أتحدث هنا عما يعرفه بكل بساطة مؤسس هذا المصطلح جوتكند بأنه "قصص حقيقية تروى جيدا" فحين يختار الروائي أن يواكب واحدة من الأحداث التي يعيشها، فإنه سيجد نفسه بالضرورة وقد دخل في تيار الخيال الواقعي، بمعنى استخدام تقنيات الخيال للإبلاغ عن الأحداث الحقيقية، وهو ما صرنا نراه في كثير من السرديات التي تستجيب لفضولنا الفكري والعاطفي والصحي الباحث عن العالم كما هو موجود بالفعل. وهي ظاهرة يمكن التعامل معها في بعض الأوقات باعتبارها مسعى أدبيا للرد على تلاعب لافت في وسائل متعددة، من بينها الإعلام الذي يحول بيننا وبين بغيتنا في معرفة حقيقة ما يحدث حولنا على أكثر من صعيد.
إلا أن تناولا للقصص الواقعية يستوجب استراتيجيات كتابية تحمي الكاتب من مغبة الوقوع في الإخباري المعلوماتي الثقيل، وعليه يكون مأمولا من الروائي أن يقوم بتكثيف استخدامه لتفاصيل حسية غنية وهو يصف الشخصيات أو الأحداث لزيادة وطأة تأثيرها على القارئ، وكذلك يكون من المستحب رؤية الروائي وقد قام بعملية تأخير أو تعليق مؤقتة لبعض المعلومات، بما ينتج عن ذلك من تكثيف لعنصر الترقب غير المنفك عن التوتر السردي.
ولا أظن قارئا ما سيجد متعة في التعامل مع لغة تشبه ما نقرؤه في الجرائد، أو نسمعه في نشرات الأخبار، لذلك يغدو الاستخدام المنمق للغة السردية مطلبا مهما في الإبلاغ عن أحداث وقعت حقا، لنكون في نهاية الأمر بصحبة قص حقيقي بمجازات أدبية محملة بالمعاني الإنسانية، تتمتع بحيوية مردها أن هذا القص كما قدمنا يروى بشكل جيد، وبطريقة ساحرة بفضل إحالات فنية موسيقية محتملة، ولربما عن طريق الاستعانة بالشعر أو بكلمات لأغان ذائعة تعبر عن حالات الألم والتعاطف مع شخصيات حقيقية نعرفها، وهو ما يمنحنا شعورا مرضيا ومريحا فور الانتهاء من قراءة تشبه رحلة عاطفية مغايرة لأخرى جافة شاقة كما بعض المحاضرات الثقيلة التي تفرض النوم علينا فرضا. أقول هذا بعد قراءة كتابات عديدة تستند إلى الواقع، لكنها تخفق في الإمساك بملامح كتابة إبداعية تشبه تماما عملية إنشاء لوحة فنية أو مقطوعة موسيقية، مادتها الخام هي حياة العالم، أما نجاحها فيعتمد على الصيغة المعتمدة في إعادة تشكيل هذا العالم.
 يبقى أن مرتادي كتابة القصص الحقيقية الذين يروون الوقائع لا بد أن يتفطنوا أن كتابة القصص الحقيقية المأخوذة من تجارب حياتنا بإمكانها أن تتصالح تماما مع الإبداع على النحو الذي ذكرنا. وربما كانت أفضل المذكرات التي قرأناها تلك التي اجتمعت فيها الحقيقة مع الإبداع والتي شبهها (جوتكند) بكأس بارد من الشاي المثلج في فترة ما بعد الظهر الصيفية الحارة.

                                                بقلم: د. رزان إبراهيم (بتصرف)