على سبيل الاستهلال: المغرب المعاصر، زخم اللحظة وراهنية السؤال.
يعرف المجتمع المغربي المعاصر تفجر العديد من التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والتربوية المتسارعة.. وهو واقع أدى –بالتزامن مع هذه التحولات وبفعل تأثيراتها وآثارها أيضا- إلى طرح سيل هام من الأسئلة والتساؤلات، التي فجرتها نخبة من القوى الاجتماعية والسياسية والثقافية الفاعلة على مسرح الحياة العامة. وذلك بهدف النبش والتحليل ومحاولة الفهم والتفسير والنقد أحيانا، وربما بهدف التموقع والبحث عن المكانة والدور، أو تبرير المواقع والمصالح والتوجهات والرهانات، أو التحكم في مجرى الأحداث وتوجيهها.. أحيانا أخرى. وهكذا يصبح المغرب في لحظته هذه، وبامتياز، "مغرب التحولات" وبالتالي "مغرب الأسئلة والتساؤلات".
ويبدو مفيدا في هذا الاستهلال، وفي إطار البحث عن تحديد إجرائي للمفاهيم الموظفة، إبداء بعض الملاحظات التوضيحية حول عنوان هذه المداخلة ذاتها: "سؤال الإصلاح التربوي في المجتمع المغربي المعاصر"[1].
1 – إننا لا نفهم كلمة سؤال، ولا نريد أن تفهم، في مدلولها المفرد البسيط، بل في معناها الشمولي الواسع. إن السؤال هنا شبكة معقدة من الأسئلة المتعددة الأبعاد والمضامين والدلالات، شأنه في ذلك شأن الواقع الاجتماعي المعني في تعقد وتشعب مكوناته ومجالاته وأبعاده الفكرية والسياسية والسوسيوتاريخية والحضارية المتداخلة. وإذا استحضرنا، هنا، خصوصية الزمن العولمي، وما يفرضه على مجتمعاتنا العربية والثالثية من تحديات ورهانات وتموضعات.. أدركنا، للتو، أن "سؤال الإصلاح التربوي"، المقدم هنا بصيغة المفرد، ليس سوى تعبير مجازي يشير، ضمنيا، إلى حزمة من الأسئلة النوعية الشائكة.
2 – إن السؤال المقصود هنا ينبغي أن يفهم في اتجاهين متفاعلين ومتكاملين ضمن جدلية ديناميكية مسترسلة:
ـ في اتجاه انبثاق هذا السؤال من الواقع ذاته، من أتون تحولاته ومستجداته ومشكلاته، وانطراحه على أنماط الوعي والتفكير والممارسة المتنفذة، على النخب والفعاليات الفكرية والاجتماعية، وعلى الأفراد والجماعات.
ـ وأيضا في اتجاه طرح مختلف القوى الفكرية والاجتماعية لهذا السؤال/الأسئلة على الواقع نفسه. وذلك من أجل الملاحقة المسائلة لسيرورة ما يعتريه من أحوال التبدل والتغير على مختلف المستويات، بغرض النظر والفهم، وتفكيك المركب، وكشف المنغلق، وتعرية المضمر، وعقل التموضع والكيان، محليا وكونيا[2].
ومن هنا كان لعنوان هذه الندوة: "أسئلة المغرب المعاصر" أكثر من بعد وأكثر من دلالة عميقة معبرة. إذ ينتظر من المداخلات المقدمة فيها أن تساهم في توسيع مروحة هذه الأسئلة وإغنائها بما هو نوعي وجديد ودال. الأمر الذي يراد منه، بالتالي، أن يفضي إلى تخريجات تركيبية من النتائج والخلاصات، سواء كانت في صيغة أجوبة موجهة ومفتوحة على آفاق التجدد والاغتناء، أو في صيغة أسئلة وتساؤلات جديدة ولدها عمق الأسئلة المطروحة وتعقدها وتشابك وتعدد مشمولاتها وأبعادها ودلالتها المعرفية والسوسيولوجية[3].
3 – إذا كانت سيرورة إنتاج المعرفة في العلوم الاجتماعية بالذات –نظرا لطبيعة ودينامية وخصوصية الظاهرة الاجتماعية- لا تفضي، بالضرورة، إلى التوصل إلى معرفة علمية مدققة، قارة ونهائية بالواقع المبحوث موضوع هذه المعرفة، كما هي الحال في مجال العلوم الدقيقة، وأن أقصى ما هو ممكن التوصل إليه في هذا المجال هو إنتاج أو بناء معرفة نسبية بهذا الواقع، أو بالأحرى تشكيل خطاطات أو شبكات معرفية لقراءة وفهم وتفسير وتأويل الواقع الاجتماعي موضوع النظر والتساؤل والبحث، نقول: إذا أدخلنا في الاعتبار هذا المعطى المعرفي-الإبستمولوجي الهام، تبدت لنا جسامة المهام الفكرية والتاريخية المطروحة على هذه الندوة، وفي هذه الظرفية السوسيوتاريخية بالذات.
ذلك أن تسارع وتائر التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية في المغرب المعاصر، وتعدد وتشابك عواملها الذاتية والموضوعية، الداخلية والخارجية، واتساع امتداداتها إلى مكونات مجتمعية متباينة: بنيات وهياكل ومؤسسات وقيما سوسيوثقافية وأطرافا فاعلة..إلخ. كل هذا جعل من الصعب امتلاك الاقتدار العلمي الكافي للإمساك بزمام هذه التحولات والإلمام بأسبابها ومظاهرها وآفاقها ومستتبعاتها.. وبالتالي إنتاج معرفة بها مدققة ومتسمة بما يكفي من المصداقية والثبات العلمي، ولو في حدود نسبية المعرفة المتواضع عليها في ميادين العلوم الاجتماعية والإنسانية بشكل عام[4].
إن "الثقافة النقدية الجديدة" التي نسعى دوما إلى المساهمة في تأسيسها وتأصيلها في سياقنا الاجتماعي والحضاري، هي، بالأساس، "ثقافة السؤال/الأسئلة" التي تنطلق من الاعتراف بنسبية ومحدودية المعرفة، ومن نقد إبستمولوجي وتاريخي لنقيضها: "ثقافة الأجوبة الجاهزة"، المهيمنة عندنا على الكثير من التصورات، والقناعات، وأنماط الفكر والسلوك، مكرسة بذلك قولبة التفكير، وتحنيط القيم والرموز والمعايير، وتنميط مختلف أشكال الوعي بالواقع وطرائق فهمه والفعل فيه. وهو وضع ساهم –إلى جانب عوامل أخرى مختلفة- في الزج بمجتمعاتنا العربية والثالثية عموما في دوامة تكرار التجارب المجهضة، المعيدة لإنتاج التبعية والتخلف، ولأوضاع الدوران في الحلقات المفرغة[5].
ضمن هذا السياق الإشكالي العام تحاول هذه المداخلة/المساهمة أن تبحث لها عن موضع ودور، وأيضا عن مبرر وجود. وذلك بتناولها لسؤال نوعي خطير، ألا وهو سؤال الإصلاح التربوي في المغرب المعاصر. سؤال نسعى، من خلال طرحه، إلى تناول نقدي لأبرز رؤى وتصورات ومضامين ومستتبعات ما أصبح يروج في مجتمعنا من خطابات حول الأزمة التي يعرفها حاليا نظامنا التربوي-التكويني، وكذلك حول الإصلاح الذي يراد له أن يتجاوز هذه الأزمة بتقديمه للحلول والبدائل الممكنة لها.
المبحث الأول: عن المسألة التربوية في المغرب المعاصر: بين أزمة الواقع وأزمة الخطاب.
لعل تحليلا مركزا لأزمة المنظومة التربوية الراهنة بالمغرب يتطلب منا، ضرورة، إلماما مركزا أيضا بهذه الأزمة: مفهوما وخطابا واستتباعات.
1 – في مفهوم الأزمة: من التصور التقنوي إلى المنظور الشمولي: بعيدا عن الدخول في تفصيلات تتعلق بإجرائية المفهوم أو لاإجرائيته، وبمستوى صلاحيته الاستعمالية، فإن ما هو ملاحظ على جل الخطابات التربوية والاجتماعية والسياسية المروجة له هو ما يعتورها من تبسيطية في الطرح واختزالية في المنظور. فأزمة النظام التربوي، التي تعنينا هنا تحديدا، تصبح، وفق هذا المنظور، مجرد "اختلالات وظيفية" و"تعثرات في المسار"، تساهم في إنتاجها واستفحالها أسباب مادية "تقنية"، من قبيل مشكلة التمويل، ونقص الأطر، وهشاشة البنيات التحتية الضرورية، وهزالة الدعم اللوجيستيكي البيداغوجي والتدبيري اللازم، وإكراهات النمو الديموغرافي في مقابل ضعف القدرة الاستيعابية للنظام.
والواقع أن في هذا التشخيص للأزمة اختزالا متعسفا لها، يحولها من أزمة اجتماعية شمولية متعددة الأبعاد والمدلولات والعوامل إلى مجرد "عطب تقني" بالغ التبسيط. وهو طرح يحيل، على مستوى مرجعيته الفكرية، إلى نزعة "اختبارية: Empirisme" ضيقة الرؤية، لا تنحصر فقط في بعض تصورات وتحليلات ومواقف بعض فاعلي وأجهزة ونخب القطاع البيروقراطي-الإداري في مجتمعنا، بل تمتد مفعولاتها لتطال فعاليات وأجهزة أخرى مثقفية وبحثية وسياسية واجتماعية متعددة الاهتمام والمواقع والانتماء[6]. في حين نجد أن هذه الأزمة المعينة هنا يتعذر الإمساك بها علميا في غياب ربطها بتاريخيتها، بجذور منطلقها منذ المرحلة الكولونيالية وما تلاها، وبسيرورة تطورها وتنامي مكوناتها وعناصرها، وأيضا بما آلت إليه في اللحظة الراهنة بكل مشكلاتها وضغوطها وتحدياتها الفكرية والسياسية والاجتماعية ذات الطابع المأزمي العام. ولعل في هذا "التشخيص التقنوي" للأزمة التربوية، بل والاجتماعية بشكل عام، يكمن أحد أهم وأخطر أسباب فشل التجارب والتخطيطات والإصلاحات التربوية والاجتماعية التي عرفها المغرب منذ الاستقلال إلى الآن. فكانت تجربة التخطيط للتنمية في المغرب –حسب نتائج بعض البحوث- مسيرة لإنتاج وإعادة إنتاج "مخططات بلا تنمية" اقتصادية وبشرية واجتماعية ناجعة، شاملة ومستديمة7][. الأمر الذي أدى إلى تفاقم وتوالد الأزمات على صعد ومستويات مختلفة، كما أدى، بالاستتباع، إلى إفراز خطابات متعددة الإحالات والأنماط حول هذا الوضع المأزوم، تحاول فهمه وتأويله والتنظير له.
2 – في انسداد أفق الخطاب الأزموي: من التوصيف إلى التأزم:
لم تكن الأزمة التربوية في المغرب، كما أسلفنا، ظرفية عابرة، أو وليدة منعطف تاريخي خاص، أو قطاعية محدودة، أو تقنية يرتهن تجاوزها بتوفير شروط وإمكانات مادية معينة، وإنما هي جزء من كل مركب، من أزمة اجتماعية بنيوية شمولية كان من بين عوامل إنتاجها في المغرب المستقل ما يلي:
أ – غياب مرجعية فكرية واجتماعية موجهة يمكن الانطلاق منها لبلورة فلسفة أو سياسة تربوية متكاملة واضحة المعالم والأهداف، مستجيبة للحاجات والمطالب الحقيقية للمجتمع، متساوقة مع مستجدات التغير والتحول في شتى أبعادها الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية الشاملة.
ب – ثقل الإرث السوسيوتاريخي والسياسي لمرحلة ما بعد الاستقلال، المتمثل فيما تراكم خلال تطورات المغرب، على امتداد هذه المرحلة وحتى الآن، من مشكلات ومآزق، من بين أهمها ما مارسته الدولة –بكل زبنائها وأجهزتها ومرتكزاتها وامتداداتها- من عنف مادي ورمزي على المجتمع، ومن قمعه وإقصاء عناصره الفاعلة أو تهميشها، ومن محاصرة ممنهجة لجل صبوات ومحاولات الخلق والتجديد والإصلاح والتغيير، مما ساهم في تفاقم سوء تدبير الشأن العام، وفي غياب توزيع عادل للخيرات المادية والرمزية، وأيضا للمهام والمناصب والمواقع والأدوار وللسلطة بكل أشكالها السياسية والاجتماعية.. وهو وضع قد أدى، بالتدريج، إلى تنامي بروز نسق قيمي جديد مكرس لـ"ثقافة اجتماعية" جديدة، قائمة على استعظام قيم المال والوجاهة الاجتماعية والسلطة وجاذبية المكانة والمنصب.. وعلى اعتماد آليات لا عقلانية منافية لقيم الحداثة والديمقراطية، مثل الرشوة والمحسوبية والزبونية وعلاقات القرابة والولاءات المختلفة.. وغيرها من القيم الهزيلة المنحطة، والممارسات المنحرفة، التي ساهمت في ترسيخ واقع الفساد، وذلك بتحويله إلى "ثقافة رداءة" شبه معممة، مخترقة للعديد من أصناف التفكير والوجدان ونماذج السلوك، الأمر الذي ضرب في الصميم مجمل عمليات ومشاريع الإنماء التربوي والاقتصادي والاجتماعي الشامل[8].
ج – ينضاف إلى ما سبق ما انخرط فيه المغرب المعاصر –فضلا عن تراكمات وتداعيات الإرث الاستعماري- من تبعية ذيلية لمراكز القرار الغربية المهيمنة على المستوى الدولي، ليس فقط في مجالات التربية والتعليم والتكوين واستثمار رأس المال البشري بشكل عام، وإنما في غيرها من ميادين الاقتصاد والثقافة والاجتماع. وقد أدى هذا الوضع التبعي –في جل مجتمعات العالم الثالث- إلى تعميق الكثير من ظواهر ومظاهر الاستغراب والهجانة على مستويات اقتصادية وتربوية وسوسيوثقافية مختلفة، كما عمل على تمتين أنماط متباينة من أواصر وعلاقات الارتهان بالغرب، توجهات ومصائر ومصالح.. وهو ارتهان نتجت عنه سياسات اقتصادية واجتماعية تابعة مغتربة في غالبيتها. ولذا فقد عملت على تشويه الواقع أكثر مما ساهمت في إصلاحه وتحديثه وتنميته. ولعل مما يؤكد هذا المعطى هو ما أخذ به المغرب، منذ مستهل الثمانينات (1983)، من توجيهات سوسيواقتصادية لـ"برنامج التقويم الهيكلي: P.A.S". ذلك أنه بالرغم مما كان لانتهاج سياسة هذا البرنامج من آثار إيجابية في مضمار تحقق بعض التوازنات المالية والاقتصادية بالذات، فقد كانت له، بالمقابل، كلفة اجتماعية باهضة تمثلت، بالأساس، في تدني مستويات العيش في إطار نهج سياسة تقشفية ضاغطة، وفي تنامي ظاهرة البطالة أمام ضيق آفاق وإمكانات وضمانات التشغيل، ولا سيما تشغيل الكفاءات والأطر المؤهلة من مختلف المستويات، وأيضا في ضعف الخدمات الاجتماعية من تعليم وإسكان وصحة.. وخاصة بالنسبة للفئات والشرائح الاجتماعية الضعيفة والمتوسطة[9].
لقد كانت هذه العوامل مجتمعة –وما تداخل معها من عوامل أخرى لا يتسع المقام في هذه المداخلة المركزة لعرضها ومناقشتها- وراء ظهور خطابات متباينة المصادر والمنتجين والأهداف.. تسعى إلى ترويج أقوال وفهوم وتأويلات للأزمة التربوية والاجتماعية القائمة. كما انخرط في "جوقة" هذا الترويج ساسة ومربون ومثقفون وفاعلون اقتصاديون واجتماعيون ذوو مشارب ومواقع مختلفة. إلا أنه إذا كان بعض هذه الخطابات مبنيا وممنهجا ومتسما بقدر لا يستهان به من الوعي وموضوعية التحليل والتأويل، فإن العديد منها كان، على عكس ذلك تماما، مفتقدا لبعض ما هو مطلوب في المقاربة العلمية من مقومات العمق والموضوعية والوضوح النظري والمنهجي. وهكذا أصبحنا نجد أنفسنا أمام خطابات تراوح مكانها "مقيمة" في وضعية الحديث عن الأزمة واجترار الاعتراف بها وبخطورة آثارها وعواقبها. وذلك حتى من طرف أولئك الذين يحتمل أن يكونوا من أخطر منتجيها، بل وربما من "صناعها وتجارها ومهندسيها" أيضا. وبذلك انتقل بعض هذه الخطابات من مستوى الخطاب الواصف لهذه الأزمة إلى خطاب هو ذاته معاق ومأزوم، وعاجز، بالتالي، عن إنتاج معرفة دقيقة ووعي علمي واجتماعي معمق بهذه الأزمة، وبما يتحكم في إنتاجها وموالاة إنتاجها واستهلاكها واستدامتها من شروط وآليات.. فبدت كما لو كانت "كائنا هلاميا"، أو وضعا غريبا، شاذا، زئبقيا، خفي العناصر والأسباب، عصيا على التحليل والفهم.. ويمكن، في تقديرنا، إرجاع حالة هذا الخطاب/الفكر المأزوم، المستريح لوضع إقامته في أزمته المستقرة، إلى أحد أهم العاملين الآتيين:
ـ إما إلى قصور معرفي علمي، نظري ومنهجي، لدى بعض منتجي هذا الخطاب، كما سبق أن أشرنا إلى ذلك حين انتقادنا لبعض الطروحات والتصورات الاختزالية والتقنوية الشائعة عندنا في الكثير من أنماط التفكير والممارسة التربوية والاجتماعية.
ـ وإما إلى بعض المبيتات والخلفيات السياسية والإيديولوجية التي تكمن بعض أهدافها ومراهناتها في التعتيم على الوضع القائم المأزوم، وفي تزييف الوعي به، بأبعاده ومكوناته.. وذلك باعتماد نماذج مختلفة من أساليب التبسيط، والاختزال، والغموض، والانتقائية في التفكير والتحليل والتعامل مع البشر والقيم والمواقف والأحداث.. مما يلتقي، عمليات وموضوعيا، مع مرامي تاكتيك "التدبير الإيديولوجي للأزمات"، الذي يقتضي التستر القصدي على بعض عناصرها وأسبابها وعواقبها. وذلك حفاظا على بعض مصالح وتوازنات الواقع المتنفذ[10].
وفي الحالتين معا، تساهم هذه الخطابات المأزومة –وسواء بشكل قصدي أو لا قصدي- في إنتاج وإشاعة وعي زائف بالأزمة المعنية، يدركها ويتعامل مع مقتضياتها وإكراهاتها. وذلك في إطار تغييب شبه تام لمجمل الشروط الذاتية والموضوعية التي ساهمت في إنتاجها واستمراريتها. مما يؤكد مشروعية طرح بعض التساؤلات المستفزة: من هم سماسرة وتجار هذه الأزمات التي تعيشها مجتمعاتنا؟ من يستفيد من "ريعها المادي والرمزي"؟ ومن يستثمر شروطها ومستتبعاتها؟ وضمن أي سياق؟ وبالتالي، من استفاد وما يزال من مشاريع وبرامج الإصلاح والتنمية المصوغة على مقاس توجهات ومصالح النخب السياسية والاجتماعية السائدة، والتي ظلت بعيدة كل البعد عن المطالب والحاجات والمصالح الحقيقية للمجتمع؟ .. تلك أسئلة هامة، لا شك أن الإجابة عليها تتطلب مقاما آخر، وسياقا آخر أكثر ملاءمة أيضا.
المبحث الثاني: في مفعولات الأزمة التربوية: من منزلقات التشخيص إلى حصاد المستتبعات.
إذا كان تشخيص الأزمة التربوية –بل والاجتماعية- كما أسلفنا موسوما، في مجمله، بالتبسيطية والاختزالية والتقنوية على مستوى الرؤية والمقاربة، ومحكوما بالقصور المنهجي والمعرفي، أو بالمبيت الإيديولوجي على مستوى الأطر النظرية والاجتماعية المرجعية الموجهة، فقد كان لذلك عواقب وخيمة تجلى أغلبها في استفحال مظاهر الأزمة وتنامي أبعادها وامتداداتها لتطال النسيج المجتمعي برمته. غير أنه، إذا كان من المتعذر أن يتم الإلمام بكل هذه النتائج/المظاهر في مداخلة محدودة في الزمان والهدف كهذه، فلا أقل من أن يتم التركيز على بعض أهم وأبرز وأخطر هذه المستتبعات. ونجمل ذلك فيما يلي:[11]
1 – عجز نظامنا التربوي-التكويني، بكل أنماطه ومستوياته، عن تحقيق الدمقرطة الشاملة للتربية والتعليم والتكوين والمعرفة والثقافة، وما يستتبع ذلك ويشرطه من توزيع غير عادل للرأسمال الرمزي والمادي، وللمهام والمواقع والأدوار وإمكانات الاستفادة والحراك الاقتصادي والاجتماعي. سواء كان ذلك مرتبطا بالفوارق الجنسة أو الجهوية أو الطبقية أو الإثنية أو الاجتماعية الشاملة. مما ساهم في تعميق هذه الفوارق، بل وفي تزييف الوعي بها و"تطبيع" التعامل معها وفق منطق جبري ينظر إليها، ويكاد يتقبلها، كما لو كانت قدرا محتوما، أو واقعا "طبيعيا" لا فكاك منه. وعلى الرغم مما تحقق من تقدم نسبي في مجال تعميم التعليم وتوحيده ومغربته أساسا، فإن ذلك لم يكن في مستوى ما علق من آمال تنموية على القطاع التربوي بالذات، وما رفع بشأنه من شعارات أو "مبادئ" منذ مستهل الاستقلال إلى الآن، مثل المبادئ التي أريد لها أن تشكل، في أفق المغرب المستقل، "مذهبية جديدة ووطنية للتربية والتعليم"، ألا وهي: "التعميم والتوحيد والمغربة والتغريب".
2 – تنامي حدة انفصال نظام التربية والتكوين في مجتمعنا عن محيطه الاقتصادي والثقافي والاجتماعي العام. سواء فيما يتعلق بالمضامين أو القيم أو العلاقات والتبادلات أو بمجموع آليات وشروط الاشتغال. غير أن هذا الوضع التأزمي لا تعود أسبابه إلى النظام التربوي وحده –كما يروج لذلك بعض الخطابات التبسيطية الضيقة- بل تعود إلى المحيط الاجتماعي ذاته، بكل مكوناته. ذلك أنه ما يزال بدوره مخترقا بالعديد من القيم والآليات والمعايير.. اللاعقلانية، مما يتطلب إعادة تأهيله وتنظيمه ومأسسته بشكل عقلاني يمكنه من امتلاك القدرة على تحقيق الانفتاح الإيجابي المطلوب على نظم التربية والتعليم والتكوين، والتكامل معها، والتبادل معها بشكل أكثر إنتاجية وفاعلية. وهي شروط ومواصفات مطلوبة، بالمقابل، من هذه النظم ذاتها، بهدف تخطي أزمتها الحالية. ويصدق هذا التوصيف عموما –مع مراعاة بعض الاختلافات النوعية- على كل مستويات التربية والتعليم والتكوين، بدءا من الروض والمدرسة الأساسية، وصولا إلى مؤسسات التكوين، ثم التعليم الجامعي والعالي بجميع أصنافه. وسواء كان الأمر يتعلق بالقطاع العمومي التابع للدولة، أو بالقطاع الخاص الآخذ في التنوع والتنامي بأكبر سرعة –مجاراة لتيار الخوصصة اللاهت والجارف- وأحيانا بلا عدة مسطرية وتنظيمية مقننة وموجهة لأهدافه وغاياته التربوية والاجتماعية، التي ينبغي أن تتكامل وتتساوق مع الأهداف والغايات الكبرى –وليست النوعية الخاصة- لنظيره العمومي[12].
3 – وقد ترتب على كل ما سبق مستتبعات خطيرة عبر عنها انفجار عدة مشكلات اجتماعية. فنظرا لضعف المردودية أو الكفاية الداخلية والخارجية للنظام التربوي في إطار شروط اشتغاله المأزومة تفاقمت مشكلة الأمية بكل أصنافها ومستوياتها، وتعمقت الفوارق والفرص اللامتكافئة بين الوسط الحضري والوسط القروي، الذي تضاعفت هامشيته التربوية والاجتماعية، وكذلك بين الجنسين في اتجاه تكريس حرمان المرأة –وخاصة في الوسط القروي، وفي الأوساط والفئات المستضعفة- من الكثير من حقوقها وحظوظها التعليمية والاجتماعية. وذلك في غياب منظور شمولي وديمقراطي لـ"المواطنة" في مجتمعنا[13].
ونتيجة لضعف المردودية الخارجية أيضا للنظام التربوي، أو المتجلية في عدم قدرته على الاستجابة المتوازنة لمتطلبات محيطه السوسيواقتصادي، الموسوم بدوره بضعف قدرته على التكامل مع النظام التربوي واستيعاب مجمل مخرجاته واستثمارها وفق تخطيط تشاركي عقلاني موجه، وهادف..، فقد استفحلت ظاهرة البطالة في العقدين الأخيرين لتشمل أعدادا هائلة من الشباب المتعلم ذي المؤهلات المهنية والتعليمية والتكوينية المختلفة المستويات والأنماط. وهو وضع أدى، استباعا –وبالتفاعل مع أوضاع وعوامل أخرى متباينة- إلى تنامي ظاهرة الهجرة بمختلف أشكالها، ولا سيما هجرة الكفاءات الشبابية المؤهلة، والتي نحن أحوج ما نكون إليها الآن في بناء الذات ورفد عملية التنمية الشاملة[14].
في إطار هذه الشروط التأزمية مجتمعة تدهورت صورة ومكانة ووظيفة المؤسسة التربوية في الوعي العام. وذلك نظرا لما افتقدته مما كان لها من دور هام في تأمين الحراك السوسيواقتصادي والصعود المراتبي بالنسبة لشرائح اجتماعية هامة من المواطنين. وقد كان لهذا الوضع نتائج سلبية على مستويات متعددة، نجمل أهمها فيما يلي:
أ – فعلى المستوى البيداغوجي والتربوي عموما تراجع ما كان للفاعلين التربويين في المدرسة والجامعة من معنويات وحماس وحافزية للعمل والإنتاج والإبداع والتفاعل الإيجابي وارتياد المبادرة الفردية والجماعية.. وساد المؤسسات التربوية مناخ نفسي مشحون بالكثير من حالات التضايق والتذمر والاختناق.. فقد فيه التلاميذ مقدراتهم الطبيعية وحوافزهم السيكوسوسيولوجية على التحصيل الجيد المتوازن، وارتبك فيه المدرسون والإداريون في كيفية تجاوز ما انحدرت إليه العلاقات التربوية من أوضاع مهترئة، ومن فوضى منافية، من جهة، لشروط ومقتضيات "المأسسة" المعقلنة المنظمة والهادفة للممارسة التربوية، ومتناقضة، من جهة أخرى، مع قيم وأخلاقيات هذه الممارسة. وهكذا انشغل جل هؤلاء الفاعلين بـ"تدبير شكلي" لمشكلات اليومي دون أي اقتدار ذاتي أو موضوعي على حل الأزمة القائمة وتجاوزها. وهو واقع جعل المؤسسة التربوية، بل علاقاتها وآليات اشتغالها، تكاد تصبح جسدا بلا روح، وشكلا فارغا بلا مضمون[15].
ب – وعلى المستوى الاقتصادي، وفي إطار ظروف عجز النسيج الاقتصادي والإنتاجي عن استيعاب وتشغيل مخرجات نظام التربية والتعليم والتكوين، أصبح ينظر إلى المدرسة والجامعة، بل وكل مؤسسات التعليم والتكوين، على أنها آلات لإنتاج وتفريخ العاطلين المهمشين، وخاصة في ظل غياب سياسات تكوينية وإدماجية وتشغيلية واقتصادية.. متفاعلة ومتكاملة. وغدا حقل التعليم والتكوين –نظرا لما يستلزمه من إمكانات تمويلية ثقيلة العبء بالنسبة للدولة والأسرة أيضا، مقابل مردودية هزيلة- يتم تقييمه من طرف العديد من المواطنين والفاعلين الاقتصاديين والمؤسسات، بل ومن طرف بعض المسؤولين أيضا، على أنه حقل استهلاكي "بامتياز" لا تناسب تماما بين كلفته العالية وأدائه المختل الضعيف[16].
ج – أما على المستوى السوسيوثقافي فقد ساهم هذا الوضع، كما أسلفنا –في إطار تفاعله مع عدة عوامل متشابكة ومعقدة: سياسية واقتصادية واجتماعية..- في تدعيم هيمنة متصاعدة لمنظومة قيمية جديدة قائمة على تبخيس قيمة وقيم العلم والتعليم والتكوين والمعرفة والبحث العلمي والعمل الثقافي والسياسي، بل والاجتماعي عامة. وذلك في مقابل استعظام قيم وسلوكات مناقضة للعقلانية والأخلاق والمواطنية.. كما سبقت الإشارة إلى ذلك. مما أدى إلى أن يفقد المدرس والمربي والباحث والمثقف والمناضل السياسي والاجتماعي قيمتهم ومكانتهم المادية والاعتبارية. وذلك لفائدة بروز وتصدر نماذج بشرية أخرى تتخذ من "النسق الثقافي الجديد" عدتها الوظيفية في التفكير والتعامل، مكرسة بذلك واقع الرداءة الثقافية والاجتماعية المتنامية الذيوع والانتشار، واقتحام مجالات وممارسات اجتماعية متعددة[17].
4 – غير أن من أخطر عواقب أزمة نظام التربية والتكوين بالمغرب المعاصر هو أنه، بالرغم مما بذل من جهود لتطوير وإنماء القطاع التربوي منذ الاستقلال حتى الآن –وهي جهود لا يمكن نكران بعض جوانبها وآثارها الإيجابية بالمرة- فإنه لم يتم حتى الآن تحقيق "مشروع المدرسة الوطنية" الموحدة، لغة ومضامين ثقافية وفضاءات تبادلية وآليات اشتغال..، والمندمجة في محيطها السوسيوثقافي الشامل، والمعبرة عن مقومات "الإنسية أو الهوية" الوطنية، المستمدة لخصوصيتها من جذور التاريخي الوطني والقومي، ومن القيم الثقافية والعقدية للحضارة العربية الإسلامية في أبعادها الخصوصية والكونية. وبدت المدرسة المغربية الحالية، رغم ما عرفته من عناصر التطوير والتجديد، وكأنها "متخلفة" حتى عن الاستجابة للمبادئ "القديمة" لما سمي، في مستهل الاستقلال، بـ"المذهبية الجديدة للتعليم"، والتي سبقت الإشارة إليها. وغير خاف ما لأزمة "هوية" النظام التعليمي والتربوي هذه من تأثيرات سلبية على سيرورة بناء الإنسان/الفرد، وتكوين "المواطن". وذلك وفق ما تقتضيه "ثقافة المواطنة/المواطنية" من شروط ومواصفات وقيم محلية وكونية رافدة للوحدة، منفتحة على ثقافة التعدد والاختلاف[18].
هكذا إذن، وبفعل تأثير هذه الشروط والعوامل كلها في تعددها وتعقدها وتداخلاتها البنيوية، أصبح نظام التربية والتكوين بالمغرب المعاصر –ويمكن تعميم ذلك، ضمن بعض الحدود، على جل مجتمعات الوطن العربي والعالمي الثالث بشكل عام- نظاما مأزوما، عاجزا عن أن يشكل، كما في المجتمعات المتقدمة، الدعامة المحورية للتنمية الشاملة المستديمة. الأمر الذي جعل سؤال الإصلاح التربوي مطروحا بحدة كبيرة، وعلى أكثر من صعيد. غير أننا سوف لن نهتم في هذه المساهمة بالذات، نظرا لظرفيتها ومحدوديتها المعلنة، بكل ما أصبح يروجه الخطاب التربوي الإصلاحي الجديد من مفاهيم ومرجعيات نظرية وتصورات ونماذج للتجديد والتحديث والإصلاح.. وإنما ما يهمنا هنا، بالتحديد، هو مفهوم الإصلاح ذاته. وذلك في محاولة مركزة لمقاربة بعض أهم شروط ومستلزمات الإصلاح التربوي المنشود، فكرة وآليات تفعيل وإنجاز[19].
المبحث الثالث: المشروع الإصلاحي التربوي بين شروط التأسيس ومطالب التفعيل: أهمية تجديد المساءلة النقدية.
لعل من بين أهم الأسئلة، التي تنبثق عن سؤال الإصلاح التربوي في مضمونه العام، سؤالا، محوريا فرعيا دالا هو: هل الإصلاح التربوي الذي نسعى إليه في الظرفية الراهنة لمجتمعنا مجرد حاجة من جملة المطالب والحاجات التي تبرز عبر تساوقها مع بعض المتغيرات والمستجدات الطارئة، والتي يتطلب تحقيقها بذل بعض الجهود، وتعديل بعض الاختلالات، وإقامة بعض التوازنات الممكنة..؟ أم أن هذا الإصلاح المنشود هو أكبر من ذلك وأعمق، أي أنه ضرورة سوسيوحضارية لا تتطلب فقط مجرد الترميم والترقيع و"إصلاح" بعض الأعطاب التي تلحق هذا المكون أو ذلك من مكونات نظام التربية والتكوين.. وإنما تتطلب إعادة البناء والهيكلة والتأسيس لهذا النظام بكامله..؟ ولعلنا لا نجانب الصواب إذا قلنا: إن الشق الثاني من هذا السؤال المزدوج يتضمن جزءا من الجواب المروم.
وهكذا فإن من أوجب شروط طرح سؤال الأزمة وسؤال الإصلاح التربوي شرط شمولية المنظور والمقاربة. فكما أن الأزمة التربوية المعنية هي، كما أسلفنا، أزمة متسمة بالاستفحال والاستيطان، وأنها أزمة شمولية لا ظرفية عابرة، بل هي أزمة بنيات وهياكل ومؤسسات وتوجهات فكرية واجتماعية واختيارات سياسية وإيديولوجية.. فإن مشروع الإصلاح، الذي ينتظر منه التوفر على شروط وإمكانات تخطي وتجاوز هذه الأزمة، يفترض فيه بدوره تحقيق شرط الشمولية الآنف. وهذا يقتضي ضرورة إقامة الفكر التربوي الإصلاحي الجديد، الذي ندعو إليه، على أساس وعي نقدي يجنبه الوقوع في منزلقات الطروحات الاختزالية والتبسيطية المتسرعة. فما هي، إذن حسب توجهات هذا الوعي النقدي، أهم شروط تأسيس المشروع الإصلاحي التربوي المنشود وما هي، تبعا لذلك، أهم مستلزمات تفعيله وأجرأته لبلورته عمليا على أرض الواقع المتعين؟ ذلك ما سنحاول أن نلم منه، فيما يلي، بما هو دال ومعبر:[20]
1 – المشروع الإصلاح التربوي: في بعض أهم شروط التأسيس
لقد حاولنا، في غير هذا المقام، مقاربة هذه الشروط بشكل موسع ومفصل قدر الإمكان. إلا أنه، ولاعتبار منهجي محض يتعلق بحدود هذه المداخلة، فإننا نقترح التركيز، من بين هذه الشروط، على ما يلي:
أ – ضرورة بناء أي مشروع إصلاحي، تربوي أو اجتماعي معين، على المعرفة العلمية الدقيقة بالواقع المستهدف من الإصلاح، وهو أمر يتطلب اعتماد البحوث العلمية الموفرة لهذه المعرفة المطلوبة. وذلك مثل بحوث الاستكشاف والتشخيص، وبحوث التدخل والتطوير، ثم بحوث المتابعة والتقويم. فهذه المعرفة العلمية هي وحدها الكفيلة باختصار الزمن، وضبط وتوفير المعطيات اللازمة، وتقليص هامش الأخطاء، وتحصين مختلف المشاريع وأنماط التخطيطات والبرمجة.. ومنحها القدرة على التحكم في الواقع، وتجنيبها الوقوع في الاعتباط والأهوائية وتكرار التجارب والمحاولات.. بلا عدة معرفية موجهة. وهنا تتضح أهمية توفر سياسة مرشدة وهادفة للبحث العلمي مندمجة في محيطها الاجتماعي الشامل[21].
ب – حتمية التوفر على فلسفة اجتماعية وتربوية شمولية واضحة الغايات والمعالم والتوجهات، على أساسها تقام السياسات التربوية، وتوضع التخطيطات والبرامج ومشاريع التجديد والإصلاح. غير أن مجتمعاتنا العربية والثالثية، نظرا لما تعيشه من تبعية وتخلف، ومن ارتهان في توجهاتها ومصائرها لمصادر القرار الأجنبية المهيمنة، ونظرا لطبيعة الدولة القائمة فيها، بمؤسساتها وبنخبها وإيديولوجياتها..، وافتقادها للكثير من معايير الشرعية ومقومات التجذر في الواقع الاجتماعي..، فإن مجتمعاتنا هذه لم تتمكن، في إطار هذه الاشتراطات، من بلورة تلك الفلسفة التربوية والاجتماعية المنشودة، كما لم تتمكن بالتالي من إنضاج مشروع مجتمعي منسجم ومتكامل الأهداف والمكونات واضح المعالم والتوجهات، تندرج وتتأطر ضمنه كل المشاريع الفرعية والقطاعية الأخرى، كما هو الشأن بالنسبة للمجتمعات الغربية المتقدمة. هذا مع التذكير بأن أي مشروع مجتمعي، مهما كان مستوى نضجه الفكري والاجتماعي والحضاري، فإنه يظل دوما دون بلوغ الإطلاقية والاكتمال، بل موسوما بالنسبية، وبكونه مواصلة اجتماعية وسيرورة بناء واكتمال تشرطها خصوصيات المجتمع المعني والمحدد في الزمان والفضاء[22].
ج – اعتماد النظرة الشمولية لا التجزيئية أو الظرفية للإصلاح واعتبار الإصلاح التربوي بالذات جزءا لا يتجزأ من مشروع إصلاحي شمولي مندمج، تتوازى وتتكامل فيه مختلف المسارات: السياسي منها والاقتصادي والثقافي والاجتماعي العام، ليصبح إصلاحا متعدد المسارات والجوانب ناظما للكل المجتمعي. غير أن هذه النظرة الشمولية ينبغي ألا يفهم منها أي إلغاء لما يمكن أن يتم التوافق حوله، في ظرفيات معينة من تحديد لبعض الأولويات، ووضع سلم تراتبي لتفاضلها، أو جدول زمني لبرمجة إنجازها وفق عملية تخطيط عقلاني ممنهج وهادف[23].
د – ضرورة التوفر على رؤية متكاملة، واضحة وهادفة لـ"الإنسان/الفرد/المواطن" الذي يراد تكوينه عبر أنظمة التربية والتعليم والتكوين. وذلك باعتباره رأسمالا بشريا يعد الاستثمار فيه أغلى وأرقى أنماط الاستثمارات كلها، بدونه تفقد الكثير من قيمتها وآثارها ودلالاتها، ولأنه الرأسمال البشري-الاجتماعي الذي يفترض فيه أن يستثمر في ذاته وفي بقية الرساميل الأخرى، مادية كانت أو معنوية. وهكذا فعن طريق تكوين وتأهيل العنصر البشري ضمن توجهات تربوية واضحة، مبنية على سياسات رشيدة للتخطيط، وعلى أساليب ومنهجيات علمية منظمة للإعلام والتوجيه المدرسي والمهني والجامعي، الهادفة إلى وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب..، يتم التأسيس الواعي للتنمية الاجتماعية بما هي، في مضمونها وغاياتها، تنمية بشرية بالأساس، فاعلها المحوري وضامن تواصلها واستدامتها هو الإنسان ذاته[24].
إلا أن مما نزال نعاني منه، في جل مجتمعاتنا العربية والثالثة، هو غياب هذه النظرة للإنسان. وفي ضبابية الإجابة على السؤال الإشكالي الهام: أي إنسان نريد؟ وقع تفويت العديد من فرص التنمية، وتضييع الكثير من مشاريع وعمليات التحديث السياسي والاقتصادي والتربوي والثقافي والاجتماعي الشامل. الأمر الذي تعمق معه واقع الرداءة والفساد، بل "ثقافة الفساد"، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
هـ – أهمية جعل المشروع التربوي أس المشروع الاجتماعي ومحوره المركزي. وليس هذا مجرد مطلب أو طموح، ولكنه أيضا معطى موضوعي مستفاد من دروس التاريخ وتجارب المجتمعات المتقدمة، التي جعلت من مشاريعها التربوية-التكوينية أولوية الأولويات، فكان ذلك أهم عامل في إقلاعها ورقيها وتصدرها الحضاري[25].
و – "ولعل من أخطر القضايا التي نريد لهذه المساهمة أن تظل مفتوحة على تداولها والتحاور بشأنها هي أن سؤال الإصلاح التربوي لم يعد، في المجتمعات المتقدمة، مقتصرا على الحاضر بهدف تجاوز أزماته ومشكلاته المجتمعية والحضارية، إذ هي متحكمة فيه بشكل كبير: توجهات وهياكل وآليات اشتغال وتغير.. وإنما أصبح سؤال الإصلاح عندها متمحورا حول استباق استشرافي للمستقبل، وبلورته بدءا من الحاضر المعيش. أي جعل مآلاتها وتحولاتها موضوعا للتغيير المخطط المعقلن والموجه وفق حاجاتها ومطالبها الآنية والمتوقعة. إن هذا المعطى بالذات هو ما أصبحت تعبر عنه، في الخطاب التربوي المعاصر، مفاهيم دالة مثل: تربية المستقبل، أو التربية المستقبلية أو التربية للمستقبل، أو التربية من أجل/أو لمواجهة التغير الاجتماعي، أو استراتيجية التغيير التربوي المخطط.."[26] ولذا فإنه ينبغي النظر إلى أي مشروع إصلاحي على أنه سيرورة متواصلة في الزمان والمكان، وليس مجرد عملية محدودة تنجز دفعة واحدة لتنتهي بانتهاء ظرفيتها وشروطها وبواعثها..
هذه بعض الشروط التي سقناها بهدف التذكير لا الحصر، والتي نرى أن توفرها كفيل ببلورة مشروع إصلاح تربوي متكامل. إلا أن هذا المشروع لا يمكن أن يتحقق له الانتقال الإيجابي من المستوى النظري التصوري إلى المستوى العملي الملموس إلا إذا توفرت له أيضا جملة من المستلزمات الضرورة القمينة بتفعيل مقتضياته ومنحها قابلية التطبيق والإنجاز. فما هي، إذن، هذه المستلزمات؟
2 – حول بعض مستلزمات تفعيل المشروع الإصلاحي التربوي:
يؤكد العديد من الأدبيات، المتعلقة تحديدا بقضايا التخطيط والتدبير، على فكرة محورية مفادها أن أساليب إدارة وتدبير مختلف قطاعات ودواليب الشأن العام تعد مسألة سوسيوثقافية –بالمفهوم السوسيوأنتروبولوجي للثقافة- أي أنها مرتبطة بالثقافة السائدة في المجتمع المعني، أي بمختلف الرموز والمعايير والعقليات ورؤى العالم وجماع القيم والتصورات والعادات والأعراف الموجهة للفكر والسلوك.. سواء بالنسبة للأفراد أو الجماعات أو المؤسسات.. غير أن مما تؤكد عليه هذه الأدبيات أيضا أن الخطابات التدبيرية الحديثة قد أصبحت تلح على اعتماد مجموعة من الآليات والمعايير في إدارة الشأن العام، وفي تدبير مشاريع التخطيط والإنماء، مما أخذ يحتل في خطاب "الثقافة الكونية الجديدة" مكانة محورية يتنامى تعميمها على كافة السياقات الاجتماعية عبر عولمة هذه الثقافة ونشرها. ومن أبرز وأهم هذه الآليات والمعايير من المفيد أن نركز على ما يلي:[27]
أ – اعتماد الشراكة التوافقية الديمقراطية في وضع السياسات والخطط والمشاريع والبرامج، سواء كانت تربوية أو اجتماعية عامة. وفي هذا السياق بالذات برز مفهوم "التخطيط التشاركي: Planification participative "، الذي يقوم على مبدإ المشاركة الفاعلة لكل الفاعلين والفعاليات والأطراف التي ينبغي أن يكون لها دور ما في بلورة أو تنفيذ مشروع معين. مع العلم بأنه يجب أن تحدد لهذه المشاركة/الشراكة: Participation/ Partenariat شروطها ومهامها وأدوارها. وذلك ضمن استراتيجية واضحة المعالم، متكاملة الأهداف والتوجهات والرهانات..[28].
ب – انتهاج سياسة جهوية قائمة على اللامركزية واللاتمركز، وذلك على اعتبار أن هذه السياسة قد غدت، في السياق الكوني المعاصر، من بين أهم الآليات العقلانية والديمقراطية في استصدار وصنع وتصريف القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في مختلف أنماطه ومستوياته. وإذا استحضرنا هنا بعض الخصوصيات الجهوية في المغرب، وما تتطلبه –في الحقل التربوي على سبيل المثال- من مقاربة نوعية وخاصة للمسألة التربوية بكل أبعادها ومشكلاتها ومكوناتها التي تشرطها إلى حد كبير مقومات وخصوصيات الجهة المعنية.. أدركنا ما لاعتماد المقاربة الجهوية من دور هام وحاسم. غير أن ذلك يجب أن يتم، ضرورة، ضمن المنظور الوطني الشمولي الذي يتكامل فيه بشكل متناغم كل من العام والخاص، والكلي والجزئي، والوطني والجهوي..، منظور عقلاني وديمقراطي يكرس جدلية الوحدة والتعدد، والتماثل والاختلاف.. مما يزال في مجتمعاتنا في حاجة إلى بذل المزيد من الجهود لإنضاجه وتحويله إلى ثقافة وسلوك[29].
ج – الفعالية في الأداء والإنجاز: وذلك بالاستعمال الممنهج والهادف للأساليب والتقنيات الحديثة المتطورة في عمليات برمجة وتنفيذ الخطط والمشاريع.. مثل: برامج المعلوميات، ووسائل الإعلام والاتصال والتواصل، وتقنيات التدقيق والمراقبة، ومنهجيات دراسة الجدوى والمشاريع، ونماذج التقييم المؤسساتي.. إلخ. مما أصبح يشكل عدة تدبيرية لا مناص منها لتحديث القطاعات والمؤسسات الإنتاجية والاجتماعية –ومنها المؤسسات التربوية المختلفة- وإكسابها شروط الاقتدار والكفاءة والاستحقاقية.. التي تستلزمها تحديات التنافسية والجودة وفعالية التدبير، والتبادل محليا وكونيا[30].
د – وحتى تتوفر للمشروع المعني –وهو هنا مشروع الإصلاح التربوي- ظروف ميسرة للتطبيق، يتطلب الأمر توفر هذا المشروع على بعض المستلزمات الضرورية لذلك، والتي من أهمها اتسامه بمواصفات: الموضوعية والواقعية والقابلية للإنجاز. وبالرغم من أن كل مشروع إصلاحي يتضمن، بطبيعته الاستشراقية والتوقعية، بعضا من الحلم والأمل والطموح المستقبلي، فإن ذلك ينبغي أن يظل في حدود المعقولية التي تفرضها المعطيات الموضوعية للواقع المتعين، ودون سقوط في مهاوي المبالغة في رفع بعض الشعارات والمطامح التي لا تستند على أي مضمون واقعي يبررها ويضمن بعض شروط تحويلها إلى واقع متنفذ[31].
هذه، إذن، مجموعة من الشروط والمستلزمات التي يتطلبها بناء وتفعيل مشروع الإصلاح التربوي المطابق Adéquat، المندمج في نسق محيطه الاجتماعي العام، بكل مكوناته ومجالاته الاقتصادية والسياسية والثقافية.. ونحن إذ نعرضها هنا بشكل مركز، مقتصرين منها على ما هو أهم وأكثر دلالة، فإننا نذكر بأن الوعي بها والتعامل معها مسألة تظل، على العموم، مرتهنة بخصوصيات ومكونات وثقافة المجتمع المحدد، كما أسلفنا. إضافة إلى أن عرضنا لها منفصلة ومتراتبة لا يعني النظر إليها على أنها معزولة عن بعضها البعض، أو متفاضلة فيما بينها، وإنما ينبغي فهمها في شموليتها وتفاعلها مع بعضها البعض في إطار جدلية دينامية مسترسلة. وما طريقة العرض آنفة الذكر سوى إجراء منهجي عملي لا يتجاوز حدود هدف التوضيح والتنظيم.
المبحث الرابع: تعقيب عام: سؤال الإصلاح التربوي في عالم متغير: السياق والرهانات.
سبق أن أشرنا إلى أن الإصلاح التربوي، في هذا الزمن العولمي الجديد، قد أضحى ضرورة حضارية شارطة. وذلك لما للتربية والتعليم والتكوين من دور هام في رفد مسارات التنمية البشرية والاجتماعية الشاملة. ولعل من آكد الحيثيات الهامة المدعمة لهذا الطرح ما يلي:
1 – إن من أكبر التحولات التي يعرفها العالم المعاصر –وخاصة في شروط العولمة والنظام الدولي الجديد- ما ينعته ألفين توفلر بـ"تحول السلطة"، أي تحولها من سلطة للمال والثروة والحكم.. إلى "سلطة للمعرفة" قوامها الأساسي امتلاك الاقتدار المعرفي والعلمي والتكنولوجي. ولذا فقد تحولت أساليب وآليات إنتاج وتوزيع واستهلاك وتوظيف المعرفة إلى "صناعة للمعرفة" مخططة وهادفة. ومؤكد أن حقول التربية والتكوين تعد بامتياز –إضافة إلى حقول ومجالات أخرى، كالإعلام والاتصال والمعلوميات..- أهم حقول هذه الصناعة المعرفية. وذلك على اعتبار أن مشاريع التعليم والتكوين قد أصبح ينظر إليها على أنها بمثابة "الهندسة الاجتماعية: Ingénierie sociale"، التي تتحدد وتتراتب فيها، بشكل عقلاني منظم، أنماط الأهداف والأولويات والرهانات..[32].
2 – إن الانخراط بفاعلية وإيجابية في هذا الزمن العولمي الجديد يتطلب توفر المجتمع على شروط امتلاك التأهيل والاستحقاقية والاقتدار المعرفي والتقني لبناء "مجتمع الجدارة: Société de la Méritocratie" القادر على اقتحام تحديات التنافسية والانفتاح الاقتصادي والثقافي والسياسي والحضاري على مكونات النظام الدولي الجديد والتبادل الندي مع أطرافه وتحالفاته.. ولا شك في أن المشروع التربوي-التكويني المخطط والهادف، والممتلك لشروط الجودة والنجاعة.. الآنفة الذكر هو جسر العبور إلى تأسيس هذا المجتمع الحداثي الجديد، مجتمع الجدارة والمعرفية والإنتاجية والانفتاح الفاعل..
3 – ولهذه الاعتبارات كلها، وما دمنا نراهن، في هذه الندوة بالذات، على طرح نقدي واع لأكبر قدر ممكن من أسئلة المغرب المعاصر، بحثا عن آفاق منفتحة للإجابة عليها، وليس عن أجوبة منمطة وجاهزة، فإنه لا بأس من طرح بعض الأسئلة/التساؤلات، ولو على سبيل خلخلة جمودية الإيقاع الروتيني لبعض الطروحات والقناعات والأفكار والوقائع: بأي معنى يصبح انخراط مجتمعنا/مجتمعاتنا في خضم تحديات زمن العولمة أمرا ممكنا ومتاحا ومبررا..؟ هل نملك، بالفعل، من الشروط والمواصفات ما يجعل من هذا الانخراط منتجا وفاعلا..؟ وهل نسير، في توجهاتنا ومشاريعنا وممارساتنا، محليا وكونيا، باتجاه تحقيق ذلك..؟ هل نملك من شروط ومعايير التأهيل والاستحقاقية ما يجعل من هذا الانخراط إراديا قصديا، اختياريا مخططا وهادفا..، أم أن ما نسميه انخراطا أو انفتاحا ليس، في واقع الأمر، سوى حشر إكراهي لنا في أتون هذا الزمن العولمي الغاشم بكل رهاناته وموازين قواه وصراعاته وتحالفاته وقيمه ومصالحه وتوجهاته المكشوفة والمضمرة..؟ وإذا كان هذا الانخراط قد أصبح، ضمن هذه الظرفية الكونية الجديدة، تحديا ضروريا وشرط وجود حضاري، فكيف يمكن تدبيره بحوارية، وفاعلية عقلانية، وانفتاح حضاري واع بذاته وبغيره وبشروطه السوسيوتاريخية المحلية والكونية المحددة..؟ إلى غير ذلك من الأسئلة/التساؤلات التي أصبح يطرحها الآن تسارع التحول في مجتمعاتنا على الفكر والممارسة معا. وإذا كانت حرقة السؤال ليست مبررا معقولا للتلهف على فبركة لأجوبة جاهزة مبتورة وقاصرة.. بقدر ما هي استنهاض استفزازي للتفكير وإيقاظ لعادية ووثوقية بعض القناعات والمواقف والممارسات.. مما ينتظر منه أن يشكل مناخا فكريا واعيا لتوفير الشروط الموضوعية والعلمية لطرح السؤال، ووضع اللبنات المنهجية الضرورية لتأسيس الجواب. ولكن لا على أنه جواب نهائي، قائم على معرفة تامة ونهائية وإنما على أساس اعتباره أفقا يظل دوما موسوما بالنسبية، ومنفتحا على إمكانات التغير والتجدد والاغتناء. إن هذا المسعى هو ما حاولت هذه المساهمة المراهنة على انتهاجه، وهو ما نأمل أن تعمل على تدعيمه والسير فيه كل أعمال هذه الندوة[33].
في سياق هذه الشروط والتحولات كلها تمت صياغة ما يسمى بـ"الميثاق الوطني للتربية والتكوين". وذلك ليشكل أرضية توافقية بين مختلف الفرقاء والأطراف المعينة، ومنطلقا لوضع الدعائم الفكرية والتربوية والاجتماعية الأساسية، القمينة بتطوير وتجديد وإصلاح وتحديث نظام التربية والتكوين بالمغرب، وجعله في مستوى مهام المرحلة وأسئلتها ورهاناتها وتحدياتها الكبرى. والواقع أن قراءة متأنية لبنود ومضامين وتوجهات ومقترحات هذه الوثيقة الهامة، التي تم التوافق عليها ونحن على مشارف قرن جديد[34]، تبرز جدية وموضوعية العديد مما تطرحه من مقترحات التجديد والإصلاح. بل إننا نعتقد أنها تصب –في مجملها- في نفس التوجهات والتصورات الفكرية والسياسية والتربوية والاجتماعية التي عبرت عنها عدة فعاليات وأطراف أخرى مختلفة، حتى قبل صدور هذه الوثيقة ذاتها. وضمن ذلك يمكن إدراج العديد من مساهماتنا ودراساتنا السوسيولوجية والتربوية، التي تم نشرها في غضون العقدين الأخيرين من هذا القرن[35].
وإذا كنا لا نهدف هنا إلى مناقشة مضامين هذا "الميثاق" رغم أهمية ذلك، إذ لم نجعل من ذلك محورا مركزيا لهذه المداخلة بالذات، فإن من أهم ما نود التذكير به في هذا السياق هو ضرورة اعتماد نظرة شمولية ومنفتحة لهذا الميثاق، وعدم اعتباره وصفة جاهزة وناجعة لمعالجة كل أدواء نظامنا التربوي-التكويني، وإصلاح أعطابه، وحل مشكلاته المأزمية دفعة واحدة، وبشكل نهائي تام، وإنما يجب النظر إلى هذه الوثيقة على أنها، كما سبق التنويه بذلك، إطار فكري فلسفي وتربوي واجتماعي مرجعي موجه للنظر والفعل. ولذا فإن هذا الميثاق سيظل، بحكم طبيعته التوجيهية هذه، مشروعا منفتحا دوما على شتى عناصر التطور والتجدد، تنتظمه، باستمرار، جدلية الثابت والمتحول، حسب ما تقتضيه تحديات ومستجدات ومطالب التغير الجديدة[36].
وإذا كان العهد الجديد في المغرب المعاصر، بما اتسم به من الانخراط في تجربة مشروع "التناوب" السياسي على الحكم، كخطوة على مسار تحقيق الديمقراطية المنشودة، وبما تميز به أيضا من انتقال سلس، سلمي ومتحضر للسلطة على مستوى المؤسسة الملكية، نقول: إذا كان هذا العهد الجديد قد ساهم في إطلاق بعض الأسئلة والتساؤلات من عقالها، وفتح آفاقا هامة للتفكير والنقد وبلورة العديد من مشاريع و"مواثيق" الإصلاح والتجديد والتغيير وحسن التدبير، الأمر الذي يمكن اعتباره نقلة نوعية إيجابية يجب الدفع بها إلى الأمام رفدا لمسيرة "الانتقال الديمقراطي" الحقيقي الذي يراد للمغرب الجديد تحقيقه..، فإن التحدي الأكبر المطروح علينا، أفرادا وجماعات ومؤسسات، مجتمعا مدنيا ودولة قائمة، وفي هذه الانعطافة التاريخية الحاسمة من تحول مجتمعنا، لا ينحصر فقط في بلورة المواثيق والخطط والسياسات الإصلاحية والتجديدية رغم أهميتها، وإنما يمتد إلى ما هو أهم وأخطر، وهو ترجمة كل ذلك إلى واقع عملي ناجز، ونقله من مجرد أفكار وخطابات وشعارات إلى إنجاز فعلي ملموس، بل الارتقاء به إلى المستوى الذي يصبح فيه "ثقافة حقيقية للإصلاح والتغيير" أي "إطارا إرشاديا Paradigme" موجها للتفكير والسلوك[37].
"غير أننا نعتقد، استنادا على ما تعلمنا إياه بعض دروس التاريخ، أن التغيير، كأداء إنجازي ملموس، لا تحسم فيه مجرد المواثيق والمشاريع والبرامج والتوجهات الإصلاحية والتحديثية، مهما كان صدق نواياها ومصداقيتها الوطنية والتقدمية، وإنما تحسم فيه، بالإضافة إلى ذلك، أشكال سياسات واستراتيجيات تدبير مختلف جوانب الصراع أو التبادل أو التحاور بين قوى التغيير ومتطلباته وشروطه وعوائقه.. وبين موازين القوى والتوجهات والمصالح والتموضعات السياسية والاجتماعية المختلفة"[38]. إنها إشكالية سوسيولوجية وسياسية متعددة الأبعاد والجوانب، تتجاوز مقاربتها ما رسم لهذه المداخلة من أهداف وحدود. لذا فلنهادنها الآن، ولنترك معالجة معمقة لها أو لبعض جوانبها وإشكالاتها الفرعية إلى محاولة قادمة. مع التذكير بأننا قد قمنا في دراسات أخرى سابقة بمقاربة جزئية لبعض جوانب وأبعاد هذه الإشكالية. إلا أن ذلك قد كان بالقدر الذي يسمح به المقام، وخاضعا للشروط والحدود النظرية والمنهجية التي أطرت تلك الدراسات المعنية.
المراجع:
[1] - تشكل هذه المداخلة صيغة معدلة ومركزة لنص المساهمة التي شاركنا بها في ندوة: "أسئلة المغرب المعاصر"، المنظمة من طرف نادي التواصل بأكادير ومنتدى المواطنة بالدار البيضاء، والمنعقدة في أكادير بتاريخ 26-27-28/ماي/2000.
[2] - مجموعة مؤلفين: التحولات الاجتماعية بالمغرب، نادي طارق بن زياد للدراسات والأبحاث، الرباط، ، 2000. والكتاب عبارة عن ترجمة للعدد الخاص من المجلة الفرنسية مغرب مشرق، عدد 164/1999.
[3] - المقصود هنا هو الندوة المشار إليها آنفا في هامش رقم 1.
[4] - ارجع فيما يتعلق بهذه الإشكالية المعرفية، إلى:
ـ مجموعة مؤلفين (بإشراف أحمد خليفة وسهير لطفي)، إشكالية العلوم الاجتماعية في الوطن العربي، نصوص الأبحاث والمناقشات المقدمة في الندوة السنوية للمركز القومي للبحوث، القاهرة، بتاريخ 26-27-28 فبراير 1983.
-cf. P.Bourdieu : Questions de sociologie, Ed. de Minuit, Paris, 1980.
[5] - حول رؤيتنا النقدية هذه، انظر:
ـ مصطفى محسن، في المسألة التربوية: نحو منظور سوسيولوجي منفتح، شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، الطبعة الأولى، 1992.
[6] - للاطلاع على ما قمنا به من تحليل موسع نسبيا لمفهوم الأزمة، ارجع إلى:
ـ مصطفى محسن: الخطاب الإصلاحي التربوي بين أسئلة الأزمة وتحديات التحول الحضاري: رؤية سوسيولوجية نقدية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، بيروت، الطبعة الأولى، 1999، ص13-25.
[7] - cf. Jamil Salmi : Le Maroc : planification sans développement, Evolution de l’expérience marocaine de planification (1960-1979), Les Eds. Maghrébines, Casablanca, 1978.
[8] - عد، فيما يتعلق بهذه المسألة، إلى:
ـ مصطفى محسن: "سوسيولوجيا الدولة في مجتمعات العالم الثالث.."، مجلة فكر ونقد، ، 28، أبريل 2000.
[9] - انظر، فيما يتعلق بهذه المشكلات الاجتماعية وامتداداتها الراهنة في المغرب:
ـ مجلة نوافذ (مغربية)، المسألة الاجتماعية في المغرب (ملف)، العدد الثالث، يناير 1999، ص5-70.
[10] - نذكر، طلبا للتوضيح، بأن هذا التدبير التاكتيكي المؤدلج واللاعقلاني للأزمات في مجتمعاتنا الثالثية خاصة يختلف تماما عما أصبحت تعتمده المجتمعات المتقدمة من تدبير أو إدارة مخططة أو استراتيجية للأزمات، انظر بشأن هذه المسألة:
ـ مجلة الثقافة العالمية: إدارة الأزمات (ملف)، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، العدد 79، السنة الثالثة عشرة، نوفمبر 1996، ص6-56.
[11] - للتوسع في الاطلاع على هذه العواقب والمآلات، عد إلى:
ـ مصطفى محسن، الخطاب الإصلاحي التربوي… مرجع سابق، ص27-55.
[12] - نفس المرجع السابق، ص38-39.
[13] - نفس المرجع السابق، ص31-35.
[14] - للاطلاع على بعض عناصر تشخيص النظام التربوي-التكويني بالمغرب، انظر:
ـ المجلس الوطني للشباب والمستقبل: أية تربية، أي تكوين، أي تشغيل لمغرب الغد؟ نحو ترابط أفضل بين النظام التربوي والنظام الإنتاجي، الدورة الثالثة، 16 و17 و18 فبراير 1998، ص131-203.
ـ مصطفى محسن، (إدماج الشباب وإشكالية التنمية: دراسة تحليلية ونقدية مقارنة)، في: مجموعة مؤلفين: السكان والتنمية بالمغرب، أشغال المائدة المستديرة الثالثة في مجال التربية السكانية بمشاركة أساتذة التعليم العالي، منشورات وحدة التربية السكانية بكلية علوم التربية بالرباط، الطبعة الأولى، 1997، ص29-56.
[15] - عد، بشأن هذه المسألة، إلى:
ـ مصطفى محسن، (مشروع المؤسسة، والشراكة، وإشكالية تدبير وترشيد الممارسة التربوية)، (حوار من إعداد: نور الدين الطاهري)، مجلة عالم التربية (مغربية)، العدد الخامس، خريف 1997، ص91-09.
[16] - لأخذ فكرة عامة عن بعض مشكلات النظام التعليمي بالمغرب، وخاصة بالنسبة للقطاع العريض منه: التعليم الأساسي بالذات، عد إلى ما يلي، كمجرد نماذج:
ـ البنك الدولي: (تقرير البنك الدولي حول التربية والتكوين في القرن الواحد والعشرين) (المملكة المغربية)، 1995، مجلة عالم التربية، (مغربية)، العدد الأول، 1996، ص131-137.
ـ مجموعة مؤلفين: اتجاهات الإصلاحات التربوية في البلدان المغاربية، أعمال الندوة العربية-الأوروبية حول "هيكلة التعليم الابتدائي والثانوي"، المنعقدة بكلية علوم التربية بالرباط (من 14 إلى 17 أكتوبر 1991)، منشورات كلية علوم التربية، الرباط، 1992.
ـ وزارة التربية الوطنية: تطور المعطيات الكمية للتعليم الأساسي والثانوي، قسم الإحصائيات، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، ماي 1994.
ـ وزارة التربية الوطنية: نحو برنامج وطني لتنمية التعليم الأساسي بالوسط القروي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1993.
ـ وزارة التربية الوطنية: تقرير عن الأيام الدراسية حول تنمية التعليم بالوسط القروي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1993.
ـ وزارة التعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي: الدخول الجامعي بالأرقام، أكتوبر 1996.
-MEN IREDU : Analyse de déterminants de la scolarisation en zones rurales au Maroc, Ed. Dar Nachr Al Maarifa, Rabat, Juin 1993.
-MEN : Enquête par sondage sur la scolarisation des filles dans cinq provinces, Ed. Al Maârifa Al Jadida, Rabat, Mars 1994.
-UNESCO MEN IREDU : L’accès au second cycle de l’enseignement fondamental au Maroc, Rabat, Juin 1997.
[17] - انظر، بصدد هذه المسألة:
ـ سمير نعيم أحمد: "أثر التغيرات البنائية في المجتمع المصري خلال حقبة السبعينات على أنساق القيم الاجتماعية ومستقبل التنمية"، مجلة العلوم الاجتماعية، جامعة الكويت، العدد الأول، السنة الحادية عشرة، آذار-مارس، 1983، ص113-130.
ـ مجموعة مؤلفين: الثقافة والتحولات الاجتماعية، أعمال الندوة المنظمة من طرف كلية الآداب والعلوم الإنسانية 2، الدار البيضاء، (من 16 إلى 19 مارس 1988)، منشورات عكاظ، الرباط، 1989.
[18] - ارجع إلى هذه الدراسات، كمجرد نماذج وأمثلة:
ـ مصطفى محسن: "الواقع والمتخيل في مشروع المدرسة الوطنية بالمغرب: من أجل مقاربة سوسيوتاريخية"، مجلة دراسات عربية، بيروت، العدد 1 السنة 26 نوفمبر 1989، ص44-75.
-François Mariet, Louis Porcher : Apprendre à devenir citoyen à l’école, Ed. ESF, Paris, 1987, pp15-43.
[19] - عد، فيما يتعلق ببعض الأدبيات المهتمة ببعض مفاهيم ومرجعيات التجديد والإصلاح، إلى:
ـ حسن حسين البيلاوي، الإصلاح التربوي في العالم الثالث، سلسلة قضايا تربوية 1، عالم الكتب، القاهرة، 1988.
[20] - ارجع، بغرض التوسع، إلى:
ـ مصطفى محسن، الخطاب الإصلاحي التربوي..، مرجع سابق، ص71-88.
[21] - مصطفى محسن، "البحث العلمي والإصلاحي التربوي: التلازم الضروري"، جريدة الاتحاد الاشتراكي، بتاريخ 23/12/1999.
[22] - انظر، فيما يتعلق بدلالات وأبعاد مفهوم المشروع:
-ROPS : Le projet : un défi nécessaire face à une société sans projet, Laboratoire de recherche opératoire en sciences sociales, Ed. L’Harmattan, Paris, 1992.
[23] - وحول التخطيط التربوي والاجتماعي العام، انظر:
ـ مصطفى محسن، "التخطيط التربوي الاستراتيجي لتنمية الموارد البشرية العربية: عناصر أولية حول المفهوم والأسس وبعض المنطلقات المنهجية"، مجلة دراسات عربية، بيروت، العدد 5-6، السنة 33، آذار-نيسان/مارس-أبريل، 1997، ص33-44.
-A.Waterson : La planification du développement, Ed. Tendances actuelles, Paris, 1974.
[24] - وحول إشكالية التوجيه في المغرب، وبشكل عام، انظر:
ـ المجلس الوطني للشباب والمستقبل: الإعلام والتوجيه في نظام التربية والتكوين، الواقع والآفاق، أشغال اليوم الدراسي الذي نظمه المجلس بالرباط، في تاريخ، (17 ماي 1994)، منشورات المجلس، الرباط، 1994.
-MEKKI MERROUNI : Système d’orientation scolaire et professionnelle et préparation des jeunes à la vie active, publication de la faculté des lettres et des sciences humaines, Rabat, série : Essais et études, n°21, Rabat, 1996.
-J.M.Berthelot : Ecole, orientation, société, Ed.PUF, Paris, 1993.
[25] - يمكن الإشارة، في هذا الشأن، إلى نموذج اليابان وبعض دول آسيا التي سميت بـ"النمور"، إضافة إلى أمريكا وجل المجتمعات الغربية المتقدمة. فلقد كان لتركيز هذه المجتمعات على التعليم والتكوين وتأهيل واستثمار الرأسمال البشري دور حاسم في إقلاعها الاقتصادي والاجتماعي. انظر، كمثال:
ـ إدوارد ر.بوشامب: التربية في اليابان المعاصرة ترجمة د.محمد عبد العليم موسى، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض، دار الهداية للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الثانية، 1986.
[26] - مصطفى محسن، الخطاب الإصلاحي التربوي..، مرجع سابق، ص111.
[27] - ارجع، بصدد هذه الثقافة التدبيرية، إلى:
ـ مصطفى محسن، "في ثقافة تدبير الاختلاف: ملاحظات سوسيولوجية نقدية حول "المسألة الجهوية" وقضايا التنظيم والديمقراطية والتنمية في مجتمعات العالم الثالث، المغرب نموذجا"، مجلة دراسات عربية، بيروت، العدد 5-6، السنة 35، آذار-نيسان/مارس-أبريل، 1999، صص(79-97).
[28]- cf. OCDE : Planification et participation dans l’enseignement, Ed.OCDE, Paris, 1974.
- cf. Collectif : La planification de l’éducation dans le contexte des problèmes du développement, Ed. UNESCO/IIPE, Paris, 1988.
[29] - مصطفى محسن، "في ثقافة تدبير الاختلاف.."، مرجع سابق.
[30] - أتى "الميثاق الوطني للتربية والتكوين" بالعديد من المقترحات التي تؤيد هذه التوجهات التدبيرية، انظر نص هذه الوثيقة في:
ـ المملكة المغربية، اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين: الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الرباط، يناير 2000.
[31] - مصطفى محسن، (التخطيط التربوي الاستراتيجي لتنمية الموارد البشرية العربية)، مرجع سابق.
[32] - حول الثورة المعلوماتية وتأثيراتها الهامة على التعليم وصناعة المعرفة، انظر:
ـ فرانك كيلش: ثورة الأنفوميديا: الوسائط المعلوماتية وكيف تغير عالمنا وحياتك؟، ترجمة حسام الدين زكريا، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، عدد 253، يناير، 2000.
[33] - فيما يتعلق بتحديات العولمة وإكراهاتها، وخاصة بالنسبة لمجتمعاتنا العربية والثالثية، ارجع إلى هذه النماذج من الدراسات:
ـ هانس-بيتمارتين، هارلد شومان: فخ العولمة: الاعتداء على الديموقراطية والرفاهية، ترجمة د.عدنان عباس علي، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، العدد 238، أكتوبر/تشرين الأول، 1998.
ـ مجموعة مؤلفين: العرب والعولمة (أعمال ندوة)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1998.
ـ برتران بادي، ماري-كلود سموتس: انقلاب العالم: سوسيولوجيا المسرح الدولي، ترجمة سوزان خليل، كتاب العالم الثالث، دار العالم الثالث، القاهرة، الطبعة الأولى، 1998.
Samir Amine : Les défis de la mondialisation, Ed. L’Harmattan, Paris, 1996.
[34] - إن قراءة متأنية لبنود هذه الوثيقة وتوجهاتها تظهر أيضا مستوى اهتمام اللجنة التي صاغتها بضرورة تأهيل نظام التربية والتكوين بالمغرب لمواجهة إكراهات وتحديات هذا القرن الجديد. ارجع إلى نص الميثاق الآنف الذكر.
[35] - نشير، للتركيز، إلى بعض أهم هذه المساهمات فيما يلي:
ـ مصطفى محسن، في المسألة التربوية..، مرجع سابق.
ـ مصطفى محسن، المعرفة والمؤسسة: مساهمة في التحليل السوسيولوجي للخطاب الفلسفي المدرسي في المغرب، دار الطليعة، بيروت، الطبعة الاولى، 1993.
ـ مصطفى محسن، (الخطاب الإصلاحي التربوي..)، مرجع سابق.
ـ مصطفى محسن، التعريب والتنمية، منشورات وكالة شراع لخدمات الإعلام والاتصال، طنجة، سلسلة من أجل مجتمع مغربي قارئ، عدد 56، يونيو 1999.
[36] - حول رؤيتنا النقدية المنفتحة للمواثيق والتوجهات والسياسات التربوية وعلاقتها بالتحولات الاجتماعية، انظره: ـ مصطفى محسن، "أي ميثاق وطني؟ لأي نظام تربوي بالمغرب؟" جريدة الاتحاد الاشتراكي، بتاريخ 9 يناير 1996.
[37] - عن رهانات المرحلة الحالية بالمغرب، عد إلى هذه النماذج من المساهمات:
ـ عبد الكبير الخطيبي، التناوب والأحزاب السياسية، ترجمة عز الدين الكتاني الإدريسي، منشورات عكاظ، الرباط، الطبعة الأولى، 1999.
ـ مجلة نوافذ، آفاق التحول الديمقراطي في المغرب (ملف)، الجزء الأول، العدد السادس، يناير 2000، ص5-124، والجزء الثاني، العدد السابع، أبريل 2000، ص5-119.
ـ مجلة وجهة نظر، الملكية وقضايا الانتقال الديمقراطي بالمغرب (ملف)، العدد 5، خريف 1999، ص4-41.
ـ محمد جسوس، "حوار المرحلة بالمغرب"، جريدة الأحداث المغربية، بتاريخ 10/11/1999.
ـ مجموعة مؤلفين: التحولات الاجتماعية بالمغرب، مرجع سابق.
ـ مجلة دفاتر الشمال، إشكالية الانتقال الديمقراطي (ملف)، تطوان، العدد 2، ربيع 1997، ص11-67.
-Cf. Collectif : Maghreb : Les années de transition, travaux de recherches de l’IFRI, Ed. L’Harmattan, Paris, 1990.
[38] - مصطفى محسن، (البحث العلمي والإصلاح التربوي: التلازم الضروري)، مرجع سابق.
وانظر أيضا، للتوسع، حول تحولات المغرب المعاصر:
ـ مجموعة مؤلفين: التحولات الاجتماعية بالمغرب، مرجع سابق.
ـ أحمد بوجداد، الملكية والتناوب: مقاربة لاستراتيجية تحديث الدولة وإعادة إنتاج النظام السياسي بالمغرب، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2000.
د. مصطفى محسن