يرى بياجيه أن الزوج "مؤثر–استجابة" كما يتصوره المنظور السلوكي، يجب أن يعاد فيه النظر، وذلك لسببين أساسيين: أولهما وجود نشاط عصبي مستقل عن كل استثارة خارجية، إذ ليس من الضروري أن يكون هناك مؤثر ليحدث نشاطا عصبيا؛ وثانيهما هو أن المؤثر لا يكون فعالا إلا إذا كان هناك استعداد في الجسم أو لدى الذات. فالعلاقة بين المؤثر والاستجابة متبادلة ما دامت الذات صلة الوصل بينهما.
ويمكن أن نوضح هذه العلاقة من خلال الخطاطة التالية :

                            - النموذج السلوكي: مؤثر + ------------------ + استجابة
                            - النموذج البنائي :  مؤثر + ---- + ذات +.....+ استجابة

 فإذا كانت العلاقة بين المؤثر والاستجابة من المنظور السلوكي ذات طبيعة آلية، فإنها على العكس من ذلك تبقى دينامية من المنظور البنائي، ذلك أن حصول تأثير المؤثر يستلزم وجود قابلية في الجسم/ الذات. فالاستجابة لا تحدث إلا انطلاقا من إمكانيات الجسم/ الذات. والعلاقة بين المؤثر والاستجابة تكون متوسطة وليست آلية. وحينما يدمج بياجيه الجسم/ الذات، فهو يبين أن عملية التأثير والاستجابة هي عملية متطورة ومستمرة طوال الحياة، إذ تتغير بنيات الجسم/ الذات طبقا لتغيرات الظروف التي تحيط بها.
إن التطور الذي يقصده بياجي هو بناء، ثم إعادة بناء فعلية تتجاوز النزعة الفطرية والنزعة الإمبريقية إلى تكوين بنيات جديدة، ليس مجرد تراكم كمي لمكتسبات متفرقة. إن الذكاء حسب بياجيه هو "تقدم متطور يتراوح بين الانفتاح- بتغيير البنيات الموجودة سابقا في استجابتها للمحيط – والانغلاق- بإدماج عناصر المحيط في بنيات موجودة مسبقا- محققا بذلك توازنا". فكيف يتم هذا التوازن إذن؟ وما هي شروطه؟.
 + تحقيق التوازن :
 إذا كان المنظور البنائي يرفض كلا من النزعتين الفطرية والإمبريقية، فمعنى هذا أن بنيات الذكاء لا تتحدد بشكل قبلي من خلال المعطى الوراثي، إذ لا وجود لبنيات معطاة في البداية، كما أن البنيات ليست نتيجة حتمية لظروف تجريبية خارجية. إن البنيات الذهنية تتكون حسب مراحل العمر. ويستلزم تكون البنيات ثلاثة شروط:
أ‌ - النضج العصبي : ويقصد به درجة التطور أو النمو الذي بلغه الجهاز العصبي الذي يؤثر لا محالة في العمليات الذهنية. فهناك من الأنشطة أو الأفعال التي لا يمكن أن تظهر إذا لم يسبقها نضج في العضوية، فهناك، كما يقول بياجي ذكاء قبل التكلم، لكن ليس هناك تفكير قبل التكلم، وانطلاقا من هذه القولة، يتحتم انتظار نمو البنيات العصبية خلال السنة الثانية قبل أن يقوى الطفل على اكتساب اللغة التي ستكون عاملا لمزاولة العمليات الذهنية.
ب‌ - المحيط الاجتماعي: يتضح دور البيئة الاجتماعية وأنماط التربية التي يتلقاها الطفل في كونها تعجل أو تؤخر- في حدود معقولة- نمو وظهور البنيات الذهنية. فوجود الطفل في بيئة غنية بأشكال التواصل والتحفيز يمكن أن تساعد على النمو السريع والسليم لقدراته واستعداداته.
ج - التجربة العملية : إن تشجيع فضول الطفل من خلال تصميم وضعيات تعلمية تمكنه من القيام بتجاربه الخاصة ومحاولاته الفردية التي تستهدف إيجاد الحلول المناسبة للمشكلات المطروحة أمامه. كفيل بان يساعد على نمو نشاط التلميذ.
  واستنادا إلى هذه العناصر الثلاثة، يمكن القول إن توفر النضج العصبي وتحفيز المحيط الاجتماعي وإقبال الطفل على التجريب والممارسة، من شأنه ان يسهم في تحقيق التوازن لديه إن هذا التوازن يقوم على عمليتي الاستيعاب والتلاؤم وسنعرض بإيجاز لكل عملية على حدة.

المصدر : سلسلة التكوين التربوي؛خالد المير وإدريس قاسمي (بتصرف)

أضف تعليق


كود امني
تحديث