كان الطريق الذي يقودني إلى المدرسة شريراً.. يتدفق فيه حبر ريشتي كل يوم.. فكنت أحتار في اختيار أحسن المسارات التي ستقودني الى المدرسة حتى لا يصبح قلمي خفيفاً.. كنت بحق أتفادى الصراخ الذي يعيدني إلى ندمي عن تردد رشقات الحصى على وجهي.. إني لا أزال أتذكر المحبرة الزرقاء والممحاة الحمراء والورقة البيضاء.. ما زالت ذاكرتي ملطخة باللون الأزرق لمداد ذلك الوقت.. لا أزال أتذكر العلامات على الجدران والطاولات والكتب والدفاتر.. علامات تعود إلى حياة كانت تعج في دواخلي مثل حفريات القرون البعيدة.. إنها ذكريات كل أولئك الذين مروا من هناك أو توقفوا لسنوات قبل أن يختفوا إلى الأبد.. فمنهم لا يزال حيا يرزق ومنهم من قضى نحبه ورحل الى بعد آخر، أو حياة أخرى...
هناك في مدرستي الصغيرة، تعلمنا الحساب بالخشيبات والجمل والكلمات على الألواح.. إن ما أقوله لكم اليوم، كان مصنوعا من رقائق الخشب.. إنها رقائق الطفولة التي ذابت منذ ذلك الحين.. في طفولتنا، كنا نقلد بعناية معلمينا قبل أن نضبط الخط والنحو والمسرح والأناشيد.. وكان الإملاء على الألواح الخشبية تحكمه مسطرة لا تقي ولا تدر.. كانت اللوحة بمثابة ورقة غش لا تنطفئ ها الذاكرة أبدًا...
حقا، كنا نتألم في عذابات القسم ونحن أبطال.. وتتبلل أعيننا ونحن مفخرة القسم.. وعندما يرتبك كل الحراس المسلحين في أجسادنا، كنا نتظاهر بالتوقف عن البكاء بشأن الاحتيال وكسب عطف الآخرين.. وفي المساء، كنت وأصدقائي، نحمل عكازات الفوز لنعلن تواضع انتصاراتنا ونحن نشكر الله الذي أعاد الأرواح الى رفاتنا الخالدة...
 
بقلم: أحمد انعنيعة