المبالغة في استخدام التطبيقات الإلكترونية تعرض الأطفال إلى مشاكل سلوكية أو تتسبب في إصابتهم بأمراض تودي بحياتهم. 
 
* التكنولوجيا تطمئن الأولياء وتطور قدرات الأطفال التعليمية:
الذكاء الاصطناعي يغير الكثير من المفاهيم داخل الأسر الحديثة، إلى درجة أن الكثير من الآباء والأمهات لم يعودوا يرجعون إلى الأجداد لأخذ استشاراتهم وحكمهم في تربية أبنائهم، بل يلجأون مباشرة إلى الإنترنت ليتعلموا أبجديات “التربية الذكية” التي تتماشى ونسق حياتهم السريع، وتتوافق مع بيئتهم المتطورة باستمرار.
لم يعد الأجداد وخبراتهم التقليدية يمثلون مرجعا أساسيا في تربية الأحفاد، بعد أن أتاحت وسائل التكنولوجيا التفاعلية للآباء الكثير من الاستراتيجيات والأجهزة والتطبيقات الذكية، لتنشئة أطفالهم بأساليب عصرية، تتماشى ونسق حياتهم السريع، وتتوافق مع بيئتهم المتطورة باستمرار. 
 
وبدلا من الاعتماد على الحدس الذاتي في رعاية الرضع أصبح الآباء والأمهات من الجيل الحديث يستعينون بالبيانات الرقمية، ما يوفر عليهم مشقة السهر ليلا، بعد تبصرهم بأسباب بكاء الصغير عبر تحليل البيانات رقميا وطمأنة الأمهات خارج البيت بشأن حال صغارهن، من خلال ما يصلهن من تنويهات عبر هواتفهم المحمولة. 
 
* تطبيقات لمراقبة الأطفال بالصوت والصورة:
حاليا، تتعاون شركة "أوديو أناليتيك" الناشئة، مع مجموعات من الآباء والأمهات في مدينة كمبريدج بالمملكة المتحدة لوضع معجم خاص بها لتوصيف وتصنيف الأنواع المختلفة لأصوات البكاء التي يجري تسجيلها، وربما ستتمكن الشركة بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي من حل غموض بكاء الأطفال الذي يربك الآباء، وتمكنهم في القريب العاجل من معرفة ما إذا كان طفلهم جائعا أو يرغب في النوم أو مريضا. 
 
وتعمل الشركة على تطوير أجهزة الكمبيوتر لتتمكن من رصد أصوات أخرى، ذات أهمية للإنسان، مثل الأصوات التي تصدرها أجهزة إنذار الحرائق، وأصوات صياح الأطفال، ونباح الكلاب. 
 
كما وجدت معظم الأسر، التي لا يجد فيها الآباء والأمهات متسعا من الوقت للعناية بأطفالهم ومراقبتهم على الدوام، خيارا لا مفر منه لمتابعة أطفالها عبر أجهزة المراقبة المتصلة بمتعلقات الأكل والشرب واللعب والنوم واللبس، وغير ذلك من المنتجات التي تهدف إلى توفير راحة البال للآباء، ومنها أيضا ما يؤدي بعض المهام بدلا منهم، مثل كاميرات المراقبة التي تهدف إلى طمأنة الأهل، من خلال بثها لحالة الطفل بالصوت والصورة، وإتاحة الفرصة للأمهات والآباء لمراقبة صغارهم النائمين، حتى يتمكنوا من مواصلة أعمالهم في هدوء أو الحصول على قسط من النوم الهانئ ليلا. 
 
ومن تلك المنتجات الإلكترونية أيضا جهاز ذكي متصل بزجاجة الرضاعة الخاصة بالرضيع لإمداد الهاتف المحمول عبر تقنية البلوتوث ببيانات تتعلق بتغذية الرضيع، وما يتناوله من حليب، ودرجة حرارته، بل وزاوية الزجاجة نفسها، وذلك عبر تطبيق مصاحب. وهناك منتج آخر يتمثل في "مهد"ذكي يعرف باسم "سنو" يهدهد الطفل، ومزود بأجهزة استشعار وميكروفونات لمتابعة بكاء الرضيع والعمل على توفير الراحة والهدوء له ولوالديه . وتم تصميم السرير بناء على نصيحة ومتابعة من كبار أطباء الأطفال والأخصائيين في مجال أدوات العناية بالأطفال في الولايات المتحدة الأميركية وسويسرا. 
 
ونظرا لأن العديد من الآباء اعتادوا على العمل على تطبيقات الهواتف الذكية وغيرها من المنتديات الإلكترونية على شبكة الإنترنت، فإن ذلك فتح أمامهم آفاقا شاسعة لمواكبة أحدث الأجهزة والتطبيقات والبرامج المختصة في “التنشئة الذكية” للأطفال وتربيتهم بطرق حديثة توفر عليهم الوقت والجهد وتتيح أيضا لأبنائهم الفرصة لتعلم بعض المهارات المطلوبة في العصر الحالي.
وتعتبر مهمة الحفاظ على سلامة الأطفال أثناء استخدام الإنترنت مهمة شاقة، لاسيما حينما يكون هؤلاء الأطفال بعيدين عن أعين الآباء، كما تزداد صعوبة المهمة عندما يرغب الآباء في معرفة ما يفعله الأطفال. 
 
ويشعر الآباء باطمئنان حينما يحصلون على رسائل تنبيه بشأن أماكن وجود أطفالهم. لذا أعلنت شركة "بيورسايت" لتكنولوجيا المعلومات في بريطانيا عن إطلاق تطبيق للهواتف المحمولة يتيح للآباء إمكانية الاتصال عن بعد بهواتف أطفالهم المحمولة وكذلك حاسباتهم اللوحية. 
 
والتطبيق هو عبارة عن نظام تنبيه داخلي على الهواتف المحمولة، يمكن الآباء من التعرف على تحركات أطفالهم وتحديد المواقع التي كانوا يتصفحونها، فضلا عن قراءة رسائل تلقاها أو أرسلها الأطفال عبر شبكات التواصل الاجتماعي. ووفقا لدراسة أميركية جديدة، يستخدم حوالي ثلاثة أرباع الآباء اليوم أجهزة ذكية لمراقبة أطفالهم بشكل مستمر. وفي عام 2016، ضم معرض الإلكترونيات الاستهلاكية الأكبر في العالم والذي يجري سنويا في الولايات المتحدة الأميركية مجموعة من التقنيات الموجهة للصغار. 
 
* تربية الأطفال بطرق حديثة توفر عليهم الوقت والجهد:
وأشارت المسؤولة عن المعرض جيل غيلبرت إلى أن المعرض في بدايته اجتذب شركات ناشئة تبتكر منتجات جديدة للأطفال، وكانت البداية بأشياء من قبيل مقعد سيارة للصغار بمجسات لضمان سلامة الطفل، ووسادة تغيير حفاظات الصغار تتابع نمو الطفل باستمرار، لكن في السنوات الأخيرة تطورت منتجات الصغار وأصبحت أكثر تعقيدا متضمنة مجسات أكثر وبيانات عدة مصحوبة بمنتديات رقمية شاملة. 
 
ودخلت اليوم عدة أسماء تجارية معروفة على خط المنافسة في سوق "التنشئة الذكية" المتنامي، ومنها شركة موتورولا التي أطلقت مجموعة كاملة من المنتجات، وشركة فيليبس من خلال تطبيقات تضم بيانات متابعة. ويتوقع أن تحدث التكنولوجيا التي يمكن ارتداؤها، تغييرا جذريا في مستقبل الرعاية الصحية للأطفال. ويعود الفضل في ذلك إلى الفرص التي تتيحها لجمع وتحليل البيانات. 
 
ومع انتشار هذه التكنولوجيا ووضعها في الصورة الأكبر إلى جانب التطبيقات التي توفر استشارات طبية، قد تنتقل خدمات الرعاية الصحية ليس فقط إلى خارج العيادات الطبية بل خارج نطاق الأطباء لتكون متاحة بشكل أكبر بأيدي الآباء.
ورغم أن قطاع تقنيات الصغار لا يزال في بداياته، ويفتقر إلى الدراسات المطلوبة، فإن خبراء شركة هيكسا لأبحاث السوق يتوقعون نمو منتجات الأطفال وحدها كقطاع جزئي من 929 مليون دولار في 2016 إلى 1.63 مليار دولار بحلول 2025، تتصدره الصين، ويكون لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ نصيب ضخم من ذلك السوق العالمي في تلك الفترة.
غير أن الآثار الطبية والنفسية لتقنيات "التربية الذكية" للصغار لم يأخذها الآباء في الاعتبار، كما لم تخضع للدراسة المعمقة من قبل الخبراء للتعرف على جدواها واكتشاف مخاطرها المحتملة. 
 
*تداعيات طبية ونفسية:
طالب أطباء الأطفال في الولايات المتحدة بإخضاع أجهزة التتبع الصحية الذكية، التي تهدف إلى مراقبة الأطفال أثناء نومهم، لرقابة نفس الهيئة التي تشرف على المعدات الطبية الأخرى. وجاءت مطالبة الأطباء بعدما استقبلت أقسام الطوارئ العديد من الأطفال إثر إنذارات كاذبة بعثت بها تلك الأجهزة. وقال فريق من مستشفى الأطفال في فيلادلفيا إنه يجب أن توافق إدارة الغذاء والدواء الأميركية على هذه الأجهزة. 
 
وأكدت الدكتورة "إليزابيث فوغيليا"، المتخصصة في طب الأطفال حديثي الولادة، أن أجهزة التتبع في المنزل لا تلعب أي دور بالنسبة لمعظم الأطفال الأصحاء، وجميع البيانات تشير إلى أن مراقبة الرضع في المنزل لم تحد من خطر موت الرضع المفاجئ. 
 
وقالت "فوغيليا" هناك عدة فئات من الرضع قد يكون من المناسب أن يصف الطبيب لها جهازا طبيا يستخدم في المنزل. وأشار البعض من علماء النفس إلى مخاطر محتملة للتطبيقات الإلكترونية، فمنها ما قد يعرض الأطفال إلى مشاكل سلوكية، أو يتسبب في إصابتهم بأمراض تودي بحياتهم، على عكس الأجداد الذين يظلون على الدوام أفضل راع للأحفاد، لما يقدمونه من دفء لهم، ثبت علميا أنه يؤثر إيجابيا على ذكائهم ونموهم العقلي، وتطور قدراتهم الذهنية ومهاراتهم الاجتماعية.
بقلم: محمد اليعقوبي (بتصرف)