يقول الكاتب روبن بلاك: أنا أشعر يوميا بالغيرة من الكتاب الآخرين. ما من شك أن هذا الاعتراف صعب، بل ويندر أن تجد له مثيلا في الوسط الثقافي، مع أن الغيرة موجودة، وأكاد أجزم أن خبر امتياز ناله أحدهم، سيتبعه سؤال البعض لماذا هو وليس أنا؟ طبعا يحصل هذا وإن بدرجات فور الإعلان عن إحدى الجوائز التي ذاع صيتها هذه الأيام، والتي نعرف جميعنا ما يتبعها من حالات عدم ارتياح لأسباب مختلفة. من الطبيعي أن يكون هناك من يسعد لإنجازات الآخرين، لكن هناك من يطغى الحسد على مشاعره لأنه يرغب أن يمتلك ما حظي به غيره من مكاسب، هي بمثابة اعتراف خارجي بكفاءته. تعترف إحدى الكاتبات، وهي هارييت ميلان أنها مثل معظم الكتاب تعاني من إحساس بقلة الكفاءة، لدرجة امتصاص كل إيجابي لديها، والسبب حالة الحسد التي تنتابها، والتي يرفع من حدتها وسائل التواصل الاجتماعي التي تكون وسيلتها للتعرف بأولئك الذين يكتبون أفضل منها.
جدير بالذكر أن لهذه الظاهرة تبعاتها التي تناولها أساتذة علم النفس، ومنهم أستاذ في جامعة كنتاكي، يظهر أن الحسد قد يصبح أمرا خبيثا لو تحول إلى حالة مزمنة، إذ يصبح بإمكانه أن يدمر صاحبه لو تفاقمت حالته، وأصبح مهووسا بنجاح شخص ما، فيفقد احترامه لنفسه، وربما يخرب حياته المهنية، كما تقول بونيتا فريدمان التي تعتقد أن الحسد في الحالات الشديدة الضراوة قد يشتت انتباه المرء عن عمله، وقد يكون سببا في إيقاظه من النوم، بما يعني أنه يتسبب في جرعة كبيرة من الألم الشديد للشخص الذي يشعر به، لأن حالته تجاوزت طموحا في النجاح الطبيعي، وحولت حياته إلى مقارنة ما ينجزه هو بما ينجزه الآخرون.
 ويا لبؤس ما يصيب حال الحاسد حين يرى بعض المراجعات السيئة لكتابه، أو حين يدرك أن كتابه لم يقبل عليه أحد قبالة كتب للآخرين كانت سببا في سعادتهم! في هذا السياق يفرق دينيس بالومبو - وهو كاتب سيناريو ومعالج نفسي سابق- بين شخص يحفزه نجاح شخص آخر لبذل جهود أكبر، وآخر يشله هذا النجاح ويعيقه عن العمل، علما أنه لو فكر جيدا فسيكون مفيدا له لو أدرك أن التقدير الخارجي لغيره هو خارج نطاق سيطرة الكاتب نفسه، فأنت لا تستطيع أن تجبر الآخرين على التفاعل معك بالطريقة التي تريدها، وسيكون من المفيد له أيضا لو أنه يترك حلمه يقوده للأفضل، فيمضي قدما في تحقيق أهدافه. ولعل من أجمل ما يمكن أن يفعله الكاتب أن يكون مسرورا لزميله الكاتب، فيهنئه في مناسباته الجميلة، وربما يقرأ كتابه ويعرضه على صفحته، وهو أمر له أثره الطيب على فاعله، حتى ولو لم يكن راغبا فيه، ذلك أن التصرف بروح كريمة واثقة من نفسها سيساهم في ترك الحسد في مرآة الرؤية الخلفية.
 ولربما تكون النصيحة الأجمل في هذا السياق أن: كن منصفا وانظر في مسار الكاتب الذي حسدته والجهد الذي بذله، واعمل بجد وإصرار لتحقيق النجاح نفسه الذي حققه غيرك، ولاكتساب الخبرة التي اكتسبها. واذكر دائما أن لديك بالتأكيد نقاط قوة عليك أن تعمل عليها وتكتشفها، وبخصوص الملاحظات أو المراجعات التي أبداها الناس عن كتابك، فاستغلها لتقوية ذاتك التي تحارب بها الحسد. ولنضع نصب أعيننا أن كلا منا لا يعدم ما يمكن أن يساهم به في حياته، بمعنى أن قرارا قد اتخذته بالكتابة لا يعني أن ترهن حياتك بنتائجها، وعليك أن تكون مستعدا دائما لمستقبل يختلف عما خططت إليه.

                                                      بقلم: د. رزان إبراهيم (بتصرف)