لم تكن تعلم أنّ مناقشة الأستاذ و مجادلته داخل الفصل أمر مكروه لديه. بالعكس، فقد تعلمت سابقا أن جرأة الإنسان تبدأ في القسم، منه يكتسب هذا المفهوم، الذي سيظل لديه ضبابيا حتى يصبح محاورا يقام له حساب.

  كانت الحصة الأولى دخولا إلى عالمه المنتشي بما لم تلاقيه من قبل... أراد لصوته أن يكون مسموعا فرفعه أكثر حتى صار في الأمر تكلف... حركاته، مفتعلة تنم عن مغالطة أعيننا التي كانت مؤدبة في النظر إليه. تقاسيم وجهه تدل على بدوي تمدّن بالشكل.

  بعد مقدمة عائمة، نظر في ورقة أمامه، ليملي علينا جدول العمل، و كيفيته، والوقت المناسب لفعله، وبعد أن أتم إسناد فقرات من كتاب إلى كل طالب، و اكتملت أجزاء الكتاب بالتحليل والدراسة، حدد لنا موعد نهاية السنة لتسليم البحوث إليه، وسيدرج نقطتها ضمن معدل الامتحان الكتابي..

  عملت على فقرتها جيدا وبجد، فكان التحليل يطاوعها بيسر شعرت معه بكثير من الثقة... علمت أنها على وشك اكتشاف سر خطير مفاده أن الأستاذ بصدد انجاز بحث الدكتوراه فاعتمد على الطلبة، دون علمهم، لإنجازه مجزءاً على أنها مهمة تعليمية تربوية، يرمي من خلالها إلى تلقيننا مادة النقد...

  عند متم السنة الدراسية، ترك لنا الأستاذ إخبارا بموعد تسليم البحوث ومكانه الذي لم يكن سوى درجه الحديدي في قاعة الكلية.

  تهافت الطلاب وتفاخروا بوضع بحوثهم في درج الأستاذ وبقيت هي وحدها من المجموعة لم تسلم بحثها الورقي، لكنها أنجزته، وهو مكتوب في عقلها تستطيع أن تجيبه على أي سؤال في الاختبار الشفوي كما اتفق...

  يوم الامتحان، جاء دورها والأعين تراقبها، و تنتظر خسارتها في هذه المادة (النقد) التي تُعدّ شرطاً للنجاح فيها تسليم البحث.. دخلت إليه ببعض التوتر، وبكثير من الرجاء أن يخيب ظنها فيه كمعلم ومرب... سلمته البطاقة، تعرف عليها بالنظر إليها وإصدار نفس كادت أن تلفح وجهها شرارة حرارته... نظر ونظرت معه إلى اللائحة الموضوعة أمامه، فوجدت اسمها وحده لا يحمل علامة بالأحمر تفيد الإنجاز. وكمن ضبط مجرما في حالة تلبس، رفع إليها عينين جاحظتين من غضب مبالغ فيه لجرأتها على المثول أمامه بدون بحث.

  •  لم تسلمي بحثك، و لذلك لا يمكنني سؤالك في شيء، لأنني لم أطلع على عملك لكي أسألك فيه.
  •  البحث يا أستاذ ليس مجموعة من الأوراق المكتوبة توضع في درجك، أنا بالفعل أنجزت بحثي كما طلبت، ومستعدة لأجيبك على أي سؤال فيه...

 ارتبك الأستاذ وقال بصوت المنكسر حتى يعطيها صورة حقيقية عن وضعيتها المتأزمة: يكفي أنك تناقشين وتتدخلين طوال السنة.

  ظنت أنها بذلك غطت عمّا اعتبره تقصيرا في أداء الواجب، وأنه كأستاذ، لم يكن في حاجة إلى أخذ أوراق يقرأها، و ينقحها و يستنبط منها بعض الأسئلة لطرحها على الطالب..

  أيقنت أنّ المعلومة كانت صحيحة، وأنه أنجز جزءا كبيراً من أطروحته بعقول طلبة ظنوا أن المادة تفرض ذلك حتى يتعلموا جيدا أسس النقد و نظرياته المختلفة.

  قبل أن يعيد إليها البطاقة، همس لها أنّ نصيبها من النقط هو صفر، و أنّها سوف تكرّر السنة لتتعلم درس الالتزام بالقواعد...

  ابتسمت وهي تعلمه أنّها كانت تعرف هذا المصير، و هي من اختارت أن تكرر، وستثلث و تربع، أربع سنوات في سنة واحدة، وفي كل سنة، تأخذ صفر الأستاذ و تنصرف منتصرة...

بقلم: سميرة شرف

أضف تعليق


كود امني
تحديث