور مع المعلم، وتعريفه بالبدائل التي يمكن أن تكون أكثر مناسبة للمادة الدراسية أو للمرحلة التعليمية. فقد لا ينتبه المعلم إلى أن الطريقة التي يستخدمها ولو كانت مناسبة للمراحل الدراسية العليا فإنها قد لا تناسب الصفوف الأولية. أو قد يغيب عن بال المعلم الأهمية النسبة لأهداف تعليمية كالتحليل والتطبيق والتقويم والتمييز بدل التركيز على المعرفة والفهم وحدها .
3 : الإشراف البنائي: إذ أن هناك ضرورة للارتقاء بالإشراف من مرحلة التصحيح إلى مرحلة البناء، فلا تقتصر أهمية الإشراف على تحديد الأخطاء والتنبيه إليها بل يتم الانتقال إلى البدائل التي يمكن إحلالها محل السلوك الخاطئ. وهذا يعتمد على رؤية المشرف التربوي للأهداف التعليمية بوضوح.
4 : الإشراف الإبداعي: ويعتمد هذا النمط الإشرافي على الإيمان بإمكانات المعلمين والثقة بقدراتهم على تطوير أنفسهم وإحداث نقلة نوعية في مجال العمل التعليمي من خلال تجريب طرائق جديدة واستنباط وسائل تعليمية مميزة واستحداث أساليب خلاقة في إدارة الصفوف أو تنظيم مواقف التعلم أو إجراء الاختبارات وتصحيحها.
ويمكن أن نضيف إلى التصنيفات السابقة أنماط الإشراف التالية، التي أصبح يركز عليها حديثاً :
ـ الإشراف الإكلينيكي: وهو نمط إشرافي تم تطويره في السبعينات من القرن العشرين، ويركز على تحليل عمليات التعليم والتعلم والتفاعل بين المعلم والمتعلم في داخل غرفة الصف.
ـ الإشراف كعملية اتصال بين المشرف ومدير المدرسة والمعلم: ويقوم هذا النمط على فرضية مؤداها أن المشرف التربوي ومدير المدرسة والمعلم يعملون معاً من أجل غرض واحد، وهو تحقيق أعلى مردود من عملية التعلم والتعليم. وعلى ذلك فإن تفويض المعلم صلاحيات القيام بالعمل التعليمي لا يعفي مدير المدرسة والمشرف التربوي من المسؤولية عن العملية التعليمية، وهكذا فإنهما يحتاجان أن يلعبا أدواراً تتصل بدور المعلم في غرفة الصف وتتآزر معه بطريقة تزيد من فعاليته.
تاسعا : أهداف الإشراف التربوي:
- 1 ـ العمل على ما يكفل تحقيق الأهداف الاجتماعية والتربوية، ويوجه المدرسين إلى مراعاتها، وإلى الفرق بين الغاية والوسيلة.
- 2 ـ مساعدة المدرسين على الوقوف على أحسن الطرق التربوية والاستفادة منها في تدريس موادهم، وإطلاعهم على كل جديد في ميدان تخصصهم.
- 3 ـ الكشف عن حاجات المدرسين، وتكوين علاقات إنسانية بين هيئة التدريس.
- 4 ـ احترام شخصية المدرس واحترام قدراته الخاصة ومساعدته على أن يصبح قادراً على توجيه نفسه وتحديد مشكلاته وتحليلها.
- 5 ـ مساعدة المدرسين على الاستفادة من البيئة المحلية، والتعرف على مصادرها المادية والإنسانية.
- 6 ـ العمل على تنسيق البرامج التعليمية لتحسين العملية التربوية .
- 7 ـ مساعدة المدرس على تقويم أعمال التلاميذ، وإعانته على تقويم نفسه.
عاشرا : خصائص (ميزات) الإشراف التربوي الحديث:
قلنا إن الإشراف التربوي قد مر في مرحلتين متمايزتين ( التفتيش والتوجيه ) قبل أن يصل إلى ما هو عليه الآن (الإشراف الديمقراطي الحديث). ففي مرحلة التفتيش التي أفرزتها مدرسة الإدارة العلمية، كان الهدف منه معرفة جوانب الضعف لدى المعلم، وعيوبه التدريسية، ليس من أجل الإصلاح، بل من أجل العقاب والتأنيب .
أما مرحلة التوجيه التربوي، فقد أفرزتها مدرسة الإدارة الإنسانية، التي جاءت نتيجة للبحوث والدراسات التي أجريت في مجالات الإدارة وعلم النفس وعلم النفس الاجتماعي. وكان الهدف هو تحسين أداء المعلم باعتباره محور العملية التوجيهية.
وتأسيساً على ما جاءت به الدراسات التربوية منذ الستينات من القرن العشرين الماضي، في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية، وتلافياً لكل جوانب القصور التي ظهرت في نمطي الإشراف السابقين، التفتيش والتوجيه، فقد ولد الإشراف الديمقراطي الحديث. إن هدف الإشراف الديمقراطي الحديث هو تحسين العملية التعليمية – التعلمية من خلال دعم المشرف للمعلم، ومساعدته، ومشاطرته المسؤولية يداً بيد، على اعتبار أن هذا المعلم عنصر أساسي في العملية الإشرافية، ولديه الرغبة في العمل، والتطوير الذاتي، في ظل جو من الطمأنينة والأمن النفسي، والحرية.
إعداد : مسعد محمد زياد