من الدلائل العظيمة التي نحتكم إليها في هذا العالم الصاخب هو الدأب والاجتهاد العلمي التكنولوجي بمستحدثاته المواكبة للفعل والحدث، والذي اختصر وقوّض الكثير من العقبات التي كبّلت الإنسان، وصار الأخير يزاول غرضه دون متاعب تذكر، لينعكس على الواقع بجميع مفاصله لذا أصبح الفرد منا متكاسلاً ثقيلاً جراء بعض الاختراعات غير الموفقة - بالنسبة لنا - لعدم استخدامها بالشكل الصحيح لكننا لا نغفل الأثر الحقيقي الذي نتج عنها، وهذه هي طبيعة الحضارة التي لا تتوقف عند حد معين ما دام الكائن البشري على قيد هذه الارض يزاول غايته طمعا للوصول بر الأمان.
 
 لكن بودي أن أتساءل بحرص وعناية، هل يشمل هذا التمدن والعمران التقني المصاحب للما حول مدياته على النص الأدبي وإن انعكس على حاله، كيف تكون بشائر وعلامات التطور، وعلى أية دلالة نكتفي بالقدر الممكن لذلك، هل عن طريق الشكل، أم المضمون، أم اللغة التي تدوّن مجريات الحدث لتظهر لنا جميع المرتكزات الفنية والإبداعية للنص، وحسبي أننا لطالما نلهج بحداثة المتن الأدبي المشتقة من حداثة الأوان الحالي وهذا فعل تراتبي ينعكس على مستوى الطرح الجمالي من ناحية الأفكار المتبناة التي تصاحب الإنسان بكل اجتراحاته وأسئلته الوجودية الناتجة عن معاناته ونظرته للحياة لنعبر خانة الوصف والإسهاب ملتجئين إلى الاكتفاء بحيثيات النسق الذي يسير بنا نحو جوانية المعنى وعمقه المتواري ليكون أكثر فاعلية في التحشيد والاثارة.
 
برأيي أن جدلية تمدن النص الأدبي واستبصاره نحو منافذ تعنى بهموم الإنسان الحالي أو الآتي المقبل على مراحل عديدة من الأزمات غابت عن ذهنية بعض ليس بالقليل من الأدباء العرب وهذا نتيجة انشغالهم بالأوضاع السياسية التي قادتهم إلى تسييب المحتوى الفعلي للمتن الأدبي وإظهار الروح المضطربة جراء الواقع المرير، وهذا همٌ لا مهرب منه بأن تكون الحقب السياسية المزرية حاضرة بقوة داخل النص الادبي لكني أتوقف أمام المفارقة الجمالية التي تصاحب هذا النص وتجعله محل شاهد على مر الأزمنة، ناهيك عن تطاول النزعات الراديكالية المتطرفة التي رسّخت لمفاهيم سمجة أضحت نتائجها واضحة على طبيعة الحياة وانساقها الثقافية.
 
 بطبيعة الحال أن التشريع بتشييد مشغل جمالي له سماته المضيئة وعمره السائر غير المتخبط يحتاج إلى إشراك المضامين الفلسفية المتصلة بانزياحات معرفية لها أثرها الواضح داخل النص وفقاً لمقتضيات العصر التي تزيد وتصوّب الكثير من هذه الرؤى تبعاً للتراجع الغريب في النتاج الأدبي الفكري بالإضافة الى إضاءة العلاقة ما بين الواقع المعيش وبين السفر الاسطوري والميثولوجي المتوارث الممسك بإنسان هذا العالم ومعالجته لبيان مرجعيته الثقافية ومدى حضوره الفاعل داخل المجتمع.
 
 فما زال النص الشعري واقفاً على الاطلال بأناه المتضخمة ممجداً ذاته بصورة قبلية وكأننا إزاء أحكام لدفع الدية، وما زال راشد يزرع وزينب تحصد في كثير من المتون السردية علما بأن الأرض قد نهشها اليباب وملأ الغبار سماءها وصرنا نشعر بالموت التدريجي حيال الكثير من الظواهر الغريبة التي طرأت على الواقع الصحي والبيئي لنحارب من أجل تغييب وإذابة هذه المحن التي اخذت منا الشيء الكثير، علاوة على نظرتنا البائسة والمعبأة بالأزمات.   
                                              
 من الملاحظ أن متابعة الكثير من المتون الأدبية الأنية وتفحص محتواها حيال النصوص التي وصلتنا سلفاً لوجدنا أن ثمة مفارقة غاية بالأهمية من الناحية التي تفضي لمضمون الأفكار وطرحها بصورتها الحية، فاذا أجزنا لأنفسنا التمييز وفقاً للمعايير والمسلمات الواجبة توفرها لديمومة النص الأدبي مقارنة بالنص الحالي لوجدنا أن حيازة الماضي يفوق بكثير النصوص التي كتبت الأن على الرغم من كم الخيبات والانكسارات والاستقراءات المقلقة المصاحبة لهذه المرحلة والتي من المفترض أن توظف وفقاً لطبيعة هذا المعترك، والسبب يرجع إلى جدية  الوعي الراصد لطبيعة المستجدات والمقتضيات الحياتية التي تعنى بالمجتمع في حينها وما يصاحبه من هم ورأى لنكون قبالة نصوص باذخة من حيث نظرتها الحقيقية لكل ما هو إنساني تبعاً لاكتنازها ومقدرتها على الإجابة عن سيل الاستفهامات التي تشرك الواقعي بالأسطوري والجدلي المبيّت لسياق الفرد أو لعلها تحاول أن تشير إلى هذه المفاهيم بأسلوب أدبي رائق.
 
 ثمة من يسأل، هل أن وظيفة النص الأدبي جعل السؤال الفلسفي الإشكالي محوراً رئيسياً يطغى على البنى الفنية التي تدير النص وتصيّره جنساً أدبياً قائماً بحد ذاته، ليجابه بالنفي، لكن يجب أن تكون مثل هكذا أسئلة مجدية التي لها مدياتها الجوهرية أحدى الضرورات داخل النص، مكونة أرضه الخصبة التي ينطلق منها ليؤسس محتواه الجمالي من خلاله ويذهب بعدها مذهباً توافقياً ما بين الواقع والرؤى الكاشفة لهذه الأسئلة الكبرى التي تحلّق في الذهن والهاجس ليبقى أثرها غير تقليدي لا يبوب بفترة معينة.
 
بقلم : ميثم الخزرجي