لطالما كانت قراءة الأعمال الإبداعية تجربة تستدعي طقوسا خاصة،منها جلال المكان و سكينته،و الخشوع الذي يمنحني مفتاح التماهي مع تلك العوالم الجديدة.

وقد اختلفت التجارب التي خضتها في قراءاتي المختلفة، و تلوّنت، و ربما تركت في نفسي انطباعا عميقا، و أفسحت أمامي مجالا أوسع لرؤيا العالم.
و كانت تجربتي مع رواية "مرايا الظلال " للأستاذ عبد الغني عارف، تجربة مميزة، شعرت وأنا ألج عالمها بنكهة خاصة. أحسست إني أرتفع إلى عنان السماء، بعيدا عن الضوضاء، أطلع على عالم المكنونات و الأهواء، إنها نشوة الاكتشاف، و تَجلي عالم يمتح من تجربة رجل ذي ثقافة متعددة المشارب، و تجربة مميزة بحثا عن الحلم الحرية و الحب.

كل فصل جديد كان منعطفا، يُفصح عن جغرافية غير متوقعة، تجعلك مشدوها لجمالها راغبا في الاستزادة، و اكتشاف هذه الخارطة إلى آخر حرف.
تتميز مرايا الظلال بنزوعها للبوح أو المناجاة، فالكاتب يعلن منذ بداية الرواية عن بعدها السيري، من خلال المونولوج الذي يستحضر فيه "الظل" أو الأنا في حوار بانورامي، يعكس ما تجيش به نفس الكاتب في الإفصاح عن مشاعر تراكمت عبر سنين من الحلم والحب النضال و الذكريات.

تناقش الرواية إذن تجربة فريدة تستلهم وقائعها من أحداث الذاكرة، وتنسج منها خيوطا متشابكة لعالم روائي مهموم بصياغة رؤية للحياة والوطن والانتماء، بعين شاب مناضل يعيش بين هواجس الظلم، وكوابس الواقع، وأحلام المثقف الواعي والثائر المناضل الحالم بوطن جميل يسع الجميع.

وهنا يغدو السرد في الرواية مجالا رحبا لمناقشة هذا المفهوم العميق الذي تتحدد ملامحه من خلال اعتبارات متعددة، إنه سؤال متجدد عن الذات والآخر والوطن والحب، حيث لا يستقر المفهوم بل يتجدد بتجدد التجربة وتغير التموقع في الزمان والمكان.

كما أن هذه التجربة الروائية تضمر مناقشة دفينة للعلاقة بين الوطن و أبنائه، وهنا يتراكم الإحساس بالغربة، غربة في الوطن و غربة مع الآخر، و قد تمتد لتنسج شباكها على النفس فيدخل البطل في حوار مع ذاته في محاولة لاستكناه حقيقة مشاعره و أحلامه و توقه الأبدي إلى الحرية و الوئام.

لقد كانت"مرايا الظلال" بحق، مرآة لمشاعر إنسانية عميقة في تعانق مع صراع الإنسان مع الذات و الآخر و الكون، بحثا عن الأحلام الهاربة.
هي أقرب إلى البوح، فالبطل يقاسم القارئ لوحات تجربته المميزة، و تفاصيل أحاسيس ضاربة في جذور النفس، منسوجة بأسلوب يعزف على أوتار المشاعر، فينتشل القارئ من عالمه الخاص و يجعله يتماهى مع سحر الحرف الراقي.

شكرا أستاذي على مشاركتنا هذا الميراث، الذي كان عصارة تجربة إنسانية مميزة، شكرا للظل لموافقته على الإفصاح و البوح. شكرا للمرايا التي نقلت لنا هذه الحروف لتُسكرنا بنشوتها الآسرة.

    بقلم: شيماء أبجاو

أضف تعليق


كود امني
تحديث