يرى كثير من علماء النفس والتربية أن العبقرية لا تورث وإنما تصنع، فعوامل البيئة والتربية والإعداد والمران عناصر أساسية حتى بالنسبة لمن منحتهم الطبيعة العديد من المواهب. أما الوراثة فإنها لا تقدم سوى (البذرة) التي يجب أن تغرس في التربية الملائمة، ثم نتولاها بالرعاية والتهذيب قبل أن تنضج وتتفتح. فكيف نكتشف ونزيح الستار عن تلك العبقرية؟وكيف ننميها؟
إن كل شخص يمتلك قدراً ما من الإبداع وأنه يمكن تعهد هذه المقدرة وتنميتها بالتدريب والمران. ومما يساعد على تنمية الإبداع وتدريبه لدى الطفل أن يوجد في وسط جماعة تتسامح مع الأخطاء وتشجع على الاختلاف. ولا تكثر من النقد وتأخذ موقفاً تشجيعياً لأفكار أفرادها، بينما يقضي على الإبداع وجود الطفل في وسط جماعة تسلطية تكثر من النقد ولا تتسامح إزاء الخطاء وتنبذ من يخرج عن المألوف وتسخر من الجديد. وتتسم بالصلابة وضيق حرية الحركة المسموح بها وممارسة أنواع من الضغط والعدوان والإحباط، وهذا ما يوضحه لنا يعقوب الشاروني أستاذ أدب الأطفال.
لذا فإن الإسراف في الانتقاد واللوم وإظهار السلبيات خاصة عند بداية ظهور الأفكار الجديدة يؤدي عادة على خوف الشخص وعندئذ يتراجع معيار تفكيره وتنخفض بالتالي الأفكار المبدعة لديه.
إن الآباء والأمهات الذين يمكن أن يساعدوا على نمو قدرات أطفالهم الإبتكارية والإبداعية هم الذين يتميزون بفتح الذهن والمرونة العقلية والقدرة على التكيف والبعد عن التزمت وعدم التسلط والقدرة على تناول وجهات نظر متعددة، والقدرة على منح الطفل قدراً من الاستقلالية، مع توفير الجو من التشجيع والأمان والثناء على النجاح حتى يكتسب الطفل نوعاً من الثقة والتفاؤل والرضا ونسبة مرتفعة من توقع النجاح واختيار المستوى أعلى من المخاطرة، ومن أجل ذلك لا بد من:
أولاً: احترام خيال الأطفال وأن نتجنب تعطيله وتعويقه وأن يكف الكبار عن الاعتقاد الراسخ لديهم بأن ما يفكر فيه البالغون هو الصحيح والحقيقي فقط، فالوالدان عندما يحاولان باستمرار توجيه ابنهما إلى الواقع وإلى ما يعتقدون أنه مفيد وعملي، كلما وجدوا ابنهما محلقاً في سماء الخيال غمنا،وأسلوبهما هذا يعوق حقيقة نمو خيال ابنهما بدرجة كبيرة؛ أي أننا حينما نستهين بخيال الطفل فإننا بالتأكيد نوصد أمامه هذا الباب السحري إلى الأبد.
ثانياً: احترام قدرات الطفل الموهوب ولتنمية قدرات الطفل الموهوب ومواهبه الإبداعية فإن علينا احترام رأيه والإجابة عن أسئلته بحسن تصرف وان ندرس معه أي مشكلة يبحث لها عن حل مع تشجيعه ومناقشته في المسائل المختلفة مع مراعاة مستواه العقلي. واحترام قدرته على التفكير كذلك فإن علينا أن نتوقع من الطفل العمل الذي يتناسب مع قدراته وألا نطلب منه مالا يناسب إلا مع من هم أكبر منه سناً.
ثالثاً: حرية الطفل في الرسم: كذلك يجب أن نمتنع أن نقدم للطفل كراسات التلوين ذات الرسوم الجاهزة أو أن نطلب منه نقل الرسوم من الكتب والنماذج..بل لابد أن نترك للطفل حرية اختيار موضوعات رسومه يعبر فيها عن نفسه بخياله المنطلق وبالألوان التي يحبها وبالأسلوب الذي يرون له غير مقيد لا بنسب ولا بمنظور ولا بتطابق مع الطبيعة لا في الشكل ولا في الألوان. فهذا هو السبيل الأمثل لكي يكون التعبير الفني مستجيباً ومتفجراً لطاقات الإبداع عند الطفل.
رابعاً: إنشاء النوادي للهوايات لأن مثل هذه النوادي والأماكن المتخصصة لممارسة الهوايات والتي تنمي الإبداع والتي تقوم على أساس ميول الأطفال تزيد من حماس التلاميذ ورغبتهم في العلم وتساعد على الكشف عن الموهوبين منهم كما يجب توفير الأماكن وأدوات ممارسة مثل هذه الهويات في المدارس والحياء لتنمية الإبداع وتشجيع المبدعين وإشعارهم بتشجيع المجتمع لهم تشجيعاً لهم على مواصلة الجهود واستمرارهم في البحث والاستقصاء.
خامساً: الإجابة عن أسئلة الأطفال فالطفل يواجه مواقف لا يفهمها لا لشيء إلا لأنه لم يجد جوابا عنها ولابد أن نوفر المثيرات اليومية التي تشجع الأطفال على الإقبال على التساؤل وتحملهم على إلقاء الأسئلة التي تبدأ بأدوات الاستفهام: لماذا وكيف ومتى وأين؟ ويجب أن يكتسب الطفل القدرة والثقة بالنفس في بحثه عن الإجابات حتى يكون مستعداً لمواجهة المجهول والتفكير الخلاق بثقة واطمئنان. غايتنا أن نوجه الطفل ليس فقط ليلقي المزيد من الأسئلة، بل أيضاً ليبحث بنفسه عن الإجابات، سواء في الكتب أو عن طريق سؤال المعلمين أو عن طريق الملاحظة أو باختيار الاحتمالات المختلفة وليس هناك سن يكون الطفل فيه أصغر من أن يتعلم عن طريق التفكير في المشكلات التي تثير اهتمامه بها.
+ حرية الطفل:
البيئة هي العامل الأساسي لتنمية قدرات الطفل الإبداعية. وكذلك حرية الطفل في العمل في شتى مجالات ميوله، مما يساعد على استخدام مواهبه من حيث القدرة على الخلق والابتكار. كذلك تشجيع الطفل على استحداث استخدامات جديدة لأشياء أو مواد مألوفة هو شكل من أبرز أشكال تنمية التفكير الإبداعي عند لأطفال.
إن الأطفال يبحثون دائماً عن مواد مألوفة حولهم لاستخدامها في لعبهم الإيهامي. وهم يفعلون ذلك عندما لا يجدون المواد الحقيقية وذلك لكي يتخذ الدور الذي يلعبونه الشكل القرب إلى الواقع، وكلما كان نشاط الطفل في لعب الأدوار الإيهامية أو التمثيلية حافزاً على البحث والوصول إلى أفكار جديدة وبعيدة عن المألوف، يكون قد حقق نصراً أساسياً من عناصر الابتكار والتفكير الإبداعي. هذا ما يتفق فيه الكاتب محمود قاسم مع يعقوب الشاروني.
وأخيراً، ينبغي علينا أن نعامل أطفالنا كلهم كما لو أنهم جميعاً لديهم شرارة من النبوغ. والآباء يستطيعون أن يلهبوا هذه الشرارة من النبوغ أو يضعفونها أو يخمدونها. والواجب علينا أيضا تنمية هذه الميزة الرئيسية في أطفالنا حتى يصبح لدينا جيلا كاملا من المبدعين والعباقرة.
المصدر: معهد الشيرازي للدراسات، واشنطن (بتصرف)