استهلال:
قبل البدء أود أن أشير إلى المنهجية التي سلكتها في هذه الورقة من أجل مقاربة الموضوع، ذلك أن مجال التربية والتكوين أو ما يسمى في عموم ثقافتنا بالتعليم مجال يتعاطى معه الإعلام بمختلف أصنافه وأنواعه. وهو فيه من ناحية الموضوع سواء ، لكن من ناحية المقاربة ففيها اختلاف بين وسيط إعلامي وآخر. ولكي لا يتموقع وسيط إعلامي من الورقة في يمينها أو يسارها أو وسطها، وحتى تأخذ نفس المسافة من المؤسسات الإعلامية. لم تأخذ الورقة أي وسيط إعلامي بعينه لدراسته دراسة تحليلية ونقدية، بقدر ما أخذت بالعموم، على أساس أن قارئ وسامع ومشاهد الإعلام المكتوب أو المسموع أو المشاهد أو الإلكتروني يعرف حق المعرفة نوع القضايا والمشاكل والحقول المعرفية التعليمية التي يتعاطى معها الإعلام. كما سلكت في هذه المنهجية ضرب الأمثلة من خلال الوقائع الحية في الميدان التعليمي. وبما أن مجال الإعلام مجال واسع وغني عن التعريف، فإني سأتجاوز القول في المعطيات الأكاديمية والأدبية لهذا الحقل المعرفي والمهني إلى صلب موضوع الورقة.
1 ـ صفائح تجسير مجال الإعلام بمجال التعليم:
يعتبر مجال الإعلام في المجتمعات الحية السلطة الرابعة التي تمتلك قوة التغيير وصنع الرأي العام المؤثر في القرارات الحاسمة للسياسة العامة والتدبيرية للمرافق العمومية بقوة القلم والكلمة. وبما أن مجال التعليم مجال سياسي بامتياز، كونه مدخلا للمواطن الصالح ولإنسان الغد بالمنظور السياسي الذي يبنيه وفق تصوره. كان مجالا للإعلام بامتياز. كباقي المجالات الحياتية الرسمية التي يقاربها الإعلام. وهذه صفيحة أولى في جسر العلاقة بين الإعلام والتعليم. وبما أن الإعلام مجال إخباري،
والتعليم في موضوعه وقضاياه وأحداثه مجال إخبار، كان مجال إعلام، وهذه صفيحة ثانية من جسر العلاقة بين التعليم والإعلام. من خلالها يطلع الإعلام الرأي العام الوطني على قضايا التعليم ومشاكله التي يعيشها وموضوعاته التي يعالجها. ويكون للمواطن فردا أو جماعة أو مؤسسة أو هيئة رؤية عامة أو خاصة به أو بها تجاه التعليم، بل في كثير من الأحيان يشكل له رأيا عاما حول التعليم من حيث هويته وكينونته المادية والوظيفية والأدائية الإجرائية وسحنته الوطنية، ويعمل على التأثير في المشهد التعليمي الوطني إيجابيا أو سلبيا، ويؤدي إلى حل مشاكله وإشكالاته أو إلى تعقيدها. ومجموع النكث عن التعليم فعل دال على تأثير الإعلام في المواطن نحو التعليم، نأخذ به مثالا فقط. ومجال الإعلام مجال ثقافة ضمن حدود معينة، بما هو نشر للدراسات والبحوث والأوراق الثقافية ضمن ملاحق ثقافية أو أدبية أو فنية أو تراثية . وبما هو كذلك تغطية للمحافل الثقافية والندوات والملتقيات والمؤتمرات الفكرية.
والتعليم مجال ثقافة كذلك بما هو مصدر مهم من مصادر معارفها ومعلوماتها وتأريخ لأحداثها ووقائعها وآثارها وحفظ لمآثرها وشخصياتها ومبدعيها ومفكريها. كان الالتقاء بمجال الإعلام طبيعيا في سياق حضاري؛ يكتمل فيه المشهد الإعلامي بالمشهد التعليمي. فَتَتَجَسَّرُ بينهما العلاقة البينية بصفيحة ثالثة. تؤدي في الغالب الأعم إلى قولبة الإنسان في قالب مستهدف ومطلوب بصورة علنية أو ضمنية، يربيه التعليم عليه ويرسخه فيه الإعلام، ليكتمل الفعل بينهما. ولنا في الدرس الفلسفي المغربي المقرر على متعلم السنة الثانية بكالوريا نموذجا لتكامل الفعل بينه وبين المعطى الثقافي السائد لدى أغلبية المواطنين المغاربة. خاصة في ظل حقبة تاريخية سادت فيها إيديولوجيا معينة، وسيطرت على العقل المغربي دون أن تحدث فيه تلك النقلة النوعية لبناء الحضارة ومستلزماتها السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والفكرية ... بل وقعت في انتكاسة كبرى، تؤدي بها حاليا إلى الموت والفناء، بفعل قياداتها المناقض لمبادئها ومداخلها الفكرية والعقلية والعملية؟! وأصبحت منحصرة في ذاتها ومعتنقيها. وستصبح بعد حين لغة متجاوزة بل ورثة لا تنسجم مع عصر المعرفة والمعلوميات. والصفيحة الرابعة في جسر العلاقة بين الإعلام والتعليم كونهما مجالا علم ومعرفة، حيث الإعلام خصص الكثير من وسائله لنشر العلم مكتوبا أو مسموعا أو مشاهدا أو إلكترونيا.
وكذلك التعليم طبيعة كينونته المادية موضوع علم بامتياز، لوجود بعد البحث العلمي فيها منهجا وغاية وأداة. فكلاهما يمد المواطن بالعلم بمفهومه الشامل لا بمفهومه الفقهي والأدبي بما يوجب اليقين. بل بما يوجب الشك تاركا باب البحث والاجتهاد في مجالات المعرفة واردا ورود فرض عين. فيغذي كلاهما حقينة الآخر العلمية، ويكتملان من أجل بناء الصرح العلمي للإنسان والمواطن. ولعل قراءة موجزة للصحف المكتوبة على الأقل وللكتب المدرسية المقررة تبين حجم المواضيع العلمية التي يقدمها الإعلام والتعليم للمواطن كان متعلما أو قارئا. والتعليم، بما هو قضية ثانية للمغاربة بعد قضية صحرائنا المغربية ووحدتنا الترابية، يشكل قضية وطنية عامة، معني بها الجميع: أفرادا أو جماعات أو مؤسسات رسمية أو مدنية أو مفكرين أو المثقفين أو سياسيين أو اجتماعيين أو اقتصاديين أو إعلاميين ... ومنه تعد شأنا إعلاميا يحق للمؤسسات الإعلامية التعاطي معه بقدم المساواة التي تتعاطى معه الجهات الرسمية بطريقتها الخاصة وضمن اختصاصاتها ومسؤولياتها. خاصة أن وسائط الإعلام تتطور بسرعة هائلة وتتيح للمواطن الإطلاع على مجموعة من المجالات والقضايا في وقت وجيز وبسرعة هائلة. ويسمح له بمتابعتها ونقدها. ما يشكل ضغطا على الجهات المعنية في اتخاذ قرارات حاسمة في هذا الشأن العام الذي يمس شريحة عريضة من المواطنين. ومنه نجد الصفيحة الخامسة من جسر العلاقة بين التعليم والإعلام معلنة في البعد الوطني للقضية التعليمية. والجميع معني بمصير فلذات أكباده.
وأما الصفيحة السادسة من جسر العلاقة بين الإعلام والتعليم نجدها تكمن في وظيفة إعادة الإنتاج بصورة واضحة في المؤسسة التعليمية وفي الإعلام الرسمي وحاشيته التي تدور في كنفه. فيما يتأرجح الإعلام المستقل و( المعارض ) بين منزلة إعادة الإنتاج و إنتاج الجديد المغاير! وذلك وفق المصالح والامتيازات والصفقات التي تتم بينه وبين قوات الضغط إما علانية أو ضمنيا. أو وفق الضغوطات والتهديدات والإكراهات التي توضع في طريقه من قبلها، تارة باسم القانون وتارة خارجه. وهنا أجد بعض الصحف المستقلة تركب على بعض الكتابات النقدية لأجل حصد الامتيازات لفائدة القوة الضاغطة أو الجهة التي تم نقدها، وأقل تلك الامتيازات الإشهار!؟ وهي هنا تخدم إعادة الإنتاج وإن كانت تدعي الاستقلالية. فتوظيف المعرفة في المؤسسة التعليمية كما في الإعلام يعد ( سلاحا أيديولوجيا بهدف تحقيق السيطرة، وتبرير ممارسات السلطة، وترسيخ النظام القائم وإعادة إنتاجه)، وهذا ما نجده في بعض وسائل الإعلام. والإعلام معني بالحقل الاجتماعي مشاكله وقضاياه وتطوره وسيرورته.
والتعليم حقل اجتماعي بامتياز؛ لذا من الطبيعي أن نجد في هذا الإطار الصفيحة السابعة من الجسر الرابط بين التعليم والإعلام. ولا نستغرب أن يقدم الإعلام نماذج اجتماعية من نسق التعليم، خاصة فيما تؤطره سوسيولوجيا التربية. ويبين البعد الاجتماعي من الفعل التعليمي خاصة أن البعض يعتبر المؤسسة التعليمية أو النظام التعليمي قضية تقنية محضة لا بعد اجتماعي فيها. ولا امتداد لها خارج أسوار المؤسسة التعليمية. والتعليم في الصفيحة الثامنة من جسر العلاقة البينية المتحدث عنها، يعتبر حقلا اقتصاديا يساهم بقسط وافر في رفد الإعلام ماديا وماليا، نظرا لحجم المبيعات التي تأتي وراء تعاطي الإعلام مع قضايا التعليم. وهو أمر مشروع ومحبذ، لأنه يساهم في تقليص إيجاد فرص الشغل للخرجين من المؤسسة التعليمية سواء جامعة كانت أو معهدا أو مركزا. وبذلك ألفنا الإعلام المكتوب يخصص ملاحق للتعليم، يتخذها منبر لرأيه وسبورة إعلان لمجمل القضايا المطروحة في معيش التعليم، وعلى مختلف موضوعاتها ومشاكلها وإشكالياتها. ومن خلال هذه الصفائح التي ذكرت والتي لم أذكر، وهي كثيرة، أجد جسر العلاقة بين الإعلام والتعليم جسرا فولاذيا، وأجد العلاقة علاقة طبيعية في سياق اجتماعي معين، يقود إلى تكاملهما وتعاونهما لخدمة الصالح العام، في إطار من تبادل المنافع والمصالح والخدمات. بل ويشكل الإعلام والتعليم وجهي العملة التي تسمى مجازا الإعلام المدرسي.
2 ـ التعليم في الصحف الوطنية:
الصحف الوطنية على اختلاف منابعها الإيديولوجية والسياسية والفكرية، وتوجهاتها الاجتماعية اتخذت لنفسها نمطا معينا من العلاقة مع التعليم، هي فيه من: أ ـ المساندين للخط الرسمي المدافعين عليه، والمتحمسين لأطروحاته. وغالبا ما نجد الصحافة الرسمية التي تتحدث باسم التنظيمات الحزبية والنقابية المشاركة في السلطة تقود هذا الخط، وتدافع عنه في وجه الخصوم، الذين يتخذون من قضايا التعليم ومشاكله رافدا لضرب الخط الرسمي للتعليم. وهو فعل لا يخلو من البعد السياسي الذي يستوطن التعليم في القلب. فتقع في بعض الأحيان التصفيات السياسية على حساب التعليم. وتكون مادة التعليم مدخلا لاستفزاز هذا السياسي الذي يدبر التعليم. ولعل من الأمثلة الكثير في معيش نظامنا التعليمي ما يثبت هذا الطرح. وهنا توحي لي الذاكرة بذلك الاحتفال والجوقة التي اتخذت في حقب متفاوتة من تاريخ التعليم المغربي للإشادة بالخط الرسمي، الذي قاد المنظومة التربوية والتكوينية إلى الإفلاس. في حين كان النقاد يرفعون الصوت آنذاك، وينبهون الرسميون إلى مخاطر خطهم التدبيري. فاتهموا بمعاداة الساسة ومنهم من ضيقوا عليه في رزقه ووظيفته، وحشروه في الزاوية مكمم الفاه. لا يكاد يسمع صوته للغير! ولست في مقام الإفصاح مادام الإفلاس واضح حتى صرنا نطلب المستعجلات للعلاج!؟ أو ب ـ الرافضين المعارضين للخط الرسمي، الذين تسودهم النظرة السوداوية أو الظلامية التربوية ـ كما يصنفني البعض وفق كتاباتي النقدية في غياب الوعي ببعدها البنائي والتصحيحي والعلاجي ـ فيقصون كل جهد إيجابي أو خطوة صحيحة من سيرورة تطوير التعليم لإبقائها سوداء حالكة حلكة الثالثة ليلا في ليل شتاء ماطر!؟ ولنا في بعض الملاحق التربوية صفحات كلها ظلام تربوي وتدبيري داكن، خدمة لهذا أو ذاك، أو خدمة لهذا أو ذاك. بمعنى الأول مخدوم والثاني مخدوم، والفصل بينها؛ الأول له خادم والثاني له كذلك خادم. وأين لنا الفصل بين الخدمة والخدمة، والمخدوم والمخدوم، والخادم والخادم" إلا بـ " مع أو ضد " فتلك إشكالية لغوية لغزها عند العامية حين نقول: " خدمه في الهاتف "بمعنى أصلحه أو سرقه.
فأيهما يريد هذا الحضور الكريم؟ فتمة نجد موقع الصحافة. أو ج ـ الوسطيين، الذين يذهبون مذهب الوسط وربما التوسط. فيشدون بالإيجابيات ويشيرون للسلبيات قصد التصحيح والعلاج بأسلوب صريح أو ضمني وفق الخط التحريري للجريدة، ووفق العلاقة التي تربطها بجهة التعليم. وهو خط كثيرا ما يؤتي أكله في معالجة القضايا والمشاكل المطروحة، خاصة إذا كان التحرير يراعي الدقة والعلمية والموضوعية والمسؤولية في القول أو الفعل. وهنا لنا في بعض الملاحق أو الأوراق التربوية مثالا على حكمة تدبير قولها في التعليم. فتنصف من يستحق الإنصاف وتشجب من يستحق الشجب. أو د ـ الموظفين لتلك الأنماط العلائقية جميعها في الملحق أو الورقة التربوية في ذات الوقت، وهذا ما توجد عليه أغلب الصحف المغربية. فهي في ذات الملحق أو الورقة تساند وتعارض وتتوسط وفق غرضها وهدفها المنشود من القضية المطروحة. وهي مزيج من الكتابات التي قد لا يجمعها خيط رابط سواء في الموضوع أو المنهج أو الغاية. وبذلك لا يمكن تصنيفها وفق إحدى العلاقات المذكورة. ولعل نظرة فاحصة للمجموع القضايا والمشاكل والموضوعات المطروحة في الملاحق أو الأوراق التربوية تؤكد هذا القول. ومجمل القول هنا، أن هذا الخليط من العلاقات يفصح عن عدم وجود صحافة متخصصة في التعليم. لها استراتيجيتها وخطها التحريري الواضح والمفهوم والمعلن، كما يوجد في بعض الصحف التربوية المتقدمة. وسيبقى الحال كما عليه إلى أن يعي معهد الصحافة بضرورة وجود صحافة متخصصة في التعليم لأهمته في المجتمع.ونحن هنا نستثني المجلات والدوريات المتخصصة في المجال التعليمي. وإن كان لنا عليها بعض النقد، خصوصا تلك التي تنأى بنفسها عن النقد، وتستهدف المعلومات والمعارف فقط. وكأن التعليم مجموعة من المعارف والمعلومات! بينما النقد هو الحياة نفسها إن وعاه العقل.
3 ـ أبعاد طرح مجال التعليم في الصحافة الوطنية:
هناك أبعاد لطرح مجال التعليم في الصحافة الوطنية المكتوبة، أخص منها:
ـ طرح مجال التعليم قضية عامة، معني بها عموم المواطنين للتنوير والمتابعة والفعل. ويتجلى في مجمل المشاكل والأحداث التربوية التي تنشرها الصحف الوطنية كانتهاك حرمة مؤسسة أو طرد تلميذ أو سرقة ميزانية أو فيضان على مؤسسة أو غش في بنائها أو أخطاء كتاب مدرسي أو إقالة نائب أو مدير أكاديمية ... والإعلام يطرح هذه القضايا مريدا بها فضلا عن التنوير أن تتدخل الجهات الرسمية المسؤولة عن التعليم لمقاربتها واتخاذ القرارات الحاسمة فيها. من أجل معالجتها لتنتفي عنها صفة الإكراهات أو المعوقات أو الضغوطات أو الخروقات.
ـ طرح مجال التعليم قضية إشكالية علمية، ينبثق عنها البحث العلمي في الحقول المعرفية والمنهجية والعلمية لبناء مادة دراسية ومدرسية صحيحة ومتطورة، تساهم في بلورة تعليم متجدد ومتطور مساير لركب الانفجار المعرفي والمعلومياتي. وبان للكفايات المطلوبة في إنسان الغد. وهو الإعلام بطرحه هذا، يقصد المساهمة في تطوير التعليم من جهته بطريقته الخاصة. وغالبا ما تكون الأقلام التي تكتب في هذا المجال متخصصة في الشأن التعليمي من أساتذة ومفتشين وإداريين وباحثين وطلبة دراسات عليا ودكاترة وغيرهم من المهتمين ... في حين نجد الوجه الآخر من البعد العلمي أن تستفيد منه الجهات الرسمية التعليمية.
ـ طرح مجال التعليم قضية مجتمعية، لدورها في بناء الأمة والإنسان، وتوق الإنسان المغربي أن تكون سلما للترقي الاجتماعي رغم انحسار هذا الدور نتيجة لواقع النظام التعليمي المغربي الهش. والصحافة الوطنية؛ وهي تقدم المجال التعليمي قضية مجتمعية تستهدف أن يساهم الجميع في أن تكون كذلك، من حيث بلورة رؤية موحدة لما ينبغي أن يكون عليه التعليم مضمونا وهدفا وغاية ورسالة وأدوات وآليات ... قصد تحقيق دمقرطة التعليم بما يعني المساواة أمامه. وهي كذلك تسترعي اهتمام الجهات الرسمية التعليمية إلى ذلك، من خلال تحقيق الدمقرطة فعليا في المجال التعليمي. والتعاطي معها من منطلق دمقرطة الحياة المجتمعية بكل مناحيها السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية ... والصحافة الوطنية هنا تقدم موضوعات الدمقرطة والمساواة والمجانية والنوع والواجبات والحقوق وغيرها من القضايا الاجتماعية المعنية بها المؤسسة كحاضن لها في بنية نظامها التعليمي أو في وظيفتها العملانية في الأقسام. ولا توجد صحيفة وطنية تخلو من هذه الموضوعات. وبالتالي كثيرا ما شكلت هذه القضايا موضوعات نقاش أو دراسة أو بحث من قبل الجهات التعليمية المسؤولة في الوزارة.
ـ طرح مجال التعليم قضية استفزاز لجهات معينة لفائدة جهات أخرى، أكانت أفرادا أو مؤسسات أو تنظيمات. وهنا يحضرني من الواقع التربوي المعيش لهذه السنة، استفزاز الوزارة وإحدى الأكاديميات من قبل إحدى الجرائد المغمورة والمطمورة الملونة بالخط الأحمر في خطها التحريري. لأن مالكها أستاذ أراد الانتقال بسهولة عبر القلم. في حين أن استفزازه مبني على مغالطات لا يقرها الواقع. كما أن إحدى الجرائد المستقلة باعت خطها النقدي بالإشهار فيها من قبل الجهة التي تم نقدها. وبذلك وضعت علامة استفهام على استقلاليتها. أما ما ينشره الكثير من مراسلي الجرائد الذين ينتمون لقطاع التعليم، فيكون بعضه للحصول على خدمة أو امتياز هنا أو هناك، مدعما من قبل بعض التنظيمات التي تدعي المحافظة على المصلحة العامة لمنخرطيها! أو تصفية حساب مع هذه الجهة أو تلك. في المقابل، هناك من الصحف والجرائد الملتزمة بخطها التحريري واستقلاليتها وحيادها، بل ثابتة على أهدفها محققة لغاياتها. وعلى العموم، القول في هذا الطرح قول معقد وشائك، يجب أن يفتح بين أهل الصحافة ومهنييها موضوعا أخلاقيا أولا ثم مسؤولية مهنية ثانيا. وهنا نجد الجهة المستهدفة والمعنية تتخذ الجواب والتوضيح أو التهميش والإلغاء للرد على الكتابات المعنية بهذا الطرح.
ـ طرح مجال التعليم قضية خبرية، باعتبار التعليم مجال خبري لشساعة المساحة العلائقية القائمة بينه وبين المتدخلين فيه، وبينه وبين شركائه، وبينه وبين مكونات المجتمع عامة. من أجل التلذذ بالخبر وإشباع رغبة المخبَّرين، وتداوله في الجلسات العامة بين رواد الأخبار في محافل اللغو والكلام الفائض عن الحاجة. لكن هدفية الخبر تستفيد من ذاتها حين تتعاطى الوزارة وجهاتها الخاصة مع الخبر بجدية البحث والتقصي والتعرية عن حقيقته. وهنا أتذكر أكثر من خبر صحفي شاركت من منطلق وظيفتي ومهنتي في تقصي حقائقه ودقائقه. فوجدته خبرا قطعيا ودقيقا أو زائفا مرسلا. وهو التحقيق في الأخبار تساهم على الأقل في تطوير أساليب التحقيق والتحقق. فضلا عن حل العديد من الإشكالات الواقعية على الأرض.
ـ طرح مجال التعليم قضية علم ومعرفة، حيث تفيد الصحافة في مجاله المواطن بمجموعة من المعارف والمعلومات والقيم والسلوكات، فتنور المناطق المعتمة من فكره ومن شخصيته وسلوكاته. فترفد مجال العلم والمعرفة بالجديد، وتعمل على تطوير المجال التعليمي بسد الثغرة بين زمن المعرفة المدرسية وزمن المعرفة العلمية. حيث الأولى تتسم بالبطء في التجدد والتطور، بينما الثانية تشهد في عصر انفجار المعرفة سرعة في التجدد تفوق سرعة الضوء. علما بأن المعرفة الآن تتقادم بسرعة فائقة للغاية. وكلما كانت الأوراق والملاحق التربوية رصينة في تقديمها للعلم والمعرفة، ومسايرة للتطورات العلمية العالمية كلما كانت مطلوبة. وهنا نجد الجهات التعليمية الرسمية تستقي من الصحافة جديد التطور المعرفي لإدخاله في البرامج والمناهج التربوية والتكوينية. وعلى العموم، فإن أبعاد طرح مجال التعليم في الصحافة الوطنية لا ينحصر في طرح واحد بقدر ما يتعدد طرحه بناء على الهدف المقصود من الطرح. وبذلك يتنوع الطرح في ذاته بين ثلاث كتابات:
+ الكتابة الأولى: كتابة المختص المدقق، الذي يولي موضوعه العناية الفائقة في الحقائق والدراسة والتحليل والسبك والمتانة والمنطق والموضوعية والعقلنة. وهو من تكون كتابته أشد على جهة التعليم، ومرغمة إياها على مراجعة تدبيرها أو قرارها أو تصورها أو رؤيتها أو توجهها أو فعلها. ويكون الكاتب قادرا على تفنيد الرد إن كان بقدر كتابته الأصلية في الموضوع الذي أثاره. وهذا النوع من الكتابات كثيرا ما يعري عن الحقائق بالحجة والبينة التي لا يمكن دحضها أو نفيها. وهو نوع من الكتابات التي تحدث رجات في الجهات المسؤولة خاصة إذا اتسمت بالنقد البناء، الذي يعطي البديل ويبين الصواب من الخطأ. نجده في سياق بعض الأوراق والملاحق التربوية يعلن عن نفسه في أسماء محددة ومعينة في هذه الجريدة أو تلك.
+ الكتابة الثانية: وهي كتابة غير مختصة تمتاح من الكلام العام والفكر العام ما تؤثث به الموضوعات التعليمية العامة، وهي من الدرجة الثانية في تدقيق ما تكتب. لا يعتد بها لدى المختصين، لكنها تكون أقرب إلى القارئ العادي، الذي يتغيى البساطة والسهولة في مقاربة مجال التعليم. وهنا تقصد الصحافة تبسيط مجال التعليم حسب منظورها الخاص ومن زاويتها التي ترى التعليم منه. وهنا تكمن الخطورة لأنها تشكل بذلك الرأي العام تجاه التعليم. فما تصوره للقارئ يجد متسعا للرسوخ والثبات نتيجة عدم تخصص الغالبية العظمى من قراء الجرائد في المجال التعليمي. ولعل القول بقيل عن التعليم كذا وكذا في الجريدة المسماة كذا وكذا، قول يبين درجة خطورة تشكل الرأي العام الوطني نحو التعليم. وأستحضر هنا مقالا لأحد الكتاب المشهود لهم بالحنكة الكتابية والمحال على التقاعد يكيل لرجال التعليم كيل حطاب الليل. وقد رردت عليه في صحيفته تلك، لكن لم ينشر الرد، الذي أحلته فيه على حقائق غابت عنه أو غيبها. وإن كان مقاله فيه من الحقائق ما استوجب اعترافي بها بل ومساندته فيها. فنشرته في الصحف الإلكترونية. وأجد الجهة الرسمية التعليمية تستقي من هذه الكتابات ما يبني فكرا عاميا يعمم ويقيس على الكائن دون أن يمحصه ويفحصه ويدققه. ولعل بعض مواضيع الكتب المدرسية تبين بمراجعها الصحفية تصحيفها للحقائق العلمية وتحريفها لمبادئ العلم ومتطلبات العقل والنقد.
+ الكتابة الثالثة: كتابة هشة، فيها من الغثائية الشيء الكثير، وفيها من الشعبوية ما يؤثر سلبا على التعليم، ومنها يتأسس حقل النكت والفكاهة على التعليم ومكوناته. لا يجد فيها المنطق ولا العقل ولا الموضوعية سوقا لعملته!؟ نتيجة عتمة موضوعاتها، التي تهتم بالأشخاص والأفراد ضمن سياق ظواهر مرضية شاذة ومنعزلة ومعزولة لا تعبر اطلاقا على التعليم ومكوناته، ولا يمكن تعميمها. وفيها يجد المنتهز والاستفزازي مرتعا خصبا لذاته الضحلة أن ينهل منها ما يساعده على قضاء مآربه الخاصة. وهنا يجب على الجهات المختصة الضرب بقوة على أصحاب هذه الظواهر المرضية والمشينة حتى لا يشوهوا المجال التعليمي والميدان بسلوكاتهم أو أفعالهم أو أفكارهم النتنة. ويجب على الصحافة أن تنأى بنفسها عن مثل هذه الكتابات التي تشيع في المجتمع شياع النار في الهشيم. بل المطلوب أن تساهم الصحافة بقسط وافر في تطوير مجال التعليم وتحسينه من خلال الموضوعات العامة النافعة في مقابل التعاطي بحكمة مع المواضيع الخاصة، التي تأتي في سياق الخطأ المرفقي أو الشخصي لا تلك التي تأتي في سياق العمد المتعمد.
عود على بدء:
من خلال هذه الورقة، التي تقع في دائرة التحسيس في موضوعه حسب غلافها الزمني الضيق، ومناسبتها المندرجة تحتها، التي تستغرق أكثر من مداخلة، نلمس قيمة الفعل الإعلامي عامة والصحفي خاصة، في المجال التعليمي، لأنه العين التي ترى بها الجهة التعليمية الرسمية ذاتها فكرا وتنظيرا وتخطيطا وتنفيذا ونتيجة. في مقابل اكتشاف الإعلام قدرته على التغيير في التعليم ضمن نطاق جملة من الأسئلة الجوهرية من قبيل:
- ـ ما الإعلام المختص في المجال التعليمي؟
- ـ ما دوره؟ ـ ما مسؤوليته؟
- ـ ما حدود تدخلاته؟
- ـ ما قدرته على الفعل؟
- ـ كيف يؤثر في مراكز القرار؟
- ـ كيف يساهم في بلورة تعليم متطور متجدد؟
- ـ كيف يجسر المواطن بالقضية التعليمية؟
جملة أسئلة يمكن الانطلاق منها إلى مساءلة الكائن من الإعلام عامة والصحافة خاصة حول هويته ككائن وأداء مهنيين؟ وما موقعه من التعليم المغربي حاليا؟ .... ومن أجله أدعو إلى تنظيم ندوة أو ملتقى فكري مهني يجمع بين أهل التعليم وأهل الإعلام لتيبان التقاطعات والتفردات بينهما، ولتلحيم الجسر بينهما أكثر وتعميق فعل الواحد في الأخر إيجابيا. بل وإشراكهما في بناء الإنسان القادر على الفعل.
بقلم : عبد العزيز قريش (بتصرف)