عيد ميلاد سعيد لطفلتي الصغيرة "لارين" .. قصة أمومتي وحبي الأول.. لا زلت أرى في محياها وثغرها الباسم حب الحياة وقصيدة من الأمل، ما أجملها من طفلة، هي مهجة الروح وقطعة منها، صغيرتي التي طالما نَجَحَت في رسم البسمة على شفتي فكنتُ أحتضنها بحرارة وأُرَبِتُ على كتفيها وكأني أربت على عمري الذي يسير متسارعا مع الزمن. طفلتي التي حَمَلت شكل الملامح التي أحببت وأول ما رأت عيني من الجمالِ والعذوبة الممزوجِة ببراءة الملائكة، منذ تلك اللحظة حين تأملت ذلك الوجه الجميل، ورأيت تلك العيون الواسعة المتوثبة على الحياة وتلك البشرة الناصعة، والابتسامة النورانية التي تلوح مشرقة على وجهها كالطيف، غَدَت بالنسبة لي شيئا آخر مختلف لا يفارق مخيلتي أبدا، هي التي تمتلك روحاً من عالمٍ واسعٍ صاخبٍ نابضٍ بالحركة والنشاط وكثير من المشاكسات والانسجامات والأصوات والتناقضات، وجمعٌ لا ينتهي من الأسئلة والحكايات والاعتراضات والثرثرة.
 
أتذكر البدايات حيث كانت تَمُدُّ أطرافها الصغيرة في سريرها الدافئ بعد صحوها من نوم طويل، ليفاجئها النور فتبدأ بالأنينِ والانكماش والبكاء، ثم تعاود مد أطرافها من جديد مبتسمة ترسل ضحكتها الأولى لهذه الحياة، فأنغمس أنا فَرِحةً سعيدة بها لأعيش أصدق اللحظات.
كانت تبعثر المخبوء من الكتب والأقلام وتمزق الأوراق وتنثر المحتويات، وتحبو بخطوات صغيرة سريعة محاولة التعرف على الضوء والألوان من حولها والظلال والأشكال والملامح والحركات، وتستمتع بالصخب لاستكشاف كل ما يحيط بها من عالم واسع كبير مثير، كان صوتها ومناغاتها يرن كنغمات تعزفها في أذني فتُفجِر في القلب ينابيع من عاطفة ورجاء، أطرب لها فتدوخني كغناء عذب فرات، وينشرح صدري بها وبما حباها الله من جميل المَلَكات، وتمتد يَدي فأحضنها بكل شوق فإذا بي أشتم براعم الربيع وأريج الأزهار وعطر الحياة.
 
يمر الوقت بطيئاَ وتكبر طفلتي الصغيرة، تكبر معي وأكبر معها وإذ بها تشكلني وأشكلها بهيئتي وهيئتها معا، وهكذا يوما بعد يوم عشنا سوياً تفاصيل حكاياتها البريئة، كنت أستمع لها بكل حب فأراها تجمع شفافية الكون وكل النقاء، كانت مجتهدة متفوقة تتوق دائما للمعرفة والعلم حيث توجهت بدراستها الجامعية لهندسة الحاسوب، أتذكرها حين كانت تركض إليَّ بكل ثقة، ترسم صوراً من أحلامها وطموحاتها وعوالمها الصغيرة، كانت تتحدث باهتمام كبير ومنطق بليغ فتبدو أكبر سناً من أقرانها بكثير ...
 
صغيرتي الجميلة، قد لا يزال الطريق طويلا أمامك، إلا أن ما لديك من عزم وإصرار للمضي قدما سَيُحوّل تلك المسافة لدروس مثمرة تقطفينها غدا لتزهر بها أحلامك بمستقبل واعدٍ سعيد، وها هو صوتك المفعم بالقصص والأغنيات والأمل، لا يزال يملأ الأثير بعبيره الذي يضيء سمائي بمناراته، صوتك لا يزال في أذني موسيقى لحن ونغم، وكلماتك نشيدٌ وطرب، ووجودك في حياتي ينتشل منها التعب، ويجعلني أحتفي بأيامي متأملة فرحة عن كثب ...
 
أحدق اليوم بالفراغ البعيد فأتذكر ضحكاتنا، أزماتنا، أيامنا وكل المواقف والصور، وإن طالت المسافات بيننا فستظلين أنتِ نبض قلبي ابنتي وحبيبتي، صديقتي، عالمي وكل الأقاليم.
جميلتي الثائرة بكل الأوقات وعلى كل الظروف، أنت دائما في عيوني تلك الطفلة الصغيرة البريئة المثابرة المشاكسة .. أهمس إليك اليوم من بعيد إذ لا بد ستجمعنا الأيام من جديد.. أنت حبي الأول ورائحة الحياة ، تلك التي اختزنها في مساماتي عبر كل تلك السنين وحتى الرمق الأخير
بقلم: صباح بشير.