التدفق النصي هو انسياب وجريان السياق كما يجري الماء في مجراه بسهولة دون معوقات، حتى وإن تعرج المجرى أو تحول عدة مرات عن الاتجاه الواحد لكن في النهاية لا يشعر قارئ النص الأدبي بصدمات أو عقبات في طريق التذوق والاحتواء والفهم، وسمة التدفق تنسحب على كافة الفنون الأدبية سواء السردية منها أو الشعرية، مطولة كانت أو مختزلة، لا فرق بينها إذ تتطلب كل فنون الأدب التدفق بين ضفتين إحداها فكر الكاتب والأخرى ذائقة المتلقي.
 
 ولما كان التدفق أحد مراحل سيرورة النهر فإنه في الأدب مرحلة وسطى بين مرحلتين في غاية الأهمية، مرحلة تسبقه وهي الروافد التي تغذي هذا المجرى، والثانية هي الإسراع نحو المصب، وسوف نتناول ثلاثة المراحل تلك بشيء من التفصيل ثم الإجمال. 
 
* أولا؛ روافد التدفق النصي:
عدة عوامل تتحكم في وفرة هذه الروافد أو فقرها لدى الأدباء، منها ماهو تحصيلي، ومنها ما هو متعلق بالموهبة الذاتية...
التحصيلي؛
- الخلفية القرائية والمعارفية؛
- دراسة فنون اللغة العربية جمعاء من نحو وصرف وبلاغة، فضلا عن الإحاطة بلغة القرٱن المتفردة بيانا وبلاغة؛
- الأخذ من كل علم بنصيب سواء العلوم الإنسانية أو التجريبية لما لذلك من أهمية في جانب التنوير والثراء الفكري والتصويري والتخييلي؛
- الاطلاع على إبداعات السابقين والمعاصرين دون تلبس أو تقمص شخصية بعينها.
الموهبة: بالرغم أن الموهبة تنبع من الداخل إلا أنها تعتمد على صهر كل ما سبق في الجانب التحصيلي لإفراز شخصية متفردة للأديب، والموهبة تعتمد على بصمة الوجدان الخاصة والتي لا تتطابق مع غيرها مضافة إلى العمق الفكري والجانب التحصيلي. 
 
* ثانيا؛ مرحلة التدفق ذاتها:
انطلاقا من تلك الروافد المتعددة سيجري القلم ليخط النص، فكرة ملهمة وعاطفة إنسانية ينسجهما الأديب بلغته الخاصة، ولعل الحكم على مدى التدفق يأتي أثناء القراءة لعدة ملاحظات منها سهولة الأسلوب ولا تعني السهولة هنا أن يستخدم الأديب مفردات بسيطة ومعروفة، أو استعمال التراكيب والصور التقليدية، بل نعني بالسهولة هنا حسن البيان وجزالة الأسلوب، ومن معوقات التدفق النصي أذكر النقاط التالية:
 
- ترصيص الكلمات جنبا إلى جنب دونما روح ولا تجانس؛
- غلبة عنصر ما على الأسلوب، كالتوصيف على السرد، ومثل غلبة الإبهام والتلغيز على البيان، غلبة التصوير على الواقعية أو العكس؛ 
- تداخل الضمائر المتصلة بحيث يتوه القارئ في إرجاع الضمير على مرجعه المقصود؛
- التكرار لفكرة واحدة بكلمات مختلفة؛
- تضمين كلمات زائدة أغنت عنها غيرها في ذات السياق؛
- فقدان الاتجاه، كأن يترك الأديب الفكرة الأساسية والدخول في تفاصيل جانبية كثيرة تسبب الإلهاء عن تيمة النص الأساسية.
- وٱخر ما أذكر هنا من معوقات التدفق أن يفترض الأديب أن القارئ يمتلك نفس مساحته المعرفية واللغوية، وأن يفترض أن القارئ حتما يفهم ما كتبه، فيلقي بالنص كالحجر الغفل الذي لا معالم له ليترك القارئ حيران من أين يأتيه، وليس أفضل من أن يفترض الأديب الطرفين معا، فليفترض أن القارئ لن يفهمه فيبين، وليفترض أن القارئ يفهمه جيدا فيضمر ويرمز، ثم ليتخذ بين الطرفين سبيلا.
 
وحتى لا أطيل سيكون للحديث بقية في مقال ٱخر مع تضمين أمثلة تطبيقية ليسهل على القارئ إدراك الفائدة وتفعيلها أثناء الكتابة أو القراءة.
بقلم: سيد عفيفي