"جون ديوي"
ما اللغة؟ ما صلة اللغة بالفكر؟ وكيف ننطلق من اللغة إلى العالم؟ إن الإجابة عن هذه الأسئلة يشكل مطية لتقفي قيمة اللغة العربية المعرفية والاجتماعية داخل المؤسسات التعليمية خاصة منها مؤسسات التعليم الثانوي التأهيلي، ذلك أن اللغة ليست مجرد أداة للتواصل بل هي أيضا آلية للتفكير والتعبير عن التصورات والمشاعر والمقاصد.
تمنح اللغة لموجودات العالم مسمياتها ومعانيها، كما تؤثر على الطريقة التي يفكر بها الإنسان،فهي ليست محايدة وموضوعية بل ممتزجة امتزاجا قويا بموروثها الثقافي والاجتماعي والعقدي والتاريخي والأدلوجي وهو ما يترتب عليه اختلاف في البنى الذهنية والفكرية لمتكلميها، فالتفكير حسب "تشومسكي" لغة غير منطوقة واستعمالها ينطلق بداية على شكل حديث داخلي-يتجسد عبر تحليل الدماغ لما تلقاه من المخاطب على مستوى الفص الصدغي الذي يضم منطقة استقبال وتحليل الكلام- ثم يتحول عبر التحقق اللفظي إلى حديث مسموع يحمل معاني ونوايا محددة.
والمتتبع للوضع اللغوي المغربي يصادف عدة متصلات وتنوعات لغوية، اللغة العربية والفرنسية والانجليزية والأمازيغية والاسبانية والحسانية وفي ظل هذه التنوعات كيف يمكننا الحديث عن قيمة اللغة العربية المعرفية والاجتماعية؟ من يتكلم أي لغة؟ولأجل مخاطبة من؟ ولأي غرض؟.
1 – اللغة العربية بين الواقع والمتخيل:
تعد اللغة مقوما من مقومات الحياة الاجتماعية لا يتم التواصل إلا بها -لا ننفي في هذا الصدد مختلف الأنسقة الرمزية غير اللفظية التي تعتبر أيضا أداة من أدوات التواصل كلغة الإشارة على سبيل المثال لا الحصر- وتنقسم حسب متكلميها إلى صنفين:
أ – صنف عامي يكتسبه الفرد منذ ولادته من أبويه وبيئته الاجتماعية وهو عبارة عن نظام مستبطن يستضمره الذهن نتيجة للاحتكاك اللغوي والتنشئة الاجتماعية.
ب – صنف فصيح يكتسبه الفرد في إطار مؤسسي يتم بالتعلم والاجتهاد تماما كما هو الحال أثناء تعلم نسق لغوي أجنبي.
يتأثر إنتاج اللغة العربية بالنظام العامي ذلك أن هذا الأخير مستبطن ذهنيا أما النظام الفصيح طارئ على الذهن ولعل هذا ما يفسر لجوء العديد من متعلمي المستوى الثانوي التأهيلي إلى دمج بعض العبارات العامية أثناء إنتاجهم الكتابي أو الشفوي مما يعكس واقع اللغة العربية التي تتبوأ نفس المنزلة التي تتبوأها اللغات الأجنبية من حيث كونها لغة متعلمة في إطار مومأسس يؤطره مكان وزمن محددين عبر مجموعة من القواعد النحوية والصرفية وهو ما لا يتيح تشربها فالقواعد لا تفعل إلا أن تنفر المتعلم من مادة يعدها جافة وميكانيكية.
فالأسلم أن يتم اعتماد مقاربة تواصلية تداولية في تدريس اللغة العربية وذلك بربطها بالمجتمع، عن طريق دمج الدرس اللساني الحديث والاستفادة منه ومن النتائج التي توصل إليها ضمن القوانين والبرامج المؤطرة لتعليم المادة، فالعربية ليست مادة المعرفة المدرسة – حسب مكوناتها من نصوص وعلوم اللغة ثم التعبير والإنشاء- فحسب بل هي تمثل اللغة الواصفة لهذه المعرفة ولمجموعة من المواد الأخرى نحو الفلسفة والتربية الإسلامية والاجتماعيات ... إلخ مما يعني أن تعلمها وضبطها بشكل جيد يسمح للمتعلم بتجاوز عائق الوصول إلى معارف أخرى.
وفي ظل الوضع الذي أصبحت ترزح تحته العربية صارت الحاجة ملحة إلى اقتراح برامج تدريس بديلة تستبعد القواعد في المراحل الأولى وهذا لا يتأتى إلا بالاهتمام بالطفل، فالطفل يلج المدرسة محملا بمجموعة من المعارف وهو يمتلك القدرة على تعلم أية لغة تبعا للمرونة التي يتميز بها دماغه، إذ يستجيب دماغ الطفل منذ ولادته للمقاطع الصوتية المنظمة مما يعني أن خورزميات تعلم اللغة جزء من البنية العصبية، ويستمر هذا التعلم في ظل شروط أهمها تواجد وسط اجتماعي مناسب، وعليه فإن دماغ الطفل قابل للتكيف مع المعطيات المحيطة به ويجب استغلال هذه الخصيصة في تدريسه اللغة العربية باعتبار أنه يلج المؤسسة التعليمية حاملا لمعارف محددة استجلبها من بيئته يمكن الانطلاق منها.
2 – أهمية اللغة العربية المعرفية والاجتماعية:
لا تكمن أهمية اللغة العربية في النظر إلى بنيتها الداخلية ( خصائصها الصوتية، خصائص كلماتها من الناحية الصرفية، اشتقاقاتها ...) بل في وظيفتها الاجتماعية أي باعتبارها وسيلة تواصل واتصال تيسر قضاء الفرد لحاجاته داخل المجتمع تبعا للمجلات التي تعنيه.
تعود أهمية اللغة العربية إلى مجموعة من العوامل يمكننا أن نجملها في مفهوم القوة الذاتية للغة الذي اقترحه ماكي، أبرزها العامل الديمغرافي الذي تتحدد بموجبه حجم الجماعة المتكلمة للغة العربية وإنتاجاتها الفكرية والثقافية وقوتها الاقتصادية، ومما لا شك فيه أن قيمة أية لغة تنبع من عدد الأفراد الذين يتكلمونها ويساهمون في انتشارها عن طريق انتشارهم عبر العالم كما هو الحال بالنسبة للغة الانجليزية التي عرفت انتشارا واسعا وتم اعتمادها كلغة ثانية في مجموعة من الدول وهذا راجع إلى قيمتها العلمية والاجتماعية والاقتصادية.
3 - الموقف من اللغة العربية:
الموقف في كنهه هو الشعور الذي يكنه الفرد للغته ويتوزع هذا الشعور بين الاعتزاز والفخر الذي يساهم في انتشارها أو التهميش الذي يحد منه ويعجل باندحارها وموتها، ويعد الموقف من العربية مهما باعتبار أن المغرب بلد متعدد اللغات مما يسهم في رصد التحولات والتغيرات التي تعرفها ويكشف مدى قوتها ووضعها داخل المجتمع مقارنة بباقي اللغات، فلكل فرد انطباعاته الشخصية –تؤثر في هذه الانطباعات السلوك الجمعي الذي ينتمي له هذا الأخير- حول اللغة العربية فمنهم المعتز ومنهم المحتقر ولكل منطلقاته ومبرراته.
لا غرو أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد إلا أن الواقع الاجتماعي يعكس وضعا مخالفا، فالفرنسية ما تزال تستعمر الإدارات والأبناك والمراسلات، مما يجعلنا أمام انفصال لغوي هوياتي ذلك أن جميع الخدمات المقرر أن تكون بالعربية ما تزال تعتمد النسق الفرنسي مما يفرض على الفرد المغربي تعلم الفرنسية وإتقانها علاوة اتجهت البلاد بموجب القانون الإطار إلى اعتماد نظام التناوب اللغوي في تدريس المواد العلمية وهو نظام يتغيا في جوهره فرنسة جميع المواد العلمية، لذلك يلجأ التلميذ إلى تعلم الفرنسية وهو بذلك لا يغذي عقله فقط بل يغذي روحه أيضا فاللغة تشكل حيزا كبيرا من طريقة عيش الفرد لحياته.
بقلم: أمينة الخربوع (بتصرف).