الحياة زمان ومكان وأفعال وعلاقات بينية، يشرع فيها الإنسان لا يعلم شيئا ولا يقدر على شيء، ثم يتدرج في مراحلها خلقا من بعد خلق، ودرجة معرفة من بعد أخرى، ومستوى وعي من بعد آخر، ويرتقي من الأنوية والفردانية إلى الامتثال اختيارا أو ضرورة إلى منظومة قيم، وحياة جماعية إلزامية، ومن عدم الانضباط لقواعد الاجتماع إلى الالتزام بها طوعا أو كرها، وينتقل خلال كل ذلك من ضعف إلى قوة ثم إلى ضعف كرة أخرى.

  الإنسان في هذه الرحلة النوعية يعثر ويكتشف العثرات فيتعلم منها قواعد السلوك؛ فتجد الصبي يمد يده للنار فتحرقه فيستنبط من ذلك قانونا فيزيائيا صارما مفاده أن وضع اليد في النار يترتب عنه اكتواء بحرارتها لزوما دون محاباة؛ كما يتعلم التلميذ في المدرسة أن شرط حصوله على نتيجة جيدة في دراسته القيام بجهود محددة ولا ينفع التمني أو التدليس في تحصيل ذلك، فيكتشف قانونا جديدا نصه أن من جد وجد ومن لم يجد لن يجد؛ كما يكتشف الراشد أن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، وأن سنن الله في الكون لا تعرف الإنسان بلونه أو جنسه أو دينه أو تنظيمه إنما تعرفه بمعرفته لها وتحكمه فيها وتسخيرها لحاجاته.

 فالشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد من الناس كما قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، كما تدرك التنظيمات والدول أن شروط البقاء والتنمية لا ينفع معها إلا العدل، والمصداقية، والاعتماد على النفس، واستقلالية القرار، والتداول السلمي على السلطة، والانحياز لاختيارات الشعوب كل ذلك وإن بعد أداء فواتير باهظة بسبب الأخطاء في الاختيارات الأولى.

  التدبير الجيد للحياة يقتضي معرفة هذه القوانين الكونية قصيرة المدى منها أو طويلة التي خلق عليها الله تعالى السماوات والأرض والتي لا تبديل لها، والتي تسلم له زمام أمرها وتناخ له، وتأتيه بالنتائج المنتظرة طوعا سواء بطبيعته فردا، أو باعتباره عضوا ضمن مجموعة بشرية؛ وسواء في الجوانب المادية من الحياة، أو في جوانب السلوك الفردي أوفي تدبير تنظيم أو دولة ضمن السلوك الجماعي إذ الله تعالى ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة.

 هذه القوانين الكونية يتعلمها الإنسان ابتداء من القوانين الفيزيائية التي يكتشفها بتعامله مع الكون والطبيعة ثم يهتدي بدرجات متفاوتة إلى المماثلة مع القوانين التي تحكم عالم الاجتماع فيجد أنها هي نفسها بتحليلين مختلفين بين العالم الفيزيائي وعالم السلوك الإنساني: كقانون القوة، وقانون التوازن والوسطية، وقانون الاتحاد والتماسك، وقانون التدرج والمرحلية، وحتمية انتصار الحق، وقانون التدافع وقانون الإخلاص، وقانون القدر (الجرعات والمقادير) وغيرها من القوانين التي تؤطر في الحين ذاته عالمي الفيزياء والسلوك الإنساني معا، والتي يتوصل إلى إدراكها الحكماء بالتجربة، أو تكون موضوع رسالة نبي من أنبياء الله ضمن كتاب منزل كما حال القصص والأمثال في القرآن الكريم.

 في هذا الإطار يأتي هذا الكتيب المتواضع مستلهما من المصدرين معا: مصدر الوحي الإلهي ومصدر التجربة في صيغ خلاصات مركزة في مختلف مجالات النشاط الإنساني دونت بعضها في سن العشرين والبعض الآخر بعد الخمسين والبعض بينهما، والله الموفق والهادي للصواب.

بقلم: عبد القادر أكجيل