همـس أبي في أذني مرّة وقـال: دار الزّمن يا ولـدي وأنا العـليـل... فـلم يبق من العمر سوى القـليـل... دوّى رعـد بداخلي ونطـق... أمطر بأعماقـي خوف وقـلـق. أردت أن أمازحه وقـلت: أمولانا حكـمْ...؟ أم شيخنا زعـمْ... !؟ ارتسمت على ثـغـره بسمة كالعسـل... وردّ على الفـور أي نعـم... نزل عـرق من جبينه... حـدّق في عيـني وقـال: شفّـاف هذا الحجـاب... بوُسع الكتـاب أن يكشف لـك الحساب... لحظتـها، فهمت أبراج الكلام... ولم أفـش سرّه للأنام... وقـبل أن يخلُـد أبي للسلام، تجـوّل ببصره طـويلا فـي وجهـي ثـم قـال: لا تركُـن يا ولدي للدنيا... وكـن للعهـد راعيا... فإن صرت لي ناعيا... فخُـذ كـفّـا من تراب وارم به على قبري... وادع لـي إن كنت داعياً... خذلني صبري وجفّ حلقي... بكيت بحرقـة وقـلت: أبتاه، أمخذول أنت يا عمري أم تـعِـبْ... إني سألت الغراب يوما عن أسرار الدّفـن... فاحتار ولم يُـجـبْ... فكيف أرمي التّـراب على قبـر من أحـبْ... !؟

بقلم: سعيد أولاد الصغير