بادئ ذي بدء، لا ينكر أحد أن الأنشطة اللامدرسية ضرورة ثقافية، ومعيار نهضة الأمم، وعماد الحركة التعليمية في الدول المتقدمة والفقيرة على حد سواء. يرى بعض الفلاسفة أن المدارس اليوم أداة من أدوات التحطيم لا التعليم وهي مقولة تتضمن على نظرات هامة. تنادي الفلسفة اللامدرسية (Deschooling) بعدم الاعتماد الكلي على المؤسسات التعليمية في عملية القيام بمهمة التربية والتثقيف لأنها تخدم مصالح الطبقة الأرستقراطية وفئات قليلة. يعتبر إيفان إليش Illich (2002) Evan وهولت جون Holt Jhon (1992) من زعماء هذه الفلسفة في القرن الماضي كما تعتبر د. براكاش Prakash (1994) من المؤيدين لهذه الفكرة في العصر الحديث. كتبت براكاش Prakash (1993) عن نظرية غاندي في التعليم وتوصلت إلى أن فلسفة غاندي تقوم على تأييد نظرية اللامدرسية وخاصة في ميدان التربية البيئية. في مقاله عوضاً عن التربية In Lieu of Education شرح إيفان سمات الفلسفة اللامدرسية أي عندما لا تنحصر الدراسة في مكان أو مؤسسة فإن التلميذ في هذه الرؤى:
  1 - التلميذ من منظور الفلسفة اللامدرسية:
     - يقترب المتعلم من بيئته بشكل كبير.
     - يتعلم من خلال تجاربه learning by doing ويستفيد من أخطائه.
     - يتعلم من أقرانه.
     - يتفاعل مع بيئته ايجابيا.
     - يحقق ذاته وتزداد ثقته بنفسه.
     - يحقق المنفعة التي يحتاجها عمليا.
     - يتعلم من خارج أسوار المدرسة أساس الفلسفة التربوية ومن ثم فإن الحياة كلها هي المدرسة الفعلية.
     - حماية البيئة الطبيعية وظيفة هامة من وظائف التربية.
بنظرة نقدية صارمة تعقب إليش فكرة المدارس الحديثة وذكر أن الدول تنفق مبالغ ضخمة عليها، في حين أنها لا تنفع الفقراء. فما زالت أحوالهم كما هي بل ساهم التعليم في زيادة سيطرة أصحاب النفوذ فازداد الفقير فقراً وازداد الغني ثراءاً فاحشاً. تخبرنا الدراسات الميدانية أن الكثير من أبناء الفقراء يتسربون من الدراسة، وقليل منهم ينهي الدراسة في المرحلة المتوسطة والثانوية. يثير إليش موضوعاً في غاية الأهمية عن الفرص التعليمية العادلة "Equal educational opportunity" فهل العدالة أساس التعامل في مدارسنا؟ أم أن المناطق النائية لا تأخذ حصتها كما تأخذها مناطق النخب؟ في كتابه مجتمع بلا مدارس يرى إليش أن المجتمعات المعاصرة قامت بتقديس المدارس وصورت التكنولوجيا بأنها خلاص البشرية من أزمات الفقر والمرض والجهل وهو الأمر الذي لم يتحقق. مازالت الطّبَقَةُ العَامِلَة الكَادِحَة البروليتاريا proletariat تعيش في صِرَاعِ الطّبَقَات class struggle رغم وعود باطلة كلها عديمة الجدوى futile promises كما يصفها إليش (Illich, 2002).
  2 - من رواد الفلسفة اللامدرسية:
بالإضافة إلى "إليش" نجد أيضا "وندل بيري" (Berry, 1990, 1987) الذي انتقد التربية المعاصرة وطرح التساؤلات حولها كما بين أهمية الرعاية الأسرية والاقتصاد المنزلي (Home Economic).
طالب ديفيد أور المدارس باستحداث مقرر التربية البيئية كأساس في المناهج المعاصرة (Orr, 1992) وهاجم حصر التعليم داخل أسوار المدرسة إذ أن التربية الحديثة وإلى نهاية القرن الماضي جعلت الفصل المنفصل والحصة الدراسية المعزولة حقلاً أساسياً للعملية التدريسية. من منظور ديفيد أور، يجب أن تلعب الأنشطة اللاصفية دوراً هاماً في مدارسنا ومن الخطأ أن تدور العملية التربوية حول كتاب مدرسي لا صلة له بالبيئة الطبيعية. يطالب ديفيد أور في أطروحاته أن تكون التربية البيئية فلسفة عامة تمتزج في جميع المناهج الدراسية وليست مادة دراسية منفصلة فقط لا هم لها إلا الامتحانات والحفظ والأوراق. مهما يكن الأمر فإن المجلات التربوية التخصصية والدراسات الأكاديمية أعطت أطروحات ديفيد أور اهتماماً كبيراً (Anderson, 1992, Esteva & Prakash, 1998 ).
  3 - أهم مرتكزات الفلسفة اللامدرسية:
تتمحور فلسفة اللامدرسية حول كلمتين هما: "التربية البيئية" وهي في أدبيات الرواد (Edu-cology). التربية البيئية تحاول أن تجيب على سؤال هام جداً وهو: كيف يمكن للإنسان أن يعيش بانسجام مع بيئته الطبيعية...؟ (Sen, 2002).
"يربط إليش بين التحرر من المدرسة وإزالة الاستلاب الثقافي وبين رفض التصنيع المفرط وسيطرة حياة المدينة وإحالة الشخص إلى مجرد أداة للعمل وقلبه إلى محض دولاب من دواليب الإنتاج، أياً كان مستوى كفاءته وأياً كان وضعه. وهو يرفض الإنتاجية العمياء" (ص 235).
  4 - التحديات التي تواجه فلسفة اللامدرسية:
  * تواجه اللامدرسية أسئلة حاسمة ومن التحديات التي تواجه هذه المدرسة الفلسفية أنها تعمل على:
    - تهميش دور المؤسسات التربوية والتعليمية التي تعمل بشكل منظم ومنهجي.
    - تهميش دور المعلم الذي يعتبر من أهم المحاور في العملية التعليمية.
    - الاعتماد على الأدوات البدائية التي تؤدي إلى قلة الإنتاج.
    - عدم الاهتمام الكبير بالوسائل التكنولوجية الحديثة والخوف منها (الحاسب الآلي).
    - قد لا يتلاءم الأقران مع بعضهم البعض في اللامدرسية بسبب عدم ملاءمة ميولهم للأنشطة التعليمية.
بالرغم من كون دراسات عربية عديدة ترجمت وناقشت الفلسفة اللامدرسية، إلا أننا نحتاج إلى أن نسلط الضوء على غياب المدرسة عن سماء الوطن العربي. إذ أن عدد الأطفال العرب الذين لم يدخلوا المدرسة فاق مليوني طفل في بعض الأقطار. تدل الإحصائيات الصادرة عن المراكز الإستراتيجية والدراسات والتخطيط في العالم العربي، على أن ملايين البنات والأولاد لم يدخلوا المدرسة قط، أو غادروها بعد أن دخلوها وهم في مرحلة مبكرة من حياتهم، وذلك في المدن وتزيد الأرقام المخيفة وخاصة عند الحديث عن تعليم الإناث في الأرياف والمناطق البعيدة.
 يتفق منهج الإسلام في جوانب كثيرة مع هذه الفلسفة، لأنها تهتم بتوسيع دور التربية الأسرية كما تهتم بالتربية البيئية، بل لقد وجه الإسلام طاقات الفنانين نحو رسم المناظر الطبيعة وطالب الجميع بالتأمل في ملكوت السماوات والأرض وحذر من الإضرار بالموارد الطبيعية.
درست د. لطيفة الكندري الفلسفة اللامدرسية من منظور التربية الأسرية في الإسلام وأكدت على أن التربية البيئية يجب أن تبدأ في الأسرة، بصورة منظمة وأهداف معلومة ثم تتمم المدرسة غرس المهارات الحياتية التي اكتسبها الطفل في الأسرة، شريطة أن يكون الدافع لحماية البيئة لا يقتصر على المصلحة المادية فقط ولكن الجوانب أو الدوافع المادية مع الجمالية والدينية يجب تكون أساس السلوك الذي يدفعنا نحو القيام بواجبنا تجاه الطبيعة (Alkanderi 2000).
الفلسفة اللامدرسية هي عودة للبساطة والشمولية والواقعية، وعودة إلى الجذور التربوية التي تجعل تعلم المهارات الحياتية أساس المناهج الدراسية، وهي أيضاً في مجملها دعوة ناقدة للتقدم المادي الذي لوث البيئة واستنزف الخيرات وفي النهاية فإن اللامدرسية في كثير من أطروحاتها تتفق مع أساسيات الإسلام، وبدهيات العقل، وأخلاقيات الإنسان.
هناك عدة طرق لغرس المهارات الحياتية منها وضع مقرر خاص لتدريس وتدريب الناشئة واستغلال طابور الصباح بصورة منظمة ومنهجية لتعويد الطلاب وتثقيفهم كما أن الرحلات الخارجية واستضافة المتخصصين في المدرسة من الوسائل الجيدة لتنمية الوعي البيئي المهمل.

إعداد: لطيفة حسن الكندري / بدر محمد ملك

أضف تعليق


كود امني
تحديث