تجري على ألسنة المهتمين والمثقفين والمسؤولين في هذه الفترة كلمة الإبداع فالمعلم بالمدرسة يتحدث عن إبداع الطلاب والمدير في المؤسسة يتكلم عن إبداع الموظفين وفي الشعر يتكلم عن إبداع الشعراء وإبداع القصاصين وإبداع الروائيين وإبداع التشكيليين، وهكذا كل في مجال تخصصه ووظيفته وهوايته تتجلى فيها روح الإبداع والتألق حتى أصبح الإبداع فناً يسمى «فن الإبداع» له آلياته وقوانين ومحاور تحدد خلالها المبدعين عن غيرهم وليس للإبداع حدود، وفي الواقع الجميع مبدع ولكن تبقى الطريقة والحرفية في إيجاد سبل سهلة وجديدة من أفكار قابلة للتطبيق من الخيال تارة والتجديد تارة أخرى و إيجاد الكثير من البدائل والتركيز عليه مع إضافة الأفكار السلسة والمرنة، وتقيم نفسك خلال العمل بالتالي ينظر من خلالها للوهلة الأولى أن صاحبها مبدع فالرسام التشكيلي يرسم لوحة زيتية ويستخدم الريشة والألوان.
ولكن متى نطلق عليه مبدعا، بالتأكيد الكل شاهد لوحة العالمي دفنشي « الموناليزا»، أليس جدير إطلاق كلمة الإبداع على هذا الرسام، وما الذي جعلنا نقول إنه مبدع؟ الشاعر كذلك لدينا الكثير من الشعراء ونقرأ للكثير منهم، إلا إننا نشعر أن بعض الشعراء لديهم موهبة الإبداع تفوق الشعراء الآخرين؟ وما الذي جعلنا نحن نصنف المبدعين؟ بينما هنالك الكثير من يمارسون نفس العمل ونفس الهوية والتخصص، ولكن لا تستطيع أطلاق كلمة الإبداع عليهم، إذاً ماهو الإبداع الذي نسعى إليه ونحاول ان نصل إلى الإبداع ؟ فالموظف يسعى إلى أن يكون مبدعا في مجال وظيفته، وهذا يتخذ منهج سبل جديدة وأفكارا غير عادية في مجال الإدارة، بالتالي الإبداع هو الفكرة المتجددة والسهلة والمتقنة، ويحكم عليها بالنظرة الأولى على أنها إبداع، لذا الإبداع وسيلة يسعى إليها الجميع من الناس بمختلف تخصصاتهم وهواياتهم حتى بمستوى الخطابة والإلقاء، فهنالك خطيب مبدع يستطيع أن يوصل المعلومة دون تكلف ويصاحبها التأثير على الجماهير، ذلك من خلال إبداعه في إعداد الكلمة الجيدة المنتقاة، ترتيب الأفكار، التفكير السريع، إدارة للغة الجسد من حركاته وإيماءات وضوح مخرجات الصوت تدعيم موضوعه، بما يلفت الانتباه ونوع من التشويق والكثير من سبل نجاح الخطيب.
و جدير بنا هنا كنموذج من الاهتمام في مجال الاهتمام كمؤسسات حكومية تهتم بجوانب الإبداع والمبدعين، وزارة التربية والتعليم في هذا المجال وخطت خطوات كبيرة من خلال إيجاد مراكز الموهوبين و تنمية الإبداع لدى الطلاب في شتى الهوايات، ومحاولة إفراز تلك الطاقات الكامنة وإيجاد الإمكانيات التي تفعل وتحفز على الإبداع ومحاولة التركيز عليها لتصبح إبداعا بيد مبدع ولعلي هنا أسجل انطباعي عن التربية والتعليم ورعايتها للإبداع والمبدعين ابتداء من رعاية الطالب والمعلم والتجهيزات المتعلقة بعملية التعليم والحث المتواصل على التفوق والمشاركة في المسابقات المحلية والدولية لإبراز نبوغ أبنائنا الطلاب ليصلوا إلى اعلى المستويات، كما يأخذ المعلم نصيبه من الفرص التي يبرز فيها إبداعه من خلال برامج اللقاءات النخبوية للمعلمين وجوائز التميز و إعطائه فرصة التدريب وإكمال الدراسات.
كما أن التجهيزات المدرسية لها نصيب من الإبداع من خلال تطبيقات الجودة وجوائز التميز وتطبيق البيئة الجاذبة للتعلم، والخطط المستقبلية خير دليل على أن الوزارة تتجه نحو الإبداع بتطبيقها لبرنامج المجتمع المعرفي، ولكن لماذا ينحصر الإبداع في من يتوقع منهم ان يبدعوا ؟ بينما الإبداع يمكن استنهاضه من أي إنسان، فالفكرة البسيطة يمكن يتوالد منها أفكار خلاقة، ولكن يمكن ان نثير الإبداع في ابسط المهن، في إحدى الدول تم تكريم على مستوى الدولة أفضل عامل نظافة وأفضل مراسل مكتبي في الدوائر الحكومية، وتم تبني هذه الجوائز التشجيعية حتى للمهن البسيطة، لكي يكتمل نسيج الإبداع، فما أحوجنا لمراكز تدريب متخصصة في مجا ل الإبداع لتدريب وتوظيف تلك الطاقات المبدعة وتكثيف الدورات الخاصة بالإبداع وطرق وآلية العمل به.
ولعل مايشهده بعض الدول في تحريك عجلة الإبداع في المجالات الصناعية والتكنولوجية حتى أصبح سوقنا يعج بالكثير من التقنية بإبداع يزاحم التقنية الحديثة إذاً نحتاج إلى ان يكون جيل المستقبل مبدعا بالتشجيع والشد على الأيدي في تقديم ما هو أفضل فكريا وإداريا واقتصاديا وسياسيا حتى تكوين بيئة الإبداع، فلاشك ان أي إنسان لديه قدر على التفكر ينتج منه إبداعا وتعزيز قدرته على التفكر الإبداعي وما أكثر المبدعين، ولكن يبقى ان نجد بيئة ذات خصوصية تحوي تلك الفئات من المبدعين.
بقلم: حسين عبدالله الخليفة