ولا يظن أحد أننا غير معنيين باستخدام الألفاظ الجديدة، بل على العكس من ذلك، فالكتابة للطفل تعني الحرص على رفع حصيلته اللغوية، ومده بكل جديد، لكننا نفعل هذا على نحو تدريجي دون إسراف في استخدام الألفاظ الجديدة التي لا يستخدمها في حياته اليومية، علما أن إدخال المفردات الجديدة يعني بالضرورة بذل جهد واسع في إعانة الطفل على فهمها من خلال الصور والوسائل الإيضاحية التي تجسد المعنى وتشرحه، لكننا وعملا بالقاعدة التي تؤكد أن ما يشيع استعماله في حياة الطفل اليومية تكون له الغلبة في المادة الأدبية المقدمة للطفل، فإننا نتحاشى إغراق الطفل بمفردات تخلق بسبب صعوبتها حالة من الاغتراب مع العربية الفصحى.
هذا الأمر تنبه إليه على نحو لافت سماح إدريس رئيس تحرير مجلة الآداب، الذي كانت له مغامرة خاصة في الكتابة للطفل عبَّر من خلالها عن امتعاضه من تزمت بعض اللغويين الذين تعاملوا مع اللغة بوصفها كائناً محنطاً معزولاً عن الحياة اليومية والتأثيرات الخارجية، وهو ما جسدته سلسلة منشورة له استقى مادتها من قاموس الطفل اللغوي.
نجده على سبيل المثال في قصة البنت الشقراء يبدأ بأم الطفل أسامة التي تبوسه وتقول له :"إن شاء الله تأخذ بنتا شقراء وعيناها زرقاوان" بقصدية استخدام (تبوسه) بدلا من (تقبله) لأنها الأكثر استخداما في حياة الطفل اليومية، كما نجد في بقية قصصة كلمة (شنطة) بدلا من (حقيبة) ، و(طابة) بدلا من (كرة) وهكذا دواليك. كذلك تحضرني قصة شعرية قصيرة لرانيا زغير عنوانها حلتبيس التي نقرأ فيها (فقع حلتبيس من الزعل) ، وفي مكان آخر نقرأ (أخذوا الكيس وفعصوه تفعيصا) ، أو نجد (يحط قلبه في كيس) ، وغير ذلك من استعمالات تجعل الأعمال المقدمة للطفل تتمتع بمرونة كبيرة في ألفاظها، إذ تسمح باختيار ما يدخل في باب العامية، لكنه لا يخرج عن الفصحى، كما يمنحها المزيد من البساطة والسهولة، ويجعلها أكثر مرونة، وأشد قربا من حديث الطفل اليومي، بما يمثل شاهداً حياً على أن اللغة التي نخاطب بها الطفل ذات طبيعة خاصة.
أنهى بالتأكيد على أن كتابة ناجحة للطفل تخضع لمعايير اصطفائية مدروسة، منها على سبيل المثال استخدام الكلمة قليلة الحروف والحركات التي تحمل إيقاعا موسيقيا جاذبا وتدل مباشرة على معناها المقصود، ومنها الابتعاد في الجمل والتراكيب عن كل ما يؤدي إلى اللبس والغموض، والاقتراب قدر المستطاع من الجمل والتراكيب الشائعة الاستعمال. حينئذ فقط نضمن أن الطفل لن يتملكه إحساس بغربة تصنعها كلمات بعيدة عن قاموسه اللغوي، وتقوده في نهاية المطاف إلى هجران لغته الأم والتشبث بلغة أخرى بديلة.
بقلم: د. رزان إبراهيم