المقاربات البيداغوجية هي النسق المؤطر لمختلف الممارسات البيداغوجية وأفعال التعليم والتعلم التي تستهدفها النماذج البيداغوجية. وهي الصيغة الناظمة لمختلف الأفعال والممارسات الديداكتيكية والبيداغوجية، بما في ذلك أشكال تنشيط جماعات التعلم وتدبير التفاعلات بين أعضائها من جهة، وبينها وبين الوسيط المشرف المحرك لهذه التفاعلات والقائم بأفعال تدبيرها من جهة ثانية.

 على هذا الأساس فالمقاربات البيداغوجية ليست مجرد إطارات منهجية لنقل الاختيارات التربوية الى مجال الفعل والأجرأة وتصريف المناهج الدراسية بحسب الأسلاك والمستويات الدراسية وما تتضمنه هذه المناهج من معارف ومهارات وقيم مستهدفة بالبناء والإرساء والاكتساب والتوظيف والاستثمار، ولكنها أيضا هي نفسها تنتمي إلى منظومة هذه الاختيارات، إنها اختيار نوعي ومركب وهادف.

 فإذا كانت الاختيارات ترسم الإطار العام لبناء تصور لمجتمع الغد انطلاقا من خصوصية الحاضر وبنيته التراكمية، فإن المقاربات البيداغوجية هي التي تبني نموذج الدولة والمجتمع في هذه الأمة، وبراديغم السلطة المستهدف بالتسييد، ونظام العلاقات والتفاعلات الاجتماعية الملائمة له. وتبعا لذلك، يمكن استنتاج ما يلي: تبني الأمة مقومات كينونتها المستقلة عن طريق أربعة مبادئ هي: تأصيل الهوية ثم التراكم والترصيد ثم الإستمرارية ثم التحسين المستمر في ضوء الممكن التاريخي ومدى توفر متطلبات هذا التحسين والتجويد، بل وحتى الاستقرار والثبات والتحصين والصيانة والتمنيع. وكذلك هي المقاربات البيداغوجية، إنها تقوم على نفس المبادئ. 

 ومن ثمة فهي ليست منحصرة في الطرائق ولا هي مجرد وسائل لغايات، أو هي مجرد أدوات لاشتغال باقي الاختيارات. وعليه فهي تحتاج إلى تأصيل وفق الخصوصية أولا ثم وضعها في خانة الفعل والاستمرارية من أجل تحقيق التراكم والترصيد في الخبرات والممارسات ثانيا ثم التفكيك المستمر في ضوء الحاجات المستهدفة والمتغيرة والممكن التاريخي في ارتباط بباقي مكونات منظومات المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ولا يحدث ويتحقق التجديد والتحسين والتجويد فيها إلا في ضوء شبكة العلاقات القائمة بين هذه المنظومات. إنها بالضرورة تتنافى ومبادئ الردة البيداغوجية والتهجين والقطائع. وكل نموذج تربوي لم يتمكن بعد من تأصيل اختياراته وهويته البيداغوجية فهو نموذج يعاني تداعيات مرض الهشاشة المزمن.

  من تجليات هذه الهشاشة الفوضى البيداغوجية والتعدد المتضارب في الخلفيات والمرجعيات والغايات. ومن ثمة، يظل في حاجة دائمة إلى أمصال خارجية ومحاليل وفيتامينات تكفل له الحياة والاستمرار لكنها تجعله مع الوقت في وضعية إعاقة تاريخية. وهي بالضرورة وضعية مستهدفة من قبل الذين من مصلحتهم بقاء الوضع على ما هو عليه لأغراض في نفس يعقوب.

خلاصة القول نجملها في ثلاث خلاصات كما يأتي:

 الخلاصة الأولى تفيد أن الأمم المستقرة بيداغوجيا هي الأمم الديموقراطية لأنها استطاعت بناء هويتها البيداغوجية نتيجة قدرتها على تفعيل مبدأ دمقرطة الدولة والمجتمع بكل تراكماته وفي ظل إمكانها التاريخي وخصوصياتها. والعكس صحيح، أي أن هشاشة النموذج البيداغوجي هي صورة عاكسة لهشاشة النظام الديموقراطي.

 الخلاصة الثانية تفيد أن تخلف الأمم هو نتيجة طبيعية لوضعية الإعاقة التي تعانيها نماذجها البيداغوجية بشكل خاص ومنظوماتها التربوية بشكل عام. ومن ثمة فإرساء نظام ديمقراطي يبدأ بإرساء نموذج بيداغوجي وتأصيل في المقاربات البيداغوجية.

 الخلاصة الثالثة تفيد أن الفاعل البيداغوجي بشكل خاص والفاعل التربوي بشكل عام، هو بالضرورة فاعل ناعم في السياسية والثقافة والاجتماع والاقتصاد وليس مجرد منفذ لتوجيهات تربوية وبيداغوجية. بما يعني أن الحصة الدراسية التي يقدمها مدرس أو مدرسة في فضاء مدرسي ما، باعتماد مقاربة بيداغوجية تؤطر ممارسته التعليمية وتوجه الممارسات التعلمية لجماعة التعلم التي يشرف عليها، هي حصة لتنمية أشكال معينة ضمن منظومة للسلطة موجهة وفق براديغم معين وبشكل مستعرض بما في ذلك المعارف والمهارات التي يستهدفها بالاكتساب والتنمية والتطوير.

بقلم: عبد الرحمان زيطان

أضف تعليق


كود امني
تحديث