إن قراءة نص أدبي مكتوب بلغة لانتقنها جيدا بالطريقة التي يقرأ بها النص الإخباري تغدو ضرورية. ذلك أن القارئ يبحث للعثور على المعنى أكثر من بنائه. وينجم عن هذا حتما ابتذال التلقي الذي يقود إلى إلغاء الفعل الأدبي. إن أغلب التلاميذ يحتفظون بذكريات غير سارة عن قراءة الأدب الأجنبي في المدرسة، فقد درسوا النصوص أجزاء مقتطعة من سياقها وتوجب الإشغال عليها (ترجمتها، تحليلها والإجابة عن أسئلة فهمها). لهذا السبب يواجه استاذ اللغة الذي يرغب في تدريس النصوص الأدبية أسئلة عديدة مثل:
- ما هي النصوص التي سيختارها؟ نصوص جزئية أم نصوص كاملة؟ عصور أدبية متعددة أم عصر أدبي واحد؟
- كيف يحللها؟ بترجمتها أم باستخدام المعجم؟ كيف يشرحها وبأية منهجية؟
- متى يقترحها؟ في نهاية الدروس أم في بدايتها؟ إلخ.
لذا يجدر بنا تجلية تصورنا للأدب وللوضع الاعتباري الذي يحتله في تدريس اللغة من جهة، وتبيان الأهداف التي نريد الوصول إليها من جهة ثانية. بالنسبة للمظهر الأول يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أفق المتعلمين الممكن بحسب الدراسات التي يقومون بها: هل يتعلمون اللغة ليصبحوا متخصصين (أساتذة الفرنسية أو مترجمين)؟ وفي هذه الحالة يغدو التحليل الأدبي القريب من التحليل المعتمد في اللغة الأم أمرا مبررا، أم أنهم يدرسون الفرنسية للتحدث بها وقراءة نصوصها؟ وهذا يقتضي ضمان إمكانية فهم النص دون الاستعانة بتحليل تفصيلي له.
إن تصورات المدرسين للأدب ليست متماثلة: فقراءة النص الأدبي تعتبر لدى البعض هدفا أسمى نتعلم لغة لقراءة أدبها (وهذا هو هدف المنهجيات التقليدية، انظر كوست 1982 Coste) ولدى البعض الأخر تعد وسيلة تمكن من تعلم واكتساب لغة راقية وجميلة. ولدى اخرين يهيمن تصور توفيقي حيث إن أتقان اللغة يعني القدرة على قراءة ادبها. بيد أن ما يهم هو أن نحرص على عدم إلغاء خصوصية القراءة الأدبية. والحال أن هذا هو ما يحدث إذا لم تحفز للقارئ المتعلم العناصر الضرورية لتلقي النص الادبي.
لنفكر مليا في من يعد القارئ المثالي للأدب (بالتأكيد يعتبر هذا ضربا من الخيال) إنه القارئ الذي يعرف الكاتب والمرحلة التي عاش فيها أو على الأقل سمع بها وعنها، ويمتلك بعض المفاهيم أو الأفكار الخاصة بالكاتب، ويحدد الجنس الأدبي لأنه يعرفه (وراية، حكاية، قول مأثور...الخ)، انه من تمكنه ثقافته من تعيين الائتلافات بين النصوص، وهو ايضا القارئ الذي يعشق أن يقرأ أو يختار القيام بذلك عن طواعية ورضا.
خليق بنا أن نتساءل: ما الذي يتبقى من هذا كله في حصص القراءة الأدبية في المدرسة؟ فالنصوص مفروضة ومجزأة في الغالب، وبهذا الإجراء يحرم القارئ من بداية الحكي ونهايته. كما ان استراتيجية القراءة تظل دائما متطابقة ونمطية: يقرأ التلميذ جالسا ويبذل جهدا كما يوجد بالقرب منه معجم يكسر إيقاع القراءة وينبغي عليه الإجابة عن أسئلة الفهم. ولا جدال أنه كلما زادت الحرية زادت المتعة، لكن القراءة في الفصل عناء سيبذل فضلا عن ذلك بمراقبة الأستاذ وتقويمه.
Francine Cicurel: lectures interactives en langues étrangères
ترجمة: لحسن بوتكلاي