لو جربنا التفتيش عما يعنيه مفهوم «الحياة العاقلة» على منصات البحث، فإن أول وأكثر ما سيصادفنا هو الحديث عن إمكانية وجود حياة على كواكب أخرى، كتلك التي على كوكب الأرض، وهو الأمر الذي لم يعثر العلماء حتى الآن على مؤشرات يُعتد بها لتأكيده، بل إن البحث أصبح يتركز اليوم على وجود مقومات للحياة، كالماء والأوكسجين، لا عن الحياة نفسها.
عالمان أعلنا قبل أعوام في مؤتمر سنوي لاتحاد علماء الفلك في الولايات المتحدة، أن البشرية يجب أن تنتظر 1500 سنة كي تظهر لديها فرصة لإقامة اتصال بعقل خارج منظومتنا الشمسية، لأن «مجال التواصل» بعد مرور تلك الفترة سيشمل ما يقارب نصف نجوم مجرتنا.
وانطلق العالمان من حقيقة أن البشرية بدأت في إنتاج إشارات تنتشر بسرعة الضوء قبل قيام جاجارين بأول رحلة فضائية بكثير، وذلك بعد اختراع الراديو والتلفزيون، ويفترض أن تبلغ إشاراتنا كواكب أخرى تقع ضمن مجال يعادل قطره نحو 160 سنة ضوئية، لكننا لم نعثر على أي دليل على أن كائنات في كواكب أخرى التقطت شيئاً من هذه الإشارات.
لكن ما نحن بصدده هنا هو مفهوم «الحياة العاقلة» في المجتمعات البشرية نفسها، لا في الكواكب الأخرى، فإذا كان العقل هو النعمة التي تميز البشر عن سواهم من الكائنات، فهل تراهم فعلاً يعيشون حياة عاقلة أو يسعون لكي تكون حياتهم وتظلّ عاقلة؟ هذا الأمر وقف عنده رجل مشتغل لا بعلم الاجتماع أو علم النفس، وإنما بالبلاغة والنقد الأدبي أساساً، هو إيفور آرمسترونج ريتشاردز في كتابه المخصص لبحث العلاقة بين العلم والشعر، الذي ترجمه إلى لغتنا د. محمد مصطفى بدران، وفيه يذهب إلى القول إن الحياة العاقلة أصعب منالاً اليوم عما كانت عليه.
وكمن يستشعر التباس هذا المفهوم، فالحديث لا يجري عن الإدراك والفهم، وإنما عن حياة عاقلة، فإنه يسارع إلى الشرح بأن «الحياة العاقلة لا تعني أن نعيش تبعاً للعقل وحده»، والخلط بين الأمرين يسير، وان كان يؤدي بنا إلى نتائج وخيمة، فالغاية هي «أن نعيش باسلوب يرضى عنه العقل»، ويرتضيه الإدراك الواضح. دعونا نقول إن المقصود، باختصار، هو «الحياة الرشيدة».
بديهي أنه طالما جرى الحديث عن «حياة عاقلة» يتعين علينا البحث عن نقيضها، وهي لا يمكن إلا أن تكون مجنونة، فإلى أيهما يبدو البشر اليوم أقرب؟ لعلنا لامسنا بعض الإجابة في حديثنا أمس عن «قوة الكوابيس»، فدوننا و«الحياة العاقلة» طريق طويل.
بقلم: حسن مدن