تنطوي ثنائية التعقيد والتبسيط على مفارقة، لأنها تضع المرء في حيرة تحديد أيهما يروق له أكثر. نحن إزاء معضلتين، أو فلنقل نقيصتين، فعلاج التعقيد في الكتابة أو الحديث وما إليهما، ليس في التبسيط المغالى فيه، الذي يُفقد الفكرة ما يفترض أن يكون لها من محتوى، ولا علاج التبسيط هو في الجنوح نحو التعقيد، الذي يطوّق الفكرة بأسوار لا ضرورة لها، تحدّ من سلاسة تدفقها وانسيابية مرورها إلى الآخر، الذي هو هنا المتلقي الذي نوجه إليه الحديث، أكان الحديث شفاهياً أو مكتوباً.
 
في العربية نتحدث عن أمر حميد في أسلوب الكاتب، وربما في الحديث أيضاً، ندعوه ب «السهل الممتنع»، أي ذاك الأسلوب الذي يجمع بين عمق الفكرة ورصانتها وتماسكها من جهة، ورشاقة تقديمها، بحيث تجد طريقها إلى الأذهان بحرية أكبر، ويُشار بالبنان، حين يجري الحديث عن «السهل الممتنع»، إلى أسماء عملاقة في دنيا أدبنا العربي، يتقدمها، دون منازع، طه حسين.
 
لكننا نشهد، على النقيض من ذلك، ميلاً لدى بعض الكتّاب لافتعال التعقيد، والأسباب في ذلك كثيرة، بينها عجز الكاتب نفسه عن تقديم فكرته بيسر إلى المتلقي، ربما لأنه لم يتمثلها في ذهنه كفاية، وبينها أيضاً شعور هذا الكاتب أنه كلما أكثر من «التعقيد»، وحشو ما يكتب بالمصطلحات المأخوذة في الغالب الأعمّ من لغات أخرى بعد تحويرها بالعربية، فإنه يضفي على ما يكتب «رصانة» و«عمقاً»، يزيدان من أهميته.
 
لا التعقيد حميد، ولا التبسيط حميد. وهو أمر عالجه آلان دونو في كتابه «نظام التفاهة»، في الجزء الذي خصصه ل «لغة خطاب التفاهة»، ومع أنه أراد من خلاله نقد ما وصفه ب «التبسيط الخطر» إلا أنه عرّج أيضاً على نقد ما نريد نحن وصفه ب «التعقيد الخطر».
 
عن برنارد شو ينقل المؤلف أن أحد الملوك طلب من إقليدس أن يعلمه الهندسة في دروس قليلة، فردّ عليه إقليدس: «لا يوجد طريق ملكي إلى الرياضيات»، في إشارة إلى أن اكتساب المعرفة يتطلب جهداً ومثابرة، ووجد المؤلف في هذا القول منطلقاً للتحذير من أن التبسيط إن تجاوز حدوده، تحوّل إلى جزء من «نظام التفاهة» السائد الذي يعريه الكتاب.
 
وآلان دونو الذي نقد ميل بعض الكتابات الأكاديمية إلى التعقيد «حتى كاد الأسلوب الجاف والمستغلق يتحول إلى ما يشبه الموضة في الأوساط الفلسفية»، لم يفته أن يُذكرنا بقول لأينشتاين فحواه: «كل شيء ينبغي أن يكون في أبسط أشكاله، لكن يجب ألا يكون أبسط مما هو عليه».
بقلم: حسن مدن