تُمثِّل السياسة التعليمة أحد أهم أركان السياسة العامة في جميع الدول، كونها تتجه مباشرة للتعامل مع الإنسان بصفته العامل المؤثر والفعّال داخل المجتمع، كما أنّ النظام التعليمي يستمد قوّته وجودة مخرجاته من انطلاقه من سياسة تعليمية ثابتة تعمل على تحديد الإطار الإجرائي الذي بدوره يساعد في توجيه القرارات والخطط والبرامج التربوية بالشكل الذي يسهم في تطوير العملية التعليمية، مما يكسب أفراد المجتمع القيم والمعارف والمهارات التي تساعدهم على تطوير أنفسهم وبناء مجتمعهم،
لذا تعتبر عملية بناء السياسات التربوية من أهم متطلّبات التخطيط والنمو لجميع البلدان، كونها مرشدًا للتفكير والتقدير، وموجّهة للأهداف والوسائل والإجراءات، ومصدرًا رئيسًا في الإعداد، والتنمية، والتدريب، والتعليم للمخرجات البشرية المؤهّلة في المجالات العلمية، والاجتماعية، والتربوية، والثقافية، والعسكرية، والفنية، والاقتصادية التي يحتاجها المجتمع في تحقيق الرخاء، وتدعيم النمو، والتطور في مختلف مستوياته المتعددة.
والسياسة التعليمية سابقة لوضع الخطط، ومتصلة بالفلسفة والأهداف. وهي الأسلوب الموجّه والتفكير المنظم للخطط وتحقيق الأهداف. وليست السياسة التعليمية خطة مفصلة، وإنما هي توجُّه ورؤية ذات أهداف كبيرة، وبعيدة المدى تقود إلى وضع الخطة التربوية، التي تتضمّن التفاصيل التنفيذية اللازمة للبرامج والمشروعات المطلوبة لتحقيق الأهداف. وتبرز أهمية السياسة التعليمية في العملية التعليمية من خلال الآتي:
- أولاً : إنّ السياسة التعليمية تتمثّل في الرؤية المجتمعية التي تشكِّل إطارًا مرجعيًا، وإيدلوجياً من خلال المؤسسات المجتمعية، التي عن طريقها يسعى النظام التعليمي لتحقيق أهداف ومطالب التنمية العامة فيه. ذلك أنّ من المسلّم به أنّ تخطيط التنمية في الموارد البشرية، هو نقطة البدء في كل تخطيط للتنمية الشاملة، وأنّ المتعلم هو العنصر الأول في بناء الحضارة، ومن ثم ينبغي البدء به.
- ثانيًا : إنّ السياسة التعليمية تحدد العلاقة الحتمية بين التنمية الشاملة للدولة وبين التربية والتعليم، فالتخطيط للتعليم والتخطيط للتنمية الاقتصادية والاجتماعية أمران مترابطان، يؤثر كل منهما في الآخر ويتأثر به، وأصبح التعليم متغيرًا رئيسًا من متغيرات النظام العالمي الجديد، ومعيارًا من معايير القوة والتفرد والمنافسة، وأحد أبرز طرق مواجهة التحديات العالمية في ثورة المعلومات، والتكنولوجيا وغيرها من التحديات.
- ثالثًا : إنّ السياسة التعليمية هي الأساس الذي يحدد حركة التربية المستقبلية للمجتمع في اتجاه الإعداد المتكامل لأجيال المجتمع، وفق المثل العليا التي تتبنّاها المجتمعات، والتي تشكِّل مجتمع المستقبل من سياسيين، واقتصاديين، وتربويين، وإعلاميين، وتجار، وصنّاع، وإداريين، وعسكريين وغيرهم. كما توفر الكفايات النوعية لكل فئة من هؤلاء بشكل مختلف الأبعاد والأعماق، مما يسهم في تحديد المستويات العلمية، والمهارات والخبرات اللازمة التي يجب أن تتوفر في كل متعلم.
- رابعًا : إنّ السياسة التعليمية توائم بين إمكانات المجتمع التي يمكن أن يوظّفها لصالح العملية التربوية والتعليمية، وبين الأهداف والطموحات التي تسعى إلى تحقيقها التربية والتعليم، فلا جدوى من رسم سياسات تعليمية مثالية لا يمكن أن ينهض بها الواقع التربوي. لذا إذا أريد للنظام التعليمي أن يسير قدمًا، ويحقق الأهداف التي تخدم المجتمع في ضوء الإمكانات المتاحة بأقل جهد، وأقصر فترة زمنية، فلابد من وضع سياسة تعليمية واقعية تحدد وتوجِّه النظام التعليمي في ذلك المجتمع لتحقيق التطور المعرفي، والعلمي، والاجتماعي، والاقتصادي، ورسم خططه، ومستقبله الحضاري. ولابد أن يوفر لتنفيذ هذه السياسة كل ما تحتاجه من إمكانيات مادية وعينية وقوى بشرية عاملة، وتكلفة حتى تفي بكل ما تتطلّبه خطط تنمية المجتمع.
- خامسًا : إن السياسة التعليمية تعمل على المواءمة بين متطلّبات المجتمع - وبخاصة سوق العمل - وبين ما يقدمه التعليم من تأهيل وتدريب لمخرجاته التعليمية، إذ لا فائدة من تخريج أفواج تعليمية ضخمة، لتصبح أعدادًا لا جدوى منها، تعمل على تفاقم البطالة المقنّعة، أو المكشوفة. بل لابد من التوافق بين مخرجات النظام التعليمي، وما يحتاجه المجتمع من كوادر مؤهّلة ومتخصصة.
- سادسًا : إن السياسة التعليمية تنظم العملية التعليمية، وذلك عن طريق التخطيط للمراحل التعليمية، وقطاعاتها، وتحديد أهداف واضحة وطموحة لكل مرحلة، وتحديد خطط زمنية لتحقيق التقدم، وتحقيق الأهداف، وفي تحديد الأطر، والأسس، والمبادئ، والقيم العامة التي تسير على ضوئها العملية التعليمية كلها، وفي تحديد المسؤوليات الإدارية، والفردية، والجماعية عند تنفيذ السياسات والأهداف، مما يسهل تنفيذ السياسة التعليمية، ويحقق التنمية الشاملة التي ينشدها المجتمع.
إعداد : علي بن عبده الألمعي (بتصرف)