بعد سقوط النظرة القديمة للطفل التي كانت تقوم على اعتباره راشداً صغيراً عليه أن يتصرف كما يتصرف الكبار والا فالقصاص هو علاجه الوحيد، قدّم علم النفس الحديث كثيراً من الحقائق عن الطفولة أحدثت ثورة في عالم التربية كما عبّر عن ذلك "فولكييه" في كتابه المدارس الحديثة، حتى غدا الطفل بعد ذلك محور العملية التربوية بأكملها، وغدت مهمتها تقديم العون للطفل كي ينمو نمواً سليماً متكاملاً ومتوازناً في مختلق جوانب شخصيته (الجسدية، العقلية، الإنفعالية، والإجتماعية) دون محاولة التدخل في طبيعة النمو ذاته.
من هنا كانت الروائز وهي عبارة عن اختبارات مختلفة يقوم بها الفاحص مع الطفل ومن خلالها يتعرف إلى شخصيته وعلاقته الإجتماعية مع عائلته ومحيطه. فالروائز هي وسائل مصممة لتثير لدى الطفل ردود فعل يمكن تسجيلها، وردود الفعل هذه مختلفة في طبيعتها بالنسبة إلى تعقدها أمام النتائج التي نحصل عليها فتقدر بالرجوع إلى معايير معينة.
يعيش أطفالنا اليوم العديد من المشاكل التي قد لا يلاحظها الأهل من خلال تعاملهم مع أطفالهم إلا أنه وخلال وجود هذا الطفل داخل المدرسة تحت إشراف ومراقبة ورعاية مربية متخصصة في مجال العلاج النفسي، تستطيع اكتشاف العديد من المشاكل التي يعاني منها هؤلاء الأطفال والتي تستطيع معالجتها بالتعاون مع أسرة الطفل حتى عمر الخامسة، وإلا يصبح تحول الطفل إلى معالج نفسي متخصص أمرا واجبا.
1 - المشاكل التي يعانيها أطفالنا:
من الشاكك التي يعانيها أطفالنا نذكر:التشتت الذهني، العدوانية، الخوف، الغيرة، التوحد، التبول اللاإرادي، ولعل عرض حالة الطفل قاسم ق. البالغ من العمر خمس سنوات تساعدنا في التعرف أكثر الى مفهوم الروائز وأهميته وطريقة القيام به.
وفي حديث مع المعالجة النفسية التي اكتشفت وأشرفت على حالة الطفل قاسم أوضحت الدكتورة منى علامة أن سبب اختيارها لقاسم هو ملاحظتها انه موجود في الصف ولكن جسدياً فقط، وأن ما يميزه عن رفاقه أنه دائم الحركة ولا يستطيع القيام بعمل لأكثر من دقيقتين حتى أثناء اللعب مع رفاقه، كما لاحظت أن "قاسم يقوم برسم تعابير غريبة على وجهه، وهو دائم الحديث عن سوبرمان ورغبته في الطيران معه، ومن هنا قررت اختياره لدراسة حالته وهي: التشتت الذهني".
التشتت الذهني، ناتج عن ضعف القدرة على الإنتباه والتركيز، وهو من الصفات التكوينية الموروثة، فالفروق في المزاج يمكن ملاحظتها منذ الولادة حيث يكون بعض الأطفال كثيري الحركة متشتتين ينتقلون من مهمة إلى أخرى والبعض الآخر مثابراً وغير مشتت.
2 - خطوات نحو العلاج:
بعد اختيار الطفل قاسم لدراسة حالته، تبدأ المعالجة بالقيام بمجموعة من الخطوات المتسلسلة، حيث تقوم بمجموعة من الإختبارات التي توجه فيها الأسئلة لكل من الطفل والأم والأب وحتى المربية في المدرسة، كما تتعرف المعالجة إلى حالة الطفل الصحية من خلال الإطلاغ على ملفه الصحي.
لعل أبرز وأشمل هذه الإختبارات التي تقوم بها هو ذلك المتعلق بالعائلة بالإجمال ويعرف بالملف العائلي حيث تقوم المعالجة بجمع البيانات عن الوضع العائلي للطفل والوضع الإقتصادي والإجتماعي والسلوكي للأسرة. وبعدها تقوم المعالجة بقضاء يوم كامل في منزله حيث تقوم بتسجيل الملاحظات حول حياة قاسم العائلية. وتقول الدكتورة علامة انه ومن خلال مجموعة من الأسئلة التي طرحتها على كل من الأب والأم وقاسم، تبين لها أن والديه يحبانه كثيراً، إلا أن القسوة في معاملتهما له ناتجة عن عدم القدرة على التعامل معه واستيعاب تصرفاته الغريبة بالمقارنة مع إخوته الأكثر هدوءاً منه.
وتضيف علامة بالقول ان "إحدى أهم المراحل التي مر بها قاسم في علاج حالته هو عندما طلبت منه رسم ما يسمى بـ"رائز العائلة"، وهو واحد من مجموعة روائز يطلب من الطفل القيام بها على الصعيد الإجتماعي والنفسي والعقلي والمعرفي والتعليمي. ويركز رائز العائلة على الإسقاط، فطلب من قاسم أن يرسم عائلته للتعبير عن ميوله المكبوته واللاوعي عنده، ولإجراء حوار واسع معه عن عائلته للوصول إلى مجموعة من الإستنتاجات التي تساعد في عملية العلاج". وبعد قيام قاسم برسم رائز العائلة قامت الدكتورة منى بتحليل الرائز بعناية ودقة شديدين وذلك على عدة مستويات وهي:
- المستوى المكاني: حيث رسم قاسم نفسه في وسط الورقة، دليل على أنه ما زال غارقاً في الأنوية وما زال متمحوراً حول ذاته، وقد بدأ رسمه من اليسار إلى اليمين بادئاً بالأب حيث رسمه أكبر من بقية أفراد الأسرة كونه يشكل مركز السلطة. كما أن بدء الرسم من اليسار إلى اليمين دليل على تأثره الكبير بالماضي وعدم الإنفتاح والنظر إلى المستقبل.
- المستوى التعبيري– الحركي: خطوطه جاءت بارزة وهذا دليل على العدوانية والعنف وحالة التوتر التي يعيشها الطفل.
- المستوى الشكلي: جاءت الرسوم متناسقة ومتقاربة وهذا دليل على العواطف وعلى تعلقه بالعائلة.
- المستوى الرمزي: رسم نفسه مع جميع أفراد العائلة ولم يستثن أحداً، وهذا يدل على محبته الكبيرة للعائلة.
وقد غابت الأيادي عن كل الرسوم ما يشير بحسب علامة إلى "شعوره بالعجز والذنب، أما غياب الآذان عن رسوم الأب والأم فدليل على أنهما يوجهان له الإهانات باستمرار، وعلى مستوى القصة فإن رسم العائلة بأكملها دليل التعلق بها ورسم نفسه بين أخويه دليل على تعلقه بهما".
وبعد إجراء الإختبارات والروائز تقول علامة انه "تبين لها أن الطفل قاسم ق. يعاني من مشكلة التشتت الذهني ويعود سبب هذه الحالة إلى غياب الأب المتكرر عن المنزل وفرض قيود على سلوك قاسم في المنزل واستعمال القسوة في التعامل معه وكذلك عدم عناية الأم عناية تامة به".
علاج المشكلة: احضني طفلك .أما بالنسبة لعلاج المشكلة التي يعاني منها قاسم فقد تم بالتعاون بين المعالجة وأمه، وذلك بعد إخبارها بحالته وتقديم مجموعة من النصائح التي تساعد في علاج قاسم وتحول دون تفاقم حالته وهي:
- أن لا تتحدث عنه أمام الآخرين بطريقة سيئة.
- أن لا تقارنه بإخوته.
- أن لا تضربه.
- أن تقترب منه وتمضي معه وقتاً كافياً.
- أن تتفق مع والده على أسلوب واحد للتعاطي معه.
وهكذا استطعنا من خلال الروائز اكتشاف المشكلة التي يعاني منها قاسم، التشتت الذهني، وإيجاد الحل المناسب لها. لذلك يجب إعطاء الإهتمام الكافي للروائز حيث نستطيع من خلالها التعرف الى معظم المشكلات التي يعاني منها أطفالنا قبل تفاقم الأزمة والوصول إلى ما لا تحمد عقباه.
بقلم : نادر عز الدين