عندما أصبحت المنافسة العالمية حقيقة واقعة بالنسبة للمنظمات، أدركت تلك المنظمات أن مفتاح التنافس في السوق العالمية هو إدارة الجودة الشاملة. وفي ظل التناقضات والصراع والتوقد الذهني برزت مفاهيم حديثة معاصرة في الإدارة وتطبيقاتها ومنها:
- - إدارة التغيير؛
- - إدارة المنظمات المتعددة الجنسيات؛
- - إدارة الاستثمارات؛
- - إدارة نقل التكنولوجيا إدارة المناطق الحرة؛
- - إدارة العقول البشرية - إدارة الموارد الطبيعية؛
- - إدارة المشروعات الصغيرة؛
- - إدارة الخدمة المدنية؛
- - الإدارة الاستراتيجية؛
- - اعادة هندسة نظم العمل؛
- - وإدارة المعرفة التي تمثل جميعها تحديات جدية.
لذلك على المنظمات أن تعمل على تعزيز قدرتها التنافسية لمواجهتها ومواكبة المتغيرات على المستويات الاقليمية والدولية والعالمية. إذ ان إدارة الجودة الشاملة واحدة من أبرز هذه التحديات، ازداد اهتمام الباحثين والجامعات بهذا النشاط وأخذت الكثير من دول العالم تطبقه في مجالات مختلفة ولاسيما أنها تجاوزت الاتجاهات التقليدية التي تؤكد أن الجودة العالية تقترن بكلف انتاجية وتشغيلية عالية.
إن التوجهات اليابانية أكدت ان الجودة التنافسية العالية يمكن أن تتحقق بكلف انتاجية واطئة وذلك عن طريق استثمار المواهب والقدرات الفكرية على الصعيد الذهني والعقلي للقوى البشرية في ميادين العمل، وذلك باعتماد صور التشغيل الجماعي والمشاركة التعاونية للمعطيات البشرية والمادية في الحقول العلمية الانتاجية والخدمية.
احتلت إدارة الجودة الشاملة على الصعيد العالمي أهمية خاصة لأنها تمثل طريقة جديدة تماما للنظر في المبادئ والقيم الخاصة بالادارة والتي يمكنها أن تقدم حلولا للتعامل مع المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتقنية التي تواجه العالم.
وإذ تعد إدارة الجودة الشاملة من المفاهيم الإدارية الحديثة والتي سارعت مختلف المنظمات بتطبيقها في غالبية انحاء العالم لأنه حجر الزاوية في عملية تحولها. فهي ببساطة فلسفة إدارية ومدخل استراتيجي ووسيلة لإدارة التغيير تهدف إلى نقل المنظمات من انماط تفكير تقليدية إلى انماط تفكير وممارسات تتلاءم مع البيئة والمتطلبات المعاصرة والمستقبلية ونتيجة للتسارع التقني وثورة تكنولوجيا المعلومات تصبح إدارة الجودة الشاملة ضرورة حتمية.
إذ نجدها في اليابان والولايات المتحدة الاميركية وأوروبا فلسفة إدارية مميزة تتطور عبر تسارع الزمن وليست مجموعة من التقنيات والبرامج المحددة فحسب، بل هي نظام إداري متكامل يتضمن الكثير من الحلول الادارية، والتي كان لها الأثر الفكري في تجسيد معالم إدارة الجودة الشاملة. وقد عمل الكثير من المختصين في تطور النظريات والممارسات الادارية التي أسهمت في إدارة الجودة الشاملة وفي الشكل التالي خلاصة لأهمية الجودة وعلاقاتها الارتباطية بمجمل نشاط المنظمة موضح في الشكل ادناه.
وفيما يخص الجودة في التعليم ظهرت أبعاد جديدة وباتت أكثر الحاحا، لأن ارضاء احتياجات المجتمع وتوقعاته في التعليم العالي يتوقف في نهاية المطاف على جودة مستوى العاملين فيه وبرامجه وطلبته، وكذلك هياكله الاساسية وبيئته الاكاديمية.
عرفت إدارة الجودة الشاملة في التعليم العالي بأنها نظام يتم من خلاله تفاعل المدخلات وهي الأفراد والأساليب والسياسات والأجهزة لتحقيق مستوى عال من الجودة، إذ يقوم العاملون بالاشتراك بصورة فاعلة في العملية التعليمية والتركيز على التحسين المستمر لجودة المخرجات لارضاء المستفيدين في ضوء هذا التعريف تتكون مدخلات النظام التعليمي الجامعي من المناهج التدريسية والمستلزمات المادية والأفراد "أعضاء هيئة التدريس، الطلبة، والموظفين" والادارة الجامعية والتي يتم تحويلها من خلال العملية التعليمية، وأما من يستفيد من نظام التعليم فهي مختلف مؤسسات المجتمع التي تقوم بتوظيف هؤلاء الخريجين.
ويمكن القول إن بارومتر المجتمع هو التعليم بشكل عام والتعليم العالي خصوصا، ونجد ان التعجيل في مسألة الجودة أمر في غاية الأهمية تفاديا لتخريج أفواج من ذوي المعارف والمهارات والامكانات العلمية المحدودة الذين لا يساهمون مساهمة حقيقية في التنمية. وعليه فإن تفعيل وتشغيل المدخلات المنوه عنها آنفا هي الاساس في بلورة العملية التعليمية على وفق قواعد الجودة المستمدة من مجالس الاعتماد الاكاديمي والذي يوجه معيارية العملية التعليمية لضمان الحصول على "خريج منتج" والسؤال كيف تسير مؤسستنا التعليمية في بيئات تطمح إلى الرقي والتقدم؟، بدءا تعد تقانة المعلومات في المنظومة التعليمية مدخلا للارتقاء بجودة التعليم العالي.
لذلك ينبغي بذل الجهود الصادقة من قبل الجامعة ذاتها لمواءمة هذه التقانة وتطويعها لتمكين الاساتذة والطلبة من توظيفها لخدمة القضايا التعليمية والمجتمعية وفي المجتمعات التي تنشد التنمية البشرية يتطلب التعليم العالي بناء التشريعات والنظم التي تستطيع أن تحكم حركة التعليم الخاص وتوجهه الوجهة الصحيحة وبالاعتماد على قواعد ونظم الدول التي خاضت هذا المضمار من زمن طويل. لذلك على هذه المجتمعات أن ترسم البدايات الصحيحة لتكوين القاعدة السليمة والتعليمية الحقيقية التي تستطيع أن تسهم في النهضة التنموية. ان رسم البدايات الصحيحة يبدأ من التشريعات القادرة على تأطير المفاهيم والأسس لعملية البناء للاعتماد العلمي للشهادات.
لقد حقق تأطير مجالس الاعتماد في العالم انجازات متقدمة بغية انتاج خريجين عاليي الكفاءة، كفاءات حقيقية قادرة على التعامل مع معطيات التطور المتسارع في العالم. ومن النادر أن نجد دولة من دول العالم المتقدم إلا ونجد معايير الاعتماد هاجسا أساسيا في بناء وتطوير التعليم وعلينا أن نضع اللبنات المستقبلية للارتقاء بالتعليم الجامعي وضمان مستقبل الأجيال المقبلة.
وأجد من الضروري أن يكون هناك ربط بين حاجة المجتمع الحقيقية ونوع التعليم وبعد الاجابة على التساؤلات المتعلقة بالمواءمة تدخل مسألة اعتمادية التخصص ونوع الشهادات الممنوحة وانتقاء أعضاء هيئة التدريس وإعداد البيئة الاكاديمية بكل تفصيلاتها السليمة القادرة على تحقيق الأهداف التنموية. إن الهدف الأساسي لإدارة الجودة الشاملة في التحسين المستمر هو مسئولية كل فرد في المنظمة وذلك من خلال تحقيق تحسين الجودة وزيادة الانتاجية وتقليل الكلف سعيا وراء ارضاء الزبون وتحقيق قفزة نوعية في المخرجات وإدارة الجودة الشاملة في التعليم تزيد كثيرا من معنويات معظم المستخدمين بصرف النظر عن أدوارهم الاكاديمية.
هنالك مجموعة عناصر تميز تحسينات إدارة الجودة الشاملة في التعليم العالي: أولا: أنها تركز على عملية محددة أو نظام يمكن وصفه "بجدول انسيابي" ويرتبط بالأهداف المؤسساتية، وتعمل الجودة في العمليات أو الأنظمة بصفة التدرج ويعيد تصميمها لجعلها أبسط مما هي عليه ويقلل فرص الوقوع في الخطأ. ثانيا: أنها مصممة لتحديد وفهم حاجات الجهات المستفيدة والوفاء بها ومن أجل ذلك يجب أن يشترك الطلبة والتدريسيون والمستفيدون من خدمات المؤسسة التعليمية في تحديد وتعيين مستوى الجودة المرضي لها. ثالثا: أنها تعتمد على البيانات من أجل تحديد ووصف المشكلات والوصول إلى الحلول، إذ إن عملية تحسين الجودة تعتمد على الأساليب والطرائق العلمية لتحليل البيانات وعلى بناء واختبار الفرضيات وتقيم النتائج من أجل حل المشكلات.
رابعا: اشراك كل فرد في المؤسسة التعليمية في الجهود الخاصة بتحسين الجودة، وهذا التحسين يتطلب تخويل الصلاحية لهؤلاء الذين يعملون في العملية بشكل يومي من أجل تحديد المشكلات وايجاد الحلول وارضاء الزبون. خامسا: أنها تحترم الأفراد ومشاركتهم سواء كانوا زبائن أو أعضاء فريق أو مديرين كما أن تحسين الجودة لا يلغي مسئولية المديرين، بل يعتمد الأمر على قدرة ومسئولية جميع المشاركين لجعل الأمور أفضل.
إن عدم وضوح المعايير المستخدمة لتقويم جودة التعليم العالي يضاف إلى ذلك ندرة دراسات المتابعة والتقويم التي تشمل التعليم العالي بعناصره كافة. وضعف التغذية العكسية والتي يمكن من خلالها سد الثغرات والارتقاء بأدائه، وغياب هذه الدراسات في حد ذاته يعد دليلا على أن جودة التعليم العالي لا يمكن أن تأخذ بعدا دوليا أو عالميا ما لم تكن معايير جودة هذا التعليم ملائمة مع المستجدات وذلك لان التعليم ليس بالمفهوم الساكن وعلى رغم ذلك فأن المعايير المستخدمة تتسم بكونها تقليدية ولا تتلاءم مع المستجدات العالمية.
إن احد المتطلبات الاساسية لكي يصبح للتعليم العالي الدور المحوري ان يتمتع نظامه بتعليم راق ومعاصر وبكفاءة خارجية عالية ولذلك فإن أهم الاعتبارات التي يجب ان تحظى بأولوية عند النظر في الوضع الراهن للتعليم العالي هو مدى جودة هذا التعليم وكفاءته الخارجية، وما هي الاساليب الحديثة التي تجعل منه تعليما ذا جودة وكفاءة عالية في ضوء التحديات التي تواجه التعليم العالي.
يواجه التعليم العالي الكثير من التحديات ازاء الايفاء بمسئولياته إذ يواجه مطالب مجتمعية متنوعة ومتسعة لم يكن يعرفها سابقا يقابل ذلك شحه في الموارد المادية والبشرية، ولمواجهة هذه التحديات مطلوب من هذا التعليم أن يغير من واقع النظم التعليمية ومحتواها وطرائقها وتقنياتها، وضرورة الأخذ بنماذج تطويرية جديدة في إدارة التعليم العالي تتناسب مع التغييرات الحاصلة وتستجيب للتحديات المفروضة، وخصوصا ان الفلسفات والهياكل التقليدية التي يتسم بها هذا التعليم لا يمكن لها بأي حال من الأحوال أن تتجاوب مع متطلبات العصر.
إن التطورات العالمية تعدو بوتائر متسارعة تلقي على عاتق التعليم العالي مسئولية مزدوجة، فمن ناحية عليه أن يواكب الجود المبذولة لتجاوز الواقع وتحقيق الطموح، ومن ناحية أخرى عليه أن يكون رؤية واضحة ودقيقة لما سيحدث في مديات الزمن المختلفة، بحيث يكون دائما متقدما في رؤيته على المنظمات الأخرى القائمة في المجتمع. ومن ثم التمني على التعليم العالي أن يكون رائدا في منظماته ونشاطاته لأنه الاعمق ادراكا لفهم المجتمع في واقعه، والأكثر قدرة على بيان أهدافه وتقع على عاتق التعليم العالي مسئولية تطور المجتمع وتقدمه. وفي المجتمعات التي تنوي الانطلاق في برامج التعليم العالي تكون الخطوات الأولى عادة متأنية ومتواضعة من حيث توفير الامكانات وتطبيق المعايير الاكاديمية عالية المواصفة. ان البدايات على رغم كونها،
كما اسلفت متواضعة ولكن يمكن وضع القواعد والاسس التي يستند عليها في بناء تعليم واضح المعالم والقواعد. ونجد الكثير من الجامعات الفتية الناهضة اليوم في البحرين قد بدأت تتلمس طريقها الصحيح في محاولة الوصول الى المستويات المقبولة عالميا. وهنا نركز على البناء التحتي من حيث الأرض، الأبنية والنشاطات العلمية والمختبرية والطلابية التي يصعب ملاقاة تنفيذها بالشكل المطلوب عندما يكون البناء التحتي غير متكامل أو لا ينسجم مع طبيعة الجامعة وتكوينها.
وأجد من الضروري "استقطاب كتلة النخبة العلمية" لتكون مصدرا في بناء المناهج المتوائمة مع حاجة البلد والتي يمكن أن تساهم بشكل كبير في التنمية البشرية والاقتصادية. وهذه النخبة تكون معينا لرفد مجلس الاعتماد ومجلس التعليم العالي المستقبلي.
إن العملية الاكاديمية والعلمية لا تزدهر إلا بوجود النظم الادارية التي تؤطر كل نشاط علمي وتشير بحركة توافقية ذات وقع متناغم لتحقيق الانطلاق الحقيقي وباتجاه المهمات والرؤى المستقبلية للدولة.
بقلم : حسن سالم الدسري